زلزال 4 آب هزّ العالم… و”أصنام” السلطة “في غير عالم”
يتذكّر لبنان والعالم اليوم النكبة التي حلّت ببيروت وضواحيها والتي زلزلت الأرض إنطلاقاً من المرفأ، لكنها لم تؤثّر على سلوك الطبقة السياسية الحاكمة المهملة والمتواطئة والمُسبّبة للانفجار.
أمام هول الدمار والخراب الذي زرعه إنفجار المرفأ، هبّ العالم لنجدة الشعب اللبناني الغارق في برك الدمّ والخراب والدمار، حتى ذهب بعض الكُتّاب العرب الى حدّ التساؤل مستغربين لماذا حظيت بيروت بهذا الكمّ من التضامن العالمي بينما غاب هذا التضامن عن عواصم كبرى مثل دمشق وبغداد.
وبعد مرور عام على تفجير المرفأ، لا بدّ من إجراء قراءة متأنية لكل ما حصل لاكتشاف مدى هذا التضامن العالمي مع لبنان. ويعود السبب الأول لحجم إنفجار المرفأ الذي صُنّف على أنه الإنفجار الأكبر عالمياً بعد الحرب العالمية الثانية.
أما النقطة الثانية فهي حجم الدمار والخراب الذي حلّ بالعاصمة بيروت والضواحي وأحدث جرحاً في كل بيت لبناني، فنسبة الدمار تفوق بأضعاف مضاعفة ما حلّ ببعض العواصم العربية، علماً ان تلك العواصم دُمّرت بسبب الحروب وليس بانفجار شبيه بانفجار بيروت أوقع أكثر من 200 شهيد و6000 جريح دفعة واحدة.
أما النقطة الثالثة والتي حشدت الدعم الدولي فهي وجود “لوبي لبناني” فاعل في معظم دول العالم وعلى رأسها دول القرار، وهذا “اللوبي” ناشط ويدخل في التفاصيل السياسية للدول التي يقطن فيها ويُمسك مراكز هامة، عكس الإغتراب الذي ينتمي إلى دول عربية أخرى، وقد نجح هذا “اللوبي” في تجييش العالم لدعم لبنان بعد كارثة 4 آب، ونتيجة حراكه الكبير ذهبت بعض الشخصيات العالمية إلى تصنيفه على أنه الثاني عالمياً من حيث قدرة التأثير بعد “اللوبي اليهودي” الذي يحلّ في الطليعة.
ويأتي في المرتبة الرابعة التعاطف الفرنسي أولاً والغربي ثانياً مع القضية اللبنانية، وبغضّ النظر عن وجود مصالح أوروبية وغربية في لبنان، إلا أن بيروت تشكّل نقطة النفوذ الأخيرة للفرنسيين في الشرق الأوسط وهناك علاقات تاريخية بين الفرنسيين والموارنة تمتدّ لأكثر من 1000 سنة وجُيّرت لاحقاً لمصلحة كل لبنان، كما أن حراك الفاتيكان أدّى إلى تجييش الرأي العام العالمي لنجدة لبنان، خصوصاً أن الإنفجار وقع في منطقة ذات غالبية مسيحية، من هنا أتى التحرّك الغربي سريعاً. لا شكّ أن حجم الإنفجار كان كبيراً، لكن الأوروبيين بشكل خاص شعروا أنهم مهدَّدون مع سماعهم أخباراً عن نية دول خصمة الدخول إلى لبنان والإستثمار في مرفأ بيروت، وهذا الأمر حرّك الفرنسيين والألمان بشكل خاص، ودفع برلين إلى التدخّل والمجيء إلى لبنان عبر وفد إختصاصي وقدّم عرضاً كاملاً متكاملاً لإعادة إعمار المرفأ وتحديثه.
ويعود السبب الرئيسي في هذه السرعة لدى الأوروبيّين الى أنهم لا يريدون أن يخسروا مرفأ بيروت مثلما خسروا ليبيا، لذلك فإن هناك خطّاً أحمر لا يمكن تجاوزه ويشكل تهديداً مباشراً لمصالحهم ولأمنهم على حدّ سواء.
لا شكّ ان إنفجار المرفأ كان مزلزلاً، لكن الشعب اللبناني يدفع فاتورة باهظة نتيجة تحكّم هذه الطبقة السياسية بمفاصل الدولة ولقمة عيشه، فلا أحد يصدّق أنه في بلد حدث فيه هذا الإنفجار الهائل لا يتفق السياسيون على تأليف حكومة، فقد مرّ عام تقريباً على سقوط حكومة الرئيس حسّان دياب وصراع رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره النائب جبران باسيل مع الرئيس سعد الحريري، حرم البلد من حكومة جديدة، كما أن “حزب الله” مرتاح لما يحصل خصوصاً وأن كلاً من عون وباسيل والحريري يساهمون في فرط مؤسسات الدولة، وبالتالي فإن كل هذا التعاطف الدولي مع لبنان الذي هبّ وقال “بيروت لا تموت” لا يمكن أن “يحلّ أي مشكل” إذا لم توجد إرادة داخلية للحلّ.