ماذا يُعدّ العالم للبنان… اتفاق الدوحة 2؟!
محمد صادق الحسيني-البناء
لا شك في أنّ لبنان جزء لا يتجزأ من ميادين الصراع الدولي والإقليمي، على الرغم من اللامنطق، في ما يُطلق عليه بعض اللبنانيين مسمى «النأي بالنفس». اذ انّ من يسبح في البحر لا يمكنه أن ينأى بنفسه عن أمواجه.
من هنا فإنّ محاولات كلٍّ من الصين وروسيا وإيران لتقديم المساعدة للبنان، سواءٌ من خلال مشاريع إعادة إعمار ميناء بيروت او مشاريع تطوير البنى التحتية المختلفة، من ماء وكهرباء وشوارع دولية وسكك حديدية ونقل عام… نقول إن هذه المحاولات تشكل جزءاً، من الصراع الدولي على منطقتنا العربية، بين القوى العظمى والإقليمية، التي تعمل على انهاء الهيمنة الأميركية على المنطقة وغيرها من أنحاء العالم من جهة وبين الولايات المتحدة وعملائها من جهة أخرى.
وقد دفعت المحاولات المذكورة أعلاه الولايات المتحدة وأعوانها في المنطقة العربية، من صهاينة وأعراب، الى التحرك السريع، بهدف قطع الطريق على إيران وبقية أطراف حلف المقاومة، مثل سورية والعراق، الى لبنان، وبهدف محاصرة حزب الله من الداخل، بعد فشل المشاريع الأميركية في الضغط على حزب الله، من خلال العقوبات والحصار الاقتصادي والمالي المفروض على لبنان.
وفي هذا الإطار أجرت الولايات المتحدة سلسلة من المشاورات والاتصالات، بينها وبين كلٍّ من الكيان الإسرائيلي والسعودية وقطر والإمارات، لبحث سبل سحب البساط من تحت أرجل حزب الله في لبنان، وذلك من خلال إجهاض محاولات الحزب جلب المساعدات، خاصة في مجال الطاقة، من إيران، حسب ما افاد مصدر أمني أوروبي، متابع للوضع اللبناني بدقة.
ويتمثل المشروع الجديد، في الضغط على حزب الله في لبنان، في:
1) تكليف قطر بعرض المساعدة الأميركية الإسرائيلية للبنان، على شكل مشاريع اقتصادية، تقوم بتمويلها قطر والإمارات، وذلك لأن السعودية رفضت المشاركة في هذا المشروع، من منطلق أنها لا تريد مواصلة الاشتباك مع إيران في المنطقة، خاصةً بعد قيام «مجمع العائلة السعودية» بالضغط على محمد بن سلمان ومنعه من المشاركة العلنية في أية نشاطات تشارك فيها «اسرائيل» والابتعاد عن مشروع التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، لأن السعودية ليست بحاجة لهذه العلاقة، كما يقول المصدر. (ولعل الصدام السعودي الإماراتي الذي انفجر في اوبك كان على هذه الخلفية). علاوةً على أن السعودية لن توافق على أن يكون سعد الحريري رئيساً للوزراء وهو ما يقترحه المشروع الأميركي الإسرائيلي (ولعل سفر كلّ من سفيرتي أميركا وفرنسا على وجه السرعة وبشكل غير متعارف عليه الى السعودية اليوم (8 تموز)، بعد تأخر الردّ الرسمي السعودي على الوزيرين الأميركي والفرنسي، يأتي في هذا السياق).
2) في المقابل سيكون على لبنان، من خلال حكومة الحريري المقبلة، إغلاق موضوع التوجه شرقاً بشكل نهائي والتركيز على التعاون مع البنك الدولي والمؤسسات المالية الإعلامية الأخرى، ضماناً لعدم سقوط لبنان في «تبعية» الصين وروسيا وإيران، كما نُقِلَ الى المصدر.
3) تقوم المؤسسات المالية الدولية، بالتعاون والتنسيق مع البنوك اللبنانية المحلية، بتسهيل حصول المواطنين اللبنانيين على قروض مالية من البنوك اللبنانية، إضافةً الى خلق فرص العمل، عبر المشاريع المشار إليها أعلاه، بهدف تغيير نمط تفكير المواطن اللبناني وإشغاله، لا بل تقييده، بتفاصيل الحياة المعيشية اليومية، وذلك بهدف تغيير اهتمامات المواطن اللبناني، خاصةً في بيئة حزب الله، وخلق حالة من الرأي العام المطالب للحزب بالابتعاد عن مشروع المقاومة والانخراط، في الحياة السياسية اللبنانية، بشكل طبيعي كالأحزاب الأخرى، مع تقديم ضمانات وامتيازات لحزب الله، في حال تحوّله الى حزب سياسي لبناني تقليدي…!
4) ويضيف المصدر بأن التحضيرات، لهذه المبادرة الأميركية الإسرائيلية، قد بدأت في شهر نيسان الماضي، واتفقت الأطراف المشاركه في هذه الاتصالات، ما عدا السعودية، على التمهيد للتحرك الفعلي عبر مبادرات لا تظهر عليها السمة السياسية.
وهذا هو الأمر الذي دفع جامعة بير زيت الفلسطينية للإعلان، على صفحتها الرسمية بتاريخ 29/5/2021، عن فوز مجموعة من المهندسين المعماريين الفلسطينيين، الذين درسوا في هذه الجامعة، بجائزة تسمى جائزة حيفا، Phoenix Prize بالانجليزية (العنقاء)، والتي تقدمها منظمة فلسطينية غير حكومية، مقرّها القدس المحتلة واسمها: iDAR، متخصصة في هندسة العمارة.
علماً أن مجموعة المهندسين، التي فازت بالجائزه تقديراً لمشروعها لإعادة بناء ميناء بيروت، كانت واحدةً من بين ثلاث عشرة مجموعة من: الولايات المتحدة/ روسيا/ بولندا/ فلسطين/ إيطاليا/ السعودية/ هولندا/ الصين/ البحرين/ البرتغال/ لبنان/ حسب موقع عربي بوست، بتاريخ 1/7/2021.
5) مع العلم انّ منظمة iDAR، المقدسية غير الحكومية، هي منظمة أنشئت عام 2012، من قبل مجموعة من طلاب الدكتوراه في كلية: Welsh للعمارة، وهي إحدى كليات جامعة كارديف Welsh School of Architecture/ University of Cardiff، في المملكة المتحدة، حسب موقع هذه المنظمة نفسه.
6) والغريب في الموضوع أن أحداً، في الصحافة او وسائل التواصل الاجتماعي، لم يتطرق الى المشروع، الذي قدمه هؤلاء المهندسون الشبان الفلسطينيون، إلا بتاريخ 1/7/2021، عندما نقل موقع عربي بوست عن موقع المونيتور الأميركي Al-monitor، خبراً عن تقدم هؤلاء الشبان بمشروعهم، على الرغم من أنهم كانوا قد حصلوا على الجائزة بتاريخ 29/5/2021، حسب ما ورد على موقع جامعة بير زيت الرسميّ.
7) بعد ذلك تزايد الاهتمام الإعلامي بهذا الموضوع وبهؤلاء الشبان الفلسطينيين، حيث نشرت محطة سكاي نيوز عربية، بتاريخ 4/7/2021، عن مشروع إعادة إعمار ميناء بيروت هذا وعن فوز المجموعة الفلسطينية في المرتبة الأولى وبالتالي بجائزة حيفا… ثم قامت محطة روسيا اليوم بنشر الخبر نفسه على موقعها الالكتروني، بتاريخ 5/7/2021.
8) أما الأكثر غرابة، ودائماً حسب المصدر الأمني الأوروبي، هو قيام موقع : I 24 news الاسرائيلي بنشر تصريح لوزير الحرب الإسرائيلي، الجنرال بني غانتس، بتاريخ 4/7/2021، قال فيه إن «إسرائيل» مستعدة للعمل لدى الجهات الدولية لمساعدة لبنان للخروج من أزمته.
هذا التصريح الذي بدا كما يقول المصدر، وكأنه «أمر عمليات» لوزير الخارجية القطري للانطلاق في مهمته، التي كلف بها من قبل التحالف الدولي الآنف الذكر، في لبنان، حيث وصل الى بيروت يوم 6/7/2021، في زيارة استغرقت ساعات قليلة، ولَم يرشح أي شيء عن محتوى اجتماعاته مع المسؤولين اللبنانيين، خلالها.
طبعاً عدا المساعدة الزهيدة للجيش اللبناني والتي استهجنتها غالبية اللبنانيين، والتي قد تكون لغرض ذر الرماد في العيون لبعض الوقت..!
ثمة أمر مريب يُعدّ للبنان قد يحمل أبعاداً أخرى أوسع مما حمله المبعوث القطري، علينا الانتظار بعض الوقت حتى تتكشّف أبعاد ذلك في المستقبل القريب.
بعدنا طيّبين قولوا الله…