الحدث

“الهيئة المشتركة” لرفع الحصانات: “أكثر من رأي”! “زواج ماروني” بين لبنان والسعودية

البطريرك الماروني والسفير السعودي في الصرح البطريركي أمس (رمزي الحاج)

كم كان المشهد أمس في بكركي موجعاً لمحور الأكثرية الممانعة العاملة على نقض هوية لبنان وسلخه عن بني جلدته العربية… من “إرهاصات” وزارة الخارجية تحت إدارة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل وافتئاتها باسم لبنان الرسمي على العرب وانتهاجها أداءً ديبلوماسياً قاطعاً لأواصر العلاقات اللبنانية – العربية، مروراً بالانحياز المفضوح للأجندة الإيرانية تحت سقف الجامعة العربية والتمنّع الفاضح عن إدانة استهداف منشآت أرامكو، والتماهي مع سياسة “حزب الله” في زجّ اللبنانيين عنوةً في أتون حروب الإقليم واستعداء الدول العربية، وصولاً إلى “تغميس” اليد اللبنانية في الدم السعودي عبر حرب اليمن ورعاية الضربات الحوثية لأراضي المملكة.

لكن وعلى قاعدة “ما بصح إلا الصحيح”، لا ينفك رعاة الهوية وحماة الكيان يعيدون تصويب البوصلة الوطنية عند كل مفصل واستحقاق، تأكيداً على عمق الجذور العربية المتأصّلة في غرسة الأرزة اللبنانية العصيّة على رياح العواصف الدخيلة والعابرة على مرّ التاريخ… فكان الاجتماع بالأمس على “صخرة” بكركي لتوكيد صلابة العلاقة بين البطريركية المارونية والمملكة العربية السعودية، في مشهدية شهد فيها حشد مسيحي – إسلامي من المؤمنين بنهائية الكيان اللبناني وانتمائه العربي، على أنّ ما يجمع بين لبنان والسعودية أشبه بـ”زواج ماروني” لا فصام فيه ولا انفصال.

فبرعاية البطريرك الماروني بشارة الراعي وحضور السفير السعودي وليد بخاري، شكّل الاحتفال بصدور كتاب “علاقة البطريركية المارونية بالمملكة العربية السعودية” للآباتي أنطوان ضو الأنطوني، مناسبة وطنية للتأكيد على أنّ هذه العلاقة “تتخطى المحاور إلى محور جامع هو الشراكة المسيحية – الإسلامية” وفق ما شدد الراعي، معدداً مآثر المملكة التي “فهمت معنى وجود لبنان وقيمته في قلب العالم العربي، ولم تسعَ يوماً إلى تحميله وزراً أو صراعاً أو نزاعاً، بل كانت تهب لتحييده وضمان سيادته واستقلاله، وكانت السعودية أول دولة عربية تعترف به سنة 1943 (…) واحترمت خيار اللبنانيين وهويتهم وتعدديتهم ونظامهم وتقاليدهم ونمط حياتهم، ولم تعتدِ على سيادته ولم تنتهك استقلاله ولم تستبح حدوده ولم تورطه في حروب ولم تعطل ديمقراطيته ولم تتجاهل دولته، بل كانت تؤيد لبنان في المحافل العربية والدولية وتقدم له المساعدات المالية وتستثمر في مشاريع نهضته الاقتصادية والعمرانية، وترعى المصالحات والحلول، وتستقبل اللبنانيين وتوفر لهم الإقامة وفرص العمل، ولم تميّز بين لبناني وآخر بل كنا نستشعر احتضانها المسيحيين العاملين في أراضيها (…) ومن لا يكون مستقيماً في الدولة التي تحتضنه لا يكون أميناً للوطن الذي أنجبه”.

وإذ نوّه البطريرك الماروني بالعروبة التي بدت مع السعودية “انفتاحاً واعتدالاً ولقاءً واحترام خصوصيات كل دولة وشعب وجماعة، والتزام مفهوم السيادة والاستقلال”، جدد بخاري في كلمته “العهد والوعد” من الصرح البطريركي باستمرار السعودية في لعب دور “نشر ثقافة السلام ومد جسور الوسطية والاعتدال وتعزيز سبل التعايش وحفظ كرامة الإنسان، بعيداً كل البعد عن التعصب والطائفية والتطرف أيا كان مصدره وذريعته”، متوجهاً إلى الأفرقاء السياسيين بدعوتهم إلى “أن يغلّبوا المصلحة اللبنانية العليا لمواجهة التحديات التي يعيشها لبنان، ومن بينها محاولة البعض العبث بالعلاقة الوثيقة بين لبنان وعمقه العربي وإدخاله في محاور أخرى تتنافى مع مقدمة الدستور اللبناني التي تنص بوضوح تام، على أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، عربي الهوية والانتماء حيث لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”، مع التأكيد من هذا المنطلق على أن “لا شرعية لخطاب الفتنة والتقسيم والشرذمة ولا شرعية لخطاب يقفز فوق هوية لبنان العربي”، وشدد باسم المملكة على أنها “لا تسمح بالمساس بالهوية الوطنية اللبنانية ولا بنسيج العروبة تحت أي ذريعة كانت، فالمسيحي كما المسلم مكوّن أساسي ووازن في الهوية المشرقية العربية الأصيلة”.

أما في مستجدات المشهد المتصل بقضية انفجار مرفأ بيروت، فتتجه الأنظار اليوم إلى انعقاد جلسة الهيئة النيابية المشتركة في “عين التينة” لبحث طلب المحقق العدلي القاضي طارق بيطار رفع الحصانة عن النواب المدعى عليهم في القضية، الوزراء السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق.

وفي وقت لا يزال رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب متمنّعاً عن مقاربة استدعاءات المحقق العدلي، سلباً أم إيجاباً، سواءً بالنسبة لتحديد جلسة لاستجوابه شخصياً أو في ما يتصل بإعطاء الإذن لملاحقة المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، لفت تحصّن المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أمس بـ”خلية قانونية” تشكلت لمتابعة التحقيقات في قضية تفجير المرفأ، في مواجهة طلب القاضي بيطار رفع وزير الداخلية والبلديات الحصانة الإدارية عنه، فاعتبر ابراهيم أنّ ما يتعرّض له في قضية انفجار المرفأ “حملة مشبوهة” وتوعد بالإعلان “قريباً عمّن يقف وراءها”، حسبما نقل عنه أعضاء “الخلية”، مكتفياً بالإشارة في ما يتصل بطلب استدعائه للتحقيق إلى أنه سيمثل “عندما تكون الأمور سالكة وفقاً للأطر الإدارية والقانونية”.

وعشية اجتماع الهيئة المشتركة اليوم، أكدت مصادر نيابية عدم وجود توجه أكيد حيال ما ستخلص إليه الهيئة من توصية إزاء طلب رفع الحصانات النيابية عن المدعى عليهم، لافتةً إلى وجود “أكثر من رأي بين أعضاء الهيئة، لا سيما بين فريق يؤيد حكماً مبدأ رفع الحصانة تجاوباً مع طلب القضاء العدلي لكشف الحقائق في ملف انفجار الرابع من آب، وبين فريق متمسك بأنّ جرم الإهمال الوظيفي الذي يلاحق به الوزراء – النواب يجب أن يخضع للمساءلة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”، وعليه توقعت أن تستغرق الهيئة اليوم في “عملية المناقشة والتمحيص في المواد الدستورية ذات الصلة بهذا الموضوع”.

وفي سياق متقاطع، اختصرت مصادر سياسية الوضعية القائمة إزاء طلب رفع الحصانات النيابية بالقول: “لا أحد سيجرؤ علناً من القوى السياسية على معارضة هذا الطلب، ولذلك فإنّ الجهات المتضررة من استدعاءات المحقق العدلي ستنكب على إيجاد الفتوى القانونية اللازمة لوأده”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى