العراق… أرض شائكة للأميركيين؟
حسناء بو حرفوش
تساؤلات كثيرة تطرح في هذه الفترة حول مصير التأثير الأميركي في منطقة الشرق الأوسط خصوصاً في ضوء التصريحات الأميركية الأخيرة التي تشير إلى عدم تمسك واشنطن بالنفوذ العسكري في العراق واكتفائها بدعم حرب البلاد ضد داعش وتطوير قدرتها على مواجهة التهديدات المستقبلية.
من ضمن التحاليل التي تناولت هذا الموضوع، قراءة نشرت على موقع شبكة تلفزيون الصين الدولية (CGTN)، يفترض فيها المحللون “ضرورة تجنب الانسحاب الكامل للقوات الأميركية بهدف حرمان إيران من الظفر بالفوز بعد ذلك، ومن أجل إتاحة بتقاسم الأعباء مع الحلفاء الخليجيين والمساعدة في ضمان أمن الأردن على الحدود. ويركز التحليل على توصية أخرى للانتقال الأميركي التدريجي إلى المساعدة غير القتالية واحتفاظ الولايات المتحدة بمهمة استشارية في بغداد، حيث إن الانسحاب الكامل قد يشكل خطراً كبيراً على المصلحة الاستراتيجية الأميركية في مواجهة إيران.
ولكن في هذه الحالة، تواجه الولايات المتحدة أصلاً الكثير من التوتر، حيث ترتفع نبرة التحدي من أصوات كثيرة في العراق. وترفض هذه الأخيرة تحول القوات الأميركية من قوة قتالية إلى دور استشاري بحت. كما ترفض الميليشيات التوصيف الذي تم تغييره، وبالتزامن يجاهر البعض بالتهديد بمهاجمة القوات الأميركية المقاتلة أو غير المقاتلة حتى خروجها من البلاد. أضف إلى ذلك أن عدداً هائلاً من العراقيين يرفضون التغاضي عن الوجود العسكري الأميركي في ظل شعور بعدم الثقة، وهو شعور تعزز مع الاغتيال الأميركي لجنرال إيراني بارز في كانون الثاني 2020، والذي أدى بدوره إلى مقتل قائد عسكري عراقي كبير. وكانت واشنطن قد أكدت، دائماً بحسب التحليل، باستمرار منذ طرد داعش من العراق في العام 2017، على عدم نشر أي قوات قتالية بخلاف المستشارين والمدربين. وفي الواقع، شددت كل من الولايات المتحدة والعراق في 7 نيسان 2021 على أن مهمة الولايات المتحدة وقوات التحالف قد انتقلت إلى دور تدريبي واستشاري على أساس القدرة العسكرية المتزايدة للعراق. وبغض النظر، استبعد قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال فرانك ماكنزي، إمكانية الانسحاب الأميركي من العراق، بالقول: “سنبقى في العراق”، لأن المغادرة ستحقق أحد أهداف إيران.
(…) بالإضافة إلى ذلك، تتطلع واشنطن لاستغلال القمة الثلاثية، التي عقدت بين مصر والأردن والعراق في حزيران المنصرم، والتي اعتبرت محاولة لتحييد أو مواجهة النفوذ الإيراني في العراق وعبر المنطقة. ومع ذلك، سيحرص رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على عدم اتباع الإرشادات الأميركية تحت طائلة المساس بمكانته المرموقة في المنطقة. وقد طور الكاظمي علاقات جيدة مع طهران والرياض. بالإضافة إلى ذلك وبناء على علاقاته الوثيقة مع إيران والسعودية، يمكن للمحادثات التي ينظمها بين الخصمين الإقليميين (…) أن تمنح للسلام وللاستقرار فرصة في الشرق الأوسط، في وقت كان الاستقرار الإقليمي احتمالاً مستبعداً في المنطقة في الغالب بسبب التنافس السعودي الإيراني (…) ومع الاستراتيجية الاقليمية الجديدة للرياض (…) وسعي طهران لموافقة المملكة على المحادثات النووية مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تبرز الحاجة لدفع عملية السلام إلى الأمام. وعلى الرغم من أنه من المبكر للغاية الحكم على نتيجة المفاوضات، إلا أن هذه خطوة في الاتجاه الصحيح لحل الخلافات الثنائية والتوصل إلى صفقة بشأن الصراع اليمني وإنهاء الجمود الدبلوماسي المستمر منذ ما يقرب من خمس سنوات. وهناك المزيد من الإشارات الإيجابية، حيث لا يرى الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي أي عقبة أمام الحوار مع المملكة العربية السعودية وهو حريص على إعادة فتح السفارات (…) كما ينظر إلى التعاون الاقتصادي كقوة دافعة وراء تشكيل تحالف جديد (عمان وبغداد والقاهرة)، خصوصاً في ظل الانكماش الحاد في الناتج المحلي الإجمالي لبغداد في العام 2020 بسبب تقلب أسعار النفط وانتشار جائحة كورونا (…) وبما أن ما يقرب من 90% من عائدات العراق تأتي من صادرات النفط، سيعتمد الكثير من النمو الاقتصادي المتوقع للبلاد خلال العامين المقبلين على صادرات النفط الخام. وتساعد الصين بتخفيف مشاكل بغداد المالية وإعادة بناء البنية التحتية. وتستمر أوهام الولايات المتحدة بالعظمة المالية أو “حروبها الأبدية” في أفغانستان والعراق بتقويض جاذبية القيادة الأميركية.
وإذ تشعر الولايات المتحدة بالقلق إزاء علاقات بكين القوية ونفوذها المتزايد في الشرق الأوسط، بما في ذلك في العراق، تريد تعزيز تحالفاتها ضد الصين (…) ويمثل التزام العراق بإنشاء منطقة خالية من النزاعات والحفاظ على علاقات جيدة مع جميع البلدان وإعطاء الأولوية للمصالح الاقتصادية وكذلك التقارب في الشرق الأوسط، تحدياً للصقور الأميركيين. وقد يكافح الهوس العسكري الأميركي للحفاظ على تأثيره في جميع أنحاء المنطقة، بينما يتطلب النهج الصحيح التعاون والشراكة الاقتصادية”.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع