تحقيقات - ملفات
4 آب: إنه ليس يوم الانتخابات
الأخبار- هيام القصيفي
ذكرى انفجار الرابع من آب، هي أولاً وآخراً، ذكرى الضحايا الذين سقطوا من شهداء وجرحى لم يستفيقوا بعد من صدمة النيران والغيمة السوداء التي أحاطت بهم، وذكرى للناجين من المجزرة، الذين أُعطيت لهم فرصة الحياة مجدداً تحت ركام منازلهم ومكاتبهم وسياراتهم. هي مأساة يومية منذ سنة للآباء والأمهات المفجوعين، الذين يزورون قبور أولادهم بعيداً عن عيون الكاميرات، والعائلات التي تبكي يومياً أولادها وإخوتها، أطفالاً ونساءً ورجالاً، والشبان والصبايا وآلاف العمال اللبنانيين وغير اللبنانيين والمتطوّعين الذين وفدوا إلى بيروت ليساعدوا ويتضامنوا. الرابع من آب عام 2021، لا يتعلق إلا بالعائلات، بصرف النظر عن أي حزب تؤيد. هي ذكرى إنسانية بحت، تتعلق بالراحلين والناجين. هم وحدهم من يحق لهم كل شيء منذ سنة واليوم وغداً، كي يعرفوا الحقيقة المنزّهة التي يطالبون بها، من الألف إلى الياء، من لحظة دخول النيترات إلى لحظة انفجارها وما بين التاريخين. ما عدا ذلك كلّه استغلال سياسي بحت، واستثمار إعلامي باللعب على مشاعر الأهل والعائلات.
في رائعة المخرج الياباني أكيرا كوراساوا rhapsody in august، تكريم لضحايا القنبلة الذرية على ناغازاكي، من دون تسطيح واستدراج لبكاء هو الحد الأدنى من المشاعر الإنسانية لمن فقدوا أولادهم، وسرد استذكاري للمأساة عبر ثلاثة أجيال، واحتفالات سنوية لتكريم من رحلوا ومن بقوا فلا ينسى أحد ما حصل. يحتفل اليابانيون في رواياتهم بالمأساة، بالموت وبالحياة بعد سنوات طويلة على موت الآلاف من أبنائهم، فلا ينسون. وزوار متحف هيروشيما، ومثله متحف ناغازاكي، يعيشون لحظات من الحزن والدموع بعد عقود على الانفجار ويتلمّسون آثاره ومقتنيات ضحاياه، بعد عشرات السنين، بصمت يغلب كل الهمروجات اللبنانية.
في لبنان، تختلف مقاربة الحالة الناجمة عن انفجار المرفأ، عن مقاربة اليابان التي تعرف المسؤول عن رمي القنبلة الذرية، كون المسؤول عن انفجار بيروت لا يزال مجهولاً. إلا أن التعامل مع الانفجار، لا يكمن حصراً في محاولة تمييع التحقيقات منذ أن وُعد اللبنانيون بأن الحقيقة ستنكشف في غضون أيام، بل في كمية الاستثمار الذي لجأت إليه القوى السياسية وقيادات روحية وإعلاميون، في استخدام الانفجار ومشاعر أهل الضحايا، منصة بروباغندا صافية، مدفوعة أثمانها سلفاً. وبقدر وقاحة أهل السلطة والأمن، تبرز وقاحة من نوع آخر، في استثمار الجريمة والتماهي مع جروح الناس وأوجاعهم، واستخدامها في مسلسل دعائي فاضح وكأنها جزء من ماكينة كبيرة محلية وخارجية. فالانتخابات على الأبواب ومعركة اليوم بين القوى السياسية المتصارعة محتدمة، إلى الحد الذي يصبح مُحلَّلاً استخدام أي سلاح، حتى لو كان دماء الناس ودموع أهاليهم، سواء انتموا إلى هذا الحزب أو ذاك. إنه موسم الانتخابات والمهرجانات الخطابية وإضاءة الشموع السياسية ورفع الأعلام والأهازيج الانتخابية على الطريق نحو الذكرى. فاقتراب الصراع بين القوى السياسية، من لحظة المكاشفة العلنية على خلفية رفع الحصانات السياسية والأمنية، يجعل البعض يعتقد بأنّه يمكن في لحظة مفصلية التسلل من المرفأ إلى خوض صراع مكشوف. تماماً كما كانت لحظة 17 تشرين الأول، لحظة خروج الناس إلى الشارع من دون خلفيات سياسية، قبل أن يُستثمر الشارع على أيدي مجموعات أخذت التظاهرات إلى مكان ارتجالي احتفالي وقطع طرق، أضاع المواجهة الحقيقية في وجه السلطة وأركانها. ولأن الشارع لم يعد في الزخم نفسه، رغم الانهيار المالي والاقتصادي بأضعاف ما كانت عليه الحال يوم 17 تشرين، فإن ذكرى انفجار المرفأ قد تشكل لهؤلاء جميعاً رسميين وحزبيين على كلّ المستويات المنعطف المناسب. وإلا كيف يمكن أن يصبح المشهد طائفياً وسياسياً في هذا الشكل، ويصير استثمار دماء الشهداء والجرحى وحياة الناجين، مناسبة إعلامية وغنائية ومسرحية وفنية وسياسية وانتخابية واحتفالات وقداديس بالجملة وصلاة التكبير، وتوزيع الأعلام والرايات، وظهور شخصيات بيروتية فقط للكلام والخطب، في هذا الشكل الممجوج. فيما المطلوب لأهالي الضحايا عدالة وحقيقة غير ملتبسة عن موت أبنائهم.
معيب ما يجري منذ أيام، في حق أهالي الضحايا والضحايا أنفسهم، كما هو معيب استخدام صناديق الإعاشة منذ أن بدأت الضائقة المالية والاقتصادية وانفجار بيروت. بعدما شهدت الأسابيع القليلة الماضية تراجعاً ملحوظاً في المساعدات، من جمعيات وشخصيات برزت فجأة إلى الضوء وبدأت تتحرك تحت أسماء وشعارات مختلفة، سعت مع بداية الأزمة إلى جمع المساعدات والترويج داخلياً وخارجياً للحصول عليها. لكن مع تفاقم الانهيار وتراجع سعر الليرة أكثر فأكثر، وازدياد حاجة الناس المطّردة إلى مساعدات، انكفأت هذه الجمعيات وبدا عجزها فاضحاً في التعويض على المحتاجين، الذين باتوا اليوم أكثر حاجة إليها، بعد مرحلة أشهر تدفّقت عليهم المساعدات من كل حدب وصوب. فباتوا يحتاجون إلى أي شيء يُغيثهم بالحد الأدنى، وإلا فسيُتركون إلى رحمة الأحزاب ومساعداتها الاستثمارية كما فعلت منذ الانفجار.
4 آب ليس برنامجاً تلفزيونياً لتصوير مآسي اللبنانيين والتسوّل باسمهم، وإثارة شجونهم بطلب عبارات مؤثرة واستدراج البكاء، وليس مهرجاناً حزبياً، أو مناسبة دينية لتلميع صور رجال الدين. هو يوم للحقيقة، كي لا ينسى أحد انفجار المرفأ، لكنه قطعاً ليس يوم الانتخاب.
في رائعة المخرج الياباني أكيرا كوراساوا rhapsody in august، تكريم لضحايا القنبلة الذرية على ناغازاكي، من دون تسطيح واستدراج لبكاء هو الحد الأدنى من المشاعر الإنسانية لمن فقدوا أولادهم، وسرد استذكاري للمأساة عبر ثلاثة أجيال، واحتفالات سنوية لتكريم من رحلوا ومن بقوا فلا ينسى أحد ما حصل. يحتفل اليابانيون في رواياتهم بالمأساة، بالموت وبالحياة بعد سنوات طويلة على موت الآلاف من أبنائهم، فلا ينسون. وزوار متحف هيروشيما، ومثله متحف ناغازاكي، يعيشون لحظات من الحزن والدموع بعد عقود على الانفجار ويتلمّسون آثاره ومقتنيات ضحاياه، بعد عشرات السنين، بصمت يغلب كل الهمروجات اللبنانية.
في لبنان، تختلف مقاربة الحالة الناجمة عن انفجار المرفأ، عن مقاربة اليابان التي تعرف المسؤول عن رمي القنبلة الذرية، كون المسؤول عن انفجار بيروت لا يزال مجهولاً. إلا أن التعامل مع الانفجار، لا يكمن حصراً في محاولة تمييع التحقيقات منذ أن وُعد اللبنانيون بأن الحقيقة ستنكشف في غضون أيام، بل في كمية الاستثمار الذي لجأت إليه القوى السياسية وقيادات روحية وإعلاميون، في استخدام الانفجار ومشاعر أهل الضحايا، منصة بروباغندا صافية، مدفوعة أثمانها سلفاً. وبقدر وقاحة أهل السلطة والأمن، تبرز وقاحة من نوع آخر، في استثمار الجريمة والتماهي مع جروح الناس وأوجاعهم، واستخدامها في مسلسل دعائي فاضح وكأنها جزء من ماكينة كبيرة محلية وخارجية. فالانتخابات على الأبواب ومعركة اليوم بين القوى السياسية المتصارعة محتدمة، إلى الحد الذي يصبح مُحلَّلاً استخدام أي سلاح، حتى لو كان دماء الناس ودموع أهاليهم، سواء انتموا إلى هذا الحزب أو ذاك. إنه موسم الانتخابات والمهرجانات الخطابية وإضاءة الشموع السياسية ورفع الأعلام والأهازيج الانتخابية على الطريق نحو الذكرى. فاقتراب الصراع بين القوى السياسية، من لحظة المكاشفة العلنية على خلفية رفع الحصانات السياسية والأمنية، يجعل البعض يعتقد بأنّه يمكن في لحظة مفصلية التسلل من المرفأ إلى خوض صراع مكشوف. تماماً كما كانت لحظة 17 تشرين الأول، لحظة خروج الناس إلى الشارع من دون خلفيات سياسية، قبل أن يُستثمر الشارع على أيدي مجموعات أخذت التظاهرات إلى مكان ارتجالي احتفالي وقطع طرق، أضاع المواجهة الحقيقية في وجه السلطة وأركانها. ولأن الشارع لم يعد في الزخم نفسه، رغم الانهيار المالي والاقتصادي بأضعاف ما كانت عليه الحال يوم 17 تشرين، فإن ذكرى انفجار المرفأ قد تشكل لهؤلاء جميعاً رسميين وحزبيين على كلّ المستويات المنعطف المناسب. وإلا كيف يمكن أن يصبح المشهد طائفياً وسياسياً في هذا الشكل، ويصير استثمار دماء الشهداء والجرحى وحياة الناجين، مناسبة إعلامية وغنائية ومسرحية وفنية وسياسية وانتخابية واحتفالات وقداديس بالجملة وصلاة التكبير، وتوزيع الأعلام والرايات، وظهور شخصيات بيروتية فقط للكلام والخطب، في هذا الشكل الممجوج. فيما المطلوب لأهالي الضحايا عدالة وحقيقة غير ملتبسة عن موت أبنائهم.
معيب ما يجري منذ أيام، في حق أهالي الضحايا والضحايا أنفسهم، كما هو معيب استخدام صناديق الإعاشة منذ أن بدأت الضائقة المالية والاقتصادية وانفجار بيروت. بعدما شهدت الأسابيع القليلة الماضية تراجعاً ملحوظاً في المساعدات، من جمعيات وشخصيات برزت فجأة إلى الضوء وبدأت تتحرك تحت أسماء وشعارات مختلفة، سعت مع بداية الأزمة إلى جمع المساعدات والترويج داخلياً وخارجياً للحصول عليها. لكن مع تفاقم الانهيار وتراجع سعر الليرة أكثر فأكثر، وازدياد حاجة الناس المطّردة إلى مساعدات، انكفأت هذه الجمعيات وبدا عجزها فاضحاً في التعويض على المحتاجين، الذين باتوا اليوم أكثر حاجة إليها، بعد مرحلة أشهر تدفّقت عليهم المساعدات من كل حدب وصوب. فباتوا يحتاجون إلى أي شيء يُغيثهم بالحد الأدنى، وإلا فسيُتركون إلى رحمة الأحزاب ومساعداتها الاستثمارية كما فعلت منذ الانفجار.
4 آب ليس برنامجاً تلفزيونياً لتصوير مآسي اللبنانيين والتسوّل باسمهم، وإثارة شجونهم بطلب عبارات مؤثرة واستدراج البكاء، وليس مهرجاناً حزبياً، أو مناسبة دينية لتلميع صور رجال الدين. هو يوم للحقيقة، كي لا ينسى أحد انفجار المرفأ، لكنه قطعاً ليس يوم الانتخاب.