اقتراح الحريري لرفع الحصانات: مناورة سياسية لا دستورية
ميسم رزق – الاخبار
ما إن وجّه المحقّق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار كتاباً إلى مجلس النواب قبل حوالى شهر، مُطالباً برفع الحصانة عن النواب (الوزراء السابقين) غازي زعيتر وعلي حسن خليل ونهاد المشنوق، حتى انتشرت التأويلات السياسية والدستورية للخطوة التي قام بها. ونظراً إلى الانقسام السياسي حول المرجعية التي يحقّ لها محاكمتهم واتهام «المدعى عليهم» للقاضي بالاستنسابية، بدأت الاقتراحات تنهال تحت مسمّيات دستورية أخطر ما فيها أنها لا تستهدِف الوصول إلى الحقيقة، إنما محاولات للاحتفاظ بالمكتسبات لدى البعض أو إبعاد كأس الادعاء لدى البعض الآخر. وإن كانت خطوة بيطار لا تضمن طريق العدالة الصحيح، فإنها والمسار المواجه لها سيكونان حتماً الطريق السريع لتضييع الملف.
فبعد عريضة «طلب اتهام وإذن بالملاحقة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، استناداً إلى القانون 13 الصادر عام 1990»، خرج رئيس تيار المستقبل سعد الحريري طارحاً تبني اقتراح دستوري يقضي بتعليق كل الحصانات. فتَح ذلك باباً جديداً للخلاف حول الملف، وخاصة أن القصد من طرحه هو «المنفعة» الشخصية لحماية نفسه من الادّعاء عليه مستقبلاً، ومن ثم ردّ اتهامه بمحاولة الهروب من التحقيق وبالسعي الى طمس الحقيقة عقب توقيع نواب من كتلته على عريضة إحالة المدعى عليهم الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
النقاش حول اقتراح الحريري اليوم يأخذ مسلكين. الأول دستوري ينسفه من أساسه، وآخر سياسي حيث يسعى الحريري إلى الحصول على «بصمة» الكتل النيابية. في الدستور، لا يمكن الدعوة إلى أي تعديل في المواد الدستورية قبل بدء العقد العادي للمجلس في 19 تشرين الأول. وفي حال تأجيل الخطوة الى ذلك الوقت، فإن الأولوية لن تكون له، لأن المادة 32 من الدستور تقضي بأن تخصّص أولى جلسات العقد العادي لمناقشة الموازنة العامة والتصويت عليها. وحتى لو سلك اقتراح الحريري طريقه في الهيئة العامة، لا يُمكن إرساله إلى الحكومة ما دامت حكومة تصريف أعمال، ويحتاج إلى أكثرية الثلثين في أي حكومة جديدة.
هذا المسار الذي قد يمتدّ لأشهر طويلة تكون حينها ولاية المجلس النيابي قد انتهت، يحاول تيار «المستقبل» تدعيمه بمسار سياسي، إذ بدأ أمس وفد برئاسة النائبة بهية الحريري ويضم النواب: سمير الجسر، هادي حبيش، رلى الطبش، محمد الحجار وطارق المرعبي، بجولة على الكتل النيابية من أجل تأمين أكبر تأييد لاقتراح القانون لكونه يحتاج إلى أكثرية الثلثين، ومن دونها لا يمكن أن يمر. وقد بدأت الكتلة جولتها من عين التينة حيث التقت الرئيس نبيه بري لمدة ساعة ونصف ساعة، ولم تجِد صعوبة في الحصول على ما تريد. إذ أكد بري أنه «لا يمانِع الاقتراح» بحسب مصادر كتلة المستقبل. وبينما لا يزال النقاش مفتوحاً مع النائب وليد جنبلاط الذي زارته الكتلة أمس أيضاً، الا أن الجو بين الوفد والتيار الوطني الحر كان «ملتهباً»، كما قالت المصادر متّهمة «النواب العونيين بالتهرب من الاقتراح حمايةً لرئيس الجمهورية». فقد أشارت المصادر إلى أن «الوفد العوني الذي اجتمعنا به برئاسة أمين سر التكتل النائب إبراهيم كنعان وعضوية النواب: سيزار أبي خليل، نقولا الصحناوي، فريد البستاني وإدغار طرابلسي، يتذرّع بفكرة أن المسار الذي نتحدث عنه طويل جداً وسيأخد الكثير من الوقت، علماً بأننا ناقشنا معه فكرة ترك التعديل الدستوري إلى أن تحل الدورة العادية، لكن اليوم نستطيع أن نعدّل عدداً من القوانين من بينها مواد في قانون أصول المحاكمات الجزائية في ما يخص الموظفين والعسكريين والمدنيين، وأن هذا الأمر لا يحتاج إلى أكثر من أسبوعين للبتّ به». وقد طالب وفد المستقبل خلال الجلسة بالابتعاد عن المزايدات «لأننا نحن وأنتم نريد أن يبقى الملف عند المحقق العدلي، وما نطرحه يحقق المطلوب»، وبما أننا «أمام نصوص دستورية لم تلحظ وقوع حدث يشمل الجميع في المسؤولية، فلنعلق المواد إلى حين تعديلها». وفيما ردّ نواب من التيار بأن ما يطلبه المستقبل «هو تعديل من خارج الآلية الدستورية ولا نوافق عليه، لأنه مخالف»، اعتبرت مصادر المستقبل أن «التيار يهدف الى حماية رئيس الجمهورية الذي يقول الدستور في المادة 60 منه إن لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته إلا عند خرقه الدستور أو في حال الخيانة العظمى، وفي حال تعليقها فإن الادعاء يمكن أن يوجّه إليه لأن المراسلة ــــ بشأن نيترات الأمونيوم ــــ التي وصلت الى رئيس الحكومة وصلت إليه في اليوم نفسه». في المقابل، أكّدت مصادر التيار الوطني الحر أن «اقتراح «المستقبل» ليس سوى مناورة هدفها «القوطبة» على طلبات المحقق العدلي، والتغطية على العريضة النيابية التي تسببت برد فعل مستنكر من قبل الرأي العام». كذلك يرى العونيون أن الحريري «يريد تضييع المسؤولية، من خلال زعم توسيع رقعة الملاحقات، فيما هدفه حماية نفسه عبر تكبير الحجر ليعجز الجميع عن حمله».
وفيما يُفترض أن تستكمل كتلة «المستقبل» جولتها على باقي الكتل الأسبوع المقبل، تناولت كتلة «الوفاء للمقاومة» في بيانها الأسبوعي الملف وقالت إن «اللبنانيين ينتظرون الحقيقة الكاملة التي يفترض أن تصل إليها التحقيقات في ما يتصل بانفجار مرفأ بيروت، ونحن تقدّمنا عام 2019 باقتراح تعديل دستوري ليتمكّن القضاء العدلي من محاكمة الوزراء ورؤساء الوزراء والنواب الوزراء».
جدير بالذكر أن الاقتراح تقدّم به آنذاك النائب حسن فضل الله لتعديل المادة 70 من الدستور التي تنص على ما حرفيّته: «لمجلس النواب أن يتّهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتّبة عليهم، ولا يجوز أن يصدر قرار الاتهام إلا بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس. ويحدد قانون خاص شروط مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء الحقوقية»، كذلك المادة 71 التي تقضي بأن «يحاﮐم رﺋﯾس ﻣﺟﻟس اﻟوزراء أو اﻟوزﯾر اﻟﻣﺗهم أﻣﺎم اﻟﻣﺟﻟس اﻷﻋﻟﯽ لمحاكمة الرؤساء والوزراء». ونصّ التعديل على محاكمة الوزراء أمام القضاء العدلي باستثناء الخيانة العظمى، وقد وقّع على هذا الاقتراح مع النائب فضل الله كلّ من: كتلتَي «التنمية والتحرير» والنائب ألان عون. ويومها عارضته القوات والمستقبل والحزب الاشتراكي، إذ شدّد نوابهم في الجلسة على أولوية استقلالية القضاء.