ٍَالرئيسيةتحقيقات - ملفات

“الانتقام الإباحي” جريمةٌ لا يعرف العالم كيف يمنعها

ترجمة – Foreign Policy

في ظل غياب سُبُل الحماية الكافية، يلجأ ضحايا نشر الصور الحميمية الخاصة من دون موافقة عادةً إلى سبل الانتصاف بقوانين راسخة أكثر مثل قانون الخصوصية أو قانون حقوق النشر…

عندما كانت بيليندا بيري تكمل دراستها العليا عام 2017، التقط لها مصوِّرٌ فوتوغرافي صديق بعض الصور العارية، قالت: «كنت أعيش وحدي، وأستكشف حريتي والجوانب الجنسية من شخصيتي. أشعرتني هذه التجربة بالقوة».

نشر المصور هذه الصور في ملف أعماله على الإنترنت، والذي كان بإمكان أي شخص لديه الرابط أن يطلع عليه. بعد فترةٍ وجيزة، تواصلت مع بيليندا فتاةٌ من بلدتها في ولاية أوهايو لتخبرها أن صورها منشورة في بعض القنوات المحلية الخاصة بالمدعوين فقط على تطبيق ديسكورد (Discord)، وهي قنوات مخصصة لـ«الانتقام الإباحي»، وهو مصطلح مضلل يُستخدم عادةً لوصف نشر الصور الحميمية الخاصة على الإنترنت دون موافقة صاحبها. نشر شخصٌ ما الصور أيضاً مع اسمها واسم بلدتها على موقع إلكتروني- تم إغلاقه- اسمه Anon-IB يتاجر بمحتوى «الانتقام الإباحي» والمحتوى الإباحي الذي يتضمن أطفالاً. وأضافت: «فجأةً أصبح هناك من ينشرون تعليقات مجهَّلة تقول (لقد أردت رؤية هذه الأثداء منذ سنوات، هل لدى أحد المزيد من الصور؟)».

لم تحاول بيليندا حتى اللجوء إلى الشرطة، فقالت: «لم أشعر بأن لي الحق في رفع دعوى قضائية لأنني سمحت بالتقاط الصور، وكنتُ أعرف إلى حدٍّ ما أنها لن تختفي من العالم، ومارست على نفسي لوم الضحية كثيراً».

لم يكُن في ولاية أوهايو آنذاك قانونٌ محدد يمنع مشاركة الصور الحميمية الخاصة من دون موافقة، والأهم من ذلك أن موقع Anon-IB، كان مقره في الخارج في هولندا، وهكذا كانت بيليندا- التي أصبحت الآن مناصرةً لحملة March Against Revenge Porn (مسيرة ضد الانتقام الإباحي) غير الهادفة للربح- وحدها تماماً.

مع ازدياد الوعي بالقضية في السنوات الأخيرة بفضل التسريبات التي تضمنت بعض المشاهير والشخصيات العامة، جرَّمت دول وحكومات محلية هذه الممارسة. كما بدأت المنصات الإلكترونية الكبرى تطبيق سياساتها الخاصة تحت ضغطٍ من المناصرين. لكنَّ الضحايا والمحامين يرون أن القوانين غير فعالة، فعلى رغم أن الإنترنت لا يعرف الحدود والمحتوى ينتقل عليه بحريةٍ، تختلف سبل الانتصاف القانونية اختلافاً شاسعاً من دائرةٍ قضائيةٍ إلى أخرى، والتعاون بين جهات تطبيق القانون في الدول المختلفة محدود للغاية. وفي الوقت نفسه، فهذه الجريمة -التي تمس النساء والمثليين والمثليات ومزدوجي الميول الجنسية بنسبٍ مختلفة- في ازدياد!

في القضايا التي تتضمن دوائر قضائية، وحتى عندما تكون لدى هذه الدوائر قوانين مناهضة لإساءة استخدام الصور الحميمية الخاصة، تحاول الشرطة غالباً التملص من المسؤولية وتمريرها إلى أطرافٍ أخرى كما ذكر هونزا تشيرفينكا، المحامي في شركة مكاليستر أوليفاريوس البريطانية الأميركية.

وقال تشيرفينكا: «لو كنتُ في إسكتلندا وكان المعتدي عليَّ في فرجينيا، سأذهب إلى قسم الشرطة في منطقتي في اسكتلندا، فيقولون: لا، عليك أن تذهب إلى فرجينيا لأن الجاني يقيم فيها. فأتصل بالشرطة المحلية في منطقة الجاني في فرجينيا، فيقولون لي: أنت لا تقيم هنا، لكي تقدم بلاغاً عليك أن تذهب إلى قسم البوليس المحلي في منطقتك ثم يمكننا أن نتعاون معه في هذه القضية. ولكنني في الواقع لم أرَ ذلك التعاون يتم بنجاحٍ مطلقاً».

جريمة ولكن…

تجرِّم معظم القوانين واللوائح على مستوى العالم مشاركة الصور الحميمية الخاصة بأي فردٍ من دون موافقته، ولكن التفاصيل الدقيقة تختلف اختلافاً كبيراً؛ فهي في بعض الدوائر القضائية جريمة جنسية أقرب إلى التحرش، وتُعامَل في دوائر قضائية أخرى باعتبارها انتهاكاً للخصوصية. تحاول وكالةٌ متخصصة معتمدة من الحكومة في نيوزيلندا التفاوض للتوصل إلى تسويةٍ بين أطراف النزاع قبل إحالة القضية إلى المحكمة. أما الفيلبين فهي تطبق إجراءات جزائية أكثر، فالعقوبات فيها تتراوح بين ثلاث سنوات سجن كحدٍ أدنى وسبع سنوات سجن كحد أقصى.

من الأمور الجدلية في ما يخص صياغة التشريعات مسألة القصدية؛ أي إذا ما أراد الشخص الذي نشر الصور إيقاع الأذى بالضحية. يقول النقاد إن القانون يفشل في تقديم الجناة للعدالة في أماكن مثل ولاية أوهايو الأميركية ونيوزيلندا والمملكة المتحدة بسبب خطاب القصدية. وفقاً لبحثٍ أجرته مجموعة المناصرة مبادرة الحقوق المدنية السيبرانية (CCRI)، فإن معظم من يشاركون صوراً حميمية خاصة من دون موافقة أصحابها يفعلون ذلك من دون رغبة في إيذاء أصحابها.

تتضح التفاوتات في الولايات المتحدة بصورةٍ خاصة، حيث تتمتع كلٌ من الولايات الـ48 ومقاطعة كولومبيا بقوانينها المختلفة الخاصة بهذا الأمر، فولاية نيويورك على سبيل المثال لديها شرط توفر «نية الإيذاء» في حين أن ولاية إلينوي -التي يرى المحامون أنها النموذج المثالي- ليس لديها هذا الشرط.

تعني هذه التفاوتات أنه على الضحايا التنقل بين القوانين والقواعد المختلفة المربكة. ويضيف تشيرفينكا: «ما يفترض أن يكون وسيلةً بسيطةً لتحقيق العدالة يصبح تدريباً معقداً على المناورة بين تعريف ركن القصدية في مينيسوتا وتعريفه في نيوهامشير. وبالتالي يستسلم كثرٌ من الضحايا».

أحد الحلول، في الولايات المتحدة على الأقل، هو وجود قانون فيدرالي شامل، ولكن حتى الآن لم ينجح أي مشروع قانون في الكونغرس (على رغم استمرار المحاولات).

كان الاختلاف الأساسي في الولايات المتحدة حول نطاق القانون، فيقول مناصرو الضحايا إن نطاق القانون إذا كان ضيقاً للغاية، لن يُطبَّق سوى في مجموعة محدودة من الحالات، بينما تقول جماعات حقوق الإنسان إنه إذا كان واسعاً للغاية، فهناك مخاطرة بأن يكون عقابيًّا أكثر من اللازم ويُكمم الأفواه.

تكون هذه الإشكالية أوضح في الدول التي تكون فيها سيادة القانون وإجراءات حماية حرية التعبير أضعف. وتقول إريكا سميث من حملة Take Back the Tech العالمية المناهضة للعنف المرتبط بالتكنولوجيا: «يتعلق جزءٌ كبير من مخاوفنا بكيفية وصف الجريمة، هل سيكون وصفها واسعاً جداً بحيث يمكن أن يندرج تحتها أي شيء؟ لأننا نعرف أن الحكومات تلوي ذراع القانون وتستخدمه ضد الفئات المهمشة».

وأفادت تقارير بوقوع هذا النوع من إساءة استخدام القانون في باكستان على سبيل المثال، وأثيرت مخاوف مشابهة حول قانون المكسيك الجديد الذي يتضمن عقوبات محتملة تصل إلى ست سنوات سجن. فقالت كاندي رودريغز، المتحدثة باسم مجموعة Acoso.Online، التي تدعم ضحايا التحرش الإلكتروني في أميركا اللاتينية، إن القانون مؤشرٌ على التقدم، لكن الموقف العقابي أكثر من اللازم قد يؤثر في المجتمعات المهمشة تأثيراً غير متكافئ مع نسبتها في المجتمع، وأضافت: «في المكسيك، من يحصل على العقوبات بالسجن هُم غالباً الفئات الأفقر أو أصحاب البشرة غير البيضاء».

سبل الحماية

في ظل غياب سُبُل الحماية الكافية، يلجأ ضحايا نشر الصور الحميمية الخاصة من دون موافقة عادةً إلى سبل الانتصاف بقوانين راسخة أكثر مثل قانون الخصوصية أو قانون حقوق النشر، وهذا الأخير متلائم مع العالم بدرجةٍ معقولة ويتيح للضحايا الذين لا يريدون غالباً سوى اختفاء صورهم من الإنترنت أن يتعاملوا مع المشكلة بشكل أسرع. قالت بيليندا إنها عندما حصلت على حقوق نشر صورها، حذفها موقع Anon-IB. (لا ينطبق قانون حقوق النشر عموماً سوى على الصور التي التقطتها الضحية بنفسها مثل صور السيلفي).

يلجأ الضحايا في الاتحاد الأوروبي إلى اللائحة العامة لحماية البيانات، وهي القانون العملاق حول الخصوصية على الإنترنت والذي تم تطبيقه في عام 2018. يتضمن القانون «الحق في محو البيانات» الذي يطالب شركات التكنولوجيا بحذف المحتوى الخاص بشخصٍ ما إذا طلب هذا الشخص ذلك. ولكنَّ الإجراءات معقدة وطويلة، وهذا ليس مفيداً عندما تكون السرعة مطلوبة وضرورية، فغالباً ما يتم تحميل الصور الحميمية الخاصة ونشرها على نطاقٍ واسع إذا لم تُحذف على الفور.

على رغم أن الشركات التكنولوجية الكبرى مثل “غوغل” و”فايسبوك” اتخذت إجراءات صارمة ضد إساءة استغلال الصور الحميمية الخاصة خلال السنوات الأخيرة، فيقول المناصرون إن الطريق ما زال طويلاً، فالضحايا عليهم الاعتماد على حسن نية كل منصةٍ على حدة لحذف صورهم إلا إذا كان لديهم ادعاء بملكيتهم حقوق النشر.

تخضع المنصات الإلكترونية عموماً للحماية من تحمل المسؤولية عن أي محتوى ينشره المستخدمون إلا إذا اختار المشرِّعون تحديد بعض الاستثناءات. لا تقوم الولايات المتحدة، مقر معظم شركات التكنولوجيا الكبرى، باستثناء إساءة استغلال الصور الحميمية الخاصة، وهو ما يقول النقاد إنه يصعِّب على الضحايا تحميل المنصات المسؤولية، ولكنَّ البرازيل على سبيل المثال تستثنيها.

قالت ماريانا فالينتي، الباحثة المقيمة في البرازيل التي كتبت تقريراً عام 2018 عن القوانين الحاكمة لإساءة استغلال الصور الحميمية الخاصة حول العالم: «غيَّر هذا الأمر الوضع كثيراً. تمكنت البرازيل من فرض قانون محلي على المنصات، ولكنَّ الأمر استغرق أعواماً، فقد قاومت هذه المنصات كثيراً في البداية. يتعلق هذا أيضاً بالأهمية النسبية التي يتمتع بها السوق البرازيلي».

حتى الآن، ليس هناك سوى القليل من الجهود المنسقة من جانب الحكومات أو جهات إنفاذ القانون للتعاون في هذه القضايا.

تقول المحامية آن أوليفاريوس من شركة “مكاليستر أوليفاريوس” إن الوضع المثالي هو أن يوجد نظام تشريعي متعدد الأطراف بذراعٍ تنفيذية، وتضيف: «لا بد أن يكون هناك قانون دولي… لا مجرد معاهدة أو بروتوكول دولي، بل قانون حقيقي».

لدينا سابقةٌ للتعاون الدولي في الجرائم السيبرانية، فالحكومات تتعاون منذ وقتٍ بعيد في مكافحة المحتوى الإباحي الذي يتضمن الأطفال على سبيل المثال، ولكن الإقناع بفكرة مكافحة إساءة استغلال الصور الشخصية العارية للبالغين أصعب كثيراً. ربما يكون تغيير التوجهات في نهاية الأمر على قدر أهمية الإصلاح القانوني.

وتقول ماري آن فرانكس، رئيسة مبادرة الحقوق المدنية السيبرانية وإحدى المناصرين الرائدين لقوانين أقوى لحماية الضحايا: «مررنا بمواقف كان ضباط الشرطة فيها يحدِّقون في الصور، ويحملقون فيها، ويضحكون عليها ويمررونها لغيرهم. ففكرة أن يكون القانون مفيداً حقاً في حالة تلك الضحية في ذلك الموقف ضرب من الخيال. لا بد أن ننقل المجتمع إلى مرحلةٍ يرى فيها أن هذا أمر خاطئ جداً… وله عواقب وخيمة».

على رغم أن بيليندا تمكنت من حذف صورها والسلطات الهولندية صادرت خوادم موقع Anon-IB عام 2018، فما زالت صورها في مكانٍ ما على الإنترنت، فمن حينٍ إلى آخر تجد مجموعة من طلبات الصداقة على “فايسبوك” من أشخاصٍ لم تتحدث إليهم منذ سنوات، وتقول: «أفكر حينها: لا بد أن شخصاً ما وجد الصور مرةً أخرى».

المقال مترجم عن foreignpolicy.com

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى