من الذي يُخرّب في ملف ترسيم الحدود البحرية؟
“ليبانون ديبايت” – وليد خوري
من خارج أي تكليف أو صفة للتدخل في ملف ترسيم الحدود البحرية مع العدو الاسرائيلي، ولعل تدخلاته تأخذ جانباً مضراً في كثيرٍ من الاحيان، يحاول النائب الياس بو صعب أن يوهم البعض بأنه اكتشف شيئاً لم يكن معلوماً في الملف، ألا وهو أن الخط 29 هو خط تفاوضي.
المشكلة هي ليس بإعلان أن الخط 29 هو خط تفاوضي، بل المشكلة هي في تبني النائب بو صعب عدم تعديل المرسوم 6433 وسحب الخط 23 من الأمم المتحدة وإيداع الخط 29 بدلاً عنه. وهناك فارق كبير بين الأمرين.
إن بيان رئاسة الجمهورية بتاريخ 13/10/2020 أي قبل يوم واحد من بدء المفاوضات نص على “أن فخامة الرئيس أعطى توجيهاته للوفد التقني المكلف بالتفاوض غير المباشر، استناداً إلى الاتفاق الإطار العملي للتفاوض حول ترسيم الحدود البحرية، على أن تبدأ المفاوضات على أساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة براً، التي نصت عليها اتفاقية بوليه نيوكومب عام 1923، والممتد بحراً استناداً إلى تقنية خط الوسط، من دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة، وفقاً لدراسة أعدتها قيادة الجيش اللبناني على أساس القانون الدولي” وهذا يعني بوضوح أن المفاوضات تبدأ على اساس الخط 29 وهذا يعني أيضا أن الخط 29 هو خط تفاوضي وليس هناك سر بالموضوع تمّ اكتشافه من قبل النائب بو صعب.
ولأخذ العلم، أن العدو الاسرائيلي أعلن أن الخط 1 هو خط يمكن تعديله وبالتالي يعتبر خط قابل للتفاوض، إلا ان الفارق بين الخط 1 الاسرائيلي والخط 29 اللبناني، هو أن الخط 1 تبنّته الحكومة الاسرائيلية وأودعته الأمم المتحدة وذكرت أنه قابل للتعديل، أما الخط 29 فلم تتبناه الحكومة اللبنانية لغاية تاريخه ولم يتم إيداعه لدى الأمم المتحدة، وبالتالي يعتبره الوسيط الأميركي والعدو الاسرائيلي خطاً غير موجود، وان الخط الذي يقبلون بالتفاوض عليه هو الخط 23 الصادر بموجب المرسوم 6433/2011 والمودع من قبل لبنان لدى الأمم المتحدة. وبذلك يعتبرون أن الخط 23 هو الخط التفاوضي اللبناني الذي على أساسه يريدون بدء المفاوضات.
صحيح أن الوفد أبلغ الوسيط الاميركي أن الخط 29 هو خط تفاوضي وهذا ليس سراً اكتشفه النائب بو صعب، وهذا الأمر معلن من قبل رئاسة الجمهورية قبل الذهاب الى التفاوض، إلا ان هذا لا يعني ان الوفد لن يدافع عن هذا الخط حتى الرمق الأخير.
فالمشكلة هي ليست ببدء التفاوض انطلاقا من الخط 29، انما المشكلة هي في عدم تعديل المرسوم 6433 واجبار الوفد المفاوض اللبناني التفاوض انطلاقا من الخط 23، وبذلك يصبح الخط 23 خطا تفاوضيا كالخط 1 الاسرائيلي الذي يعتبره العدو خطاً تفاوضياً أيضاً. فالدول عادة عندما تذهب الى المفاوضات أو الى التحكيم تتبنى رسميا وفقاً للأطر القانونية الداخلية الخط الذي يجب انطلاق التفاوض منه. وبالتالي إن لم يكن هناك تبني للخط 29 بتعديل المرسوم 6433، ذلك يعني أن لبنان وافق على انطلاق التفاوض من الخط 23 وأصبح التفاوض على مساحة 860 كلم مربع كما يريد الاسرائيلي.
المشكلة هي إذا ليست بإعلان أن الخط 29 هو خط تفاوضي، بل نؤكد مجدداً أن المشكلة هي بتبني عدم تعديل المرسوم 6433 وعدم تبني الخط 29 لانطلاق التفاوض منه. أما قول بو صعب أن لبنان غير ملتزم بالخط 23 كون له الحق بالتفاوض للحصول على كامل حقوقه وأن لبنان في «موقع قوة»، فالجواب أن لبنان ولغاية تاريخه ولحين تعديل المرسوم 6433 وهو ملتزم قانوناً بالخط 23 أمام المجتمع الدولي وأمام شركات النفط التي تُنقّب بحقول النفط والغاز المحاذية للحدود البحرية الجنوبية اللبنانية، ولا شيء سوف يجبر العدو الاسرائيلي على بدء التفاوض بدأً من الخط 29 كونه حاصل على كل ما يريد بتبني الدولة اللبنانية رسمياً في الأمم المتحدة للخط 23 المعلن بموجب المرسوم 6433/2011، فكل كلام غير ذلك يُعتبر شعرا وكلاماً إعلامياً لا يُقدم ولا يُؤخر بالموضوع، والدليل على ذلك أن العدو الاسرائيلي اكتشف حقل كاريش في العام 2013 ولم يمنعه أي تصريح إعلامي من قبل المسؤولين اللبنانيين على مدى عقد من الزمن من متابعة الأعمال فيه، فالتصريحات الاعلامية من قبل المسؤولين اللبنانيين لا تمنع شركات النفط من العمل في المنطقة الحدودية جنوب الخط 23، والشيء الوحيد الذي يمنعها هو أن تجعل تلك المنطقة متنازع عليها قانوناً، فلماذا يأني العدو الى التفاوض وهو يعمل بكل حرية في حقل كاريش وكل الحقول التي سوف يكتشفها شمال الخط 29 حتى الخط 23. وبهذا تبقى منطقة النزاع داخل البلوك 9 اللبناني ما يمنع شركة توتال من العمل بداخلها والتنقيب في حقل قانا الحدودي الذي من المتوقع أن يحتوي على كمية كبيرة من الغاز تقدر بمليارات الدولارات تساعد الشعب اللبناني على حل أزمته الاقتصادية.
أما قول بو صعب بأن “لا يمكن لأحد أن يمنعه من أن يناقش بأي ملف بصفته الشخصية أو كنائب، وإذا كان أحد منزعجاً من هذا الموضوع ربما لأنه حصل على معلومات أراد الكثيرون حجبها عن المواطنين اللبنانيين كما درجت العادة” فالجواب هو أن فخامة الرئيس هو الذي يمكن أن يمنعه عندما يتحدث عن ملف ترسيم الحدود البحرية مع الوسيط الاميركي من خارج توجيهاته التي تؤكد على وجوب تعديل المرسوم 6433 وتبني الخط 29 رسمياً في الامم المتحدة لإجبار العدو الاسرائيلي على معاودة التفاوض وتمكن لبنان من الادعاء على الشركات التي تعمل شمال الخط 29، على عكس ما صرح به النائب بو صعب من إنه ضد سحب المرسوم 6433 من الأمم المتحدة وتعديله. أما القول ان هناك شيء أراد الكثيرون حجبه عن المواطنين، فليقل ما هو هذا الشيء الذي يملكه ولا يريد أحداً أن يعلمه.