لن يجسروا على تنحية البيطار كما فعلوا مع صوان
اندريه قصاص-لبنان24
جريمة إنفجار المرفأ ليست كأي جريمة أخرى. إنها جريمة في حق وطن بكامله وشعب يعاني الأمرّين نتيجة ممارسات خاطئة ناتجة عن قلّة المسؤولية لدى أغلبية المسؤولين من أعلى الهرم حتى أسفله، ونتيجة إهمال البعض أو إستهتارهم بحياة الناس وعدم إستعدادهم لتحمّل مسؤولياتهم كما يجب أو كما يُفترض أن يكون عليه أي مسؤول ، أيًّا يكن مستوى هذه المسؤولية. فالمسؤولية مسؤولية بكل ما لهذه الكلمة من معنى، سواء أكانت صغيرة أو كبيرة. والمسؤولية لا يمكن أن تكون إنتقائية، بحيث يسمح المسؤول لنفسه بالتدخّل في شؤون لا تعنيه وليست من إختصاصه، إذا لم نقل أنه يتعدّ بتدخله هذا على صلاحيات غيره، فيما نرأه ينأى بنفسه عن التدّخل في أمور محصورة به شخصيًا، ولو فعل عندما رُفعت إليه التقارير لكان جنّب البلاد كارثة وطنية لم يشهد لبنان أو أي بلد آخر مثيلًا لها.
المحقق العدلي في قضية انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار كرر ما فعله القاضي فادي صوان، المحقق السابق في الانفجار الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص ودمر نصف بيروت في آب الماضي، موجهاً اتهامات بـ”التقصير الجنائي” لرئيس الحكومة حسان دياب و4 وزراء سابقين وقيادات أمنية.
القاضي البيطار إنطلق في تحقيقاته وإدعاءاته من حيث وصل إليه صوان، ولكنه إستفاد من الثغرات القانونية التي سمحت لرجال السياسية الولوج إليها لطلب تنحيته، وقد نجحوا في ذلك.
المعروف عن القاضي البيطار جرأته وشجاعته، وأنه لا يردّ على أحد من السياسيين أو غير السياسيين ويقوم بعمله وفق ما لديه من معطيات ووفق ما يمليه عليه ضميره الوطني وما يحتّمه عليه واجبه الوطني ومسؤوليته التاريخية، وقد سلك بالشكل مساراً قانونياً للادعاء، إذ تقدم بطلب ملاحقة النواب عبر النيابة العامة التمييزية، كما عبر نقابة المحامين، فيما طلب ملاحقة الأمنيين من قيادتهم السياسية.
فإذا سارت الأمور كما يُفترض أن تسير عليه فإن القرار الظني سيصدر على الأرجح بين أواخر شهر أيلول وبداية تشرين الأول المقبلين، وقد بدأ القاضي البيطار العمل عليه. ويتوقع أن يتألف من مئات الصفحات التي تفصل نقطة انطلاق شحنة نيترات الأمونيوم ومسارها وتخزينها حتى لحظة انفجارها.
فبعد إنتهائه من مرحلة الإستماع إلى الشهود باشر البيطار مسار الملاحقات القضائية في هذا الملف، حيث حدد موعداً لاستجواب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، كمدعى عليه في القضية، من دون أن يعلن عن هذا الموعد.ووجه كتاباً إلى مجلس النواب بواسطة النيابة العامة التمييزية، طلب فيه رفع الحصانة النيابية عن وزير المال السابق علي حسن خليل، ووزير الأشغال السابق غازي زعيتر، ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، تمهيداً للادعاء عليهم وملاحقتهم، كما وجه كتابين: الأول إلى نقابة المحامين في بيروت لإعطاء الإذن بملاحقة خليل وزعيتر كونهما محاميين، والثاني إلى نقابة المحامين في طرابلس لإعطاء الإذن بملاحقة وزير الأشغال السابق المحامي يوسف فنيانوس، وذلك للشروع باستجواب هؤلاء جميعاً بجناية “القصد الاحتمالي لجريمة القتل” وجنحة “الإهمال والتقصير”. وطلب من رئاسة الحكومة إعطاء الإذن لاستجواب قائد جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا كمدعى عليه، كما طلب الإذن من وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال العميد محمد فهمي، للادعاء على المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم وملاحقته. كما وجه كتاباً إلى النيابة العامة التمييزية، بحسب الصلاحية، طلب فيه إجراء المقتضى القانوني في حق قضاة وجهت إليهم مراسلات تتعلق بالمتفجرات المخزنة في المرفأ لعدة مرات قبل الانفجار من دون المبادرة باتخاذ قرارات بشأنها.
وشملت قائمة الملاحقات قادة عسكريين وأمنيين سابقين، إذ ادعى البيطار أيضاً على قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، ومدير المخابرات السابق في الجيش العميد كميل ضاهر، والعميد السابق في مخابرات الجيش غسان غرز الدين، والعميد السابق في المخابرات جودت عويدات. وحدد المحقق العدلي مواعيد لاستجواب هؤلاء بشكل دوري. وحتى كتابة هذه السطور لم يكن طلب الملاحقة قد وصل إلى الأمانة العامة لمجلس النواب، التي ستحيله فور وصوله إلى هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل لتحديد إحالته أو عدم إحالته للهيئة العامة التي يفترض أن تصوت عليه، مع توقع بعض المصادر أن يتكون الطلب هذه المرّة من ملف متكامل. وقد أبدى الوزيران السابقان خليل وزعيتر استعدادهما للمثول أمام المحقق فوراً، وقبل صدور الإذن المطلوب للحضور أمامه لإجراء اللازم للمساعدة للوصول إلى الحقيقة وتحديد المسؤوليات في هذه الجريمة.
وفيما رجحت مصادر في نقابة المحامين الموافقة على الطلب في حال وصوله لأن الملاحقات لا تتعلق بممارسة المهنة، أعلن وزير الداخلية محمد فهمي بداية، أنه سيعطي الإذن لملاحقة مدير الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، في قضية انفجار مرفأ بيروت. وقال فهمي إنه وانطلاقاً من أن طلب المحقق العدلي في قضية المرفأ لملاحقة اللواء إبراهيم راعى كل الأصول القانونية لا يمكنه إلا أن يعطي إذن الملاحقة احتراماً للقانون، إلا أنه تراجع عن موقفه هذا إلى حين إستلامه الطلب رسميًا.
وعليه، وبحسب الأجواء المحيطة بهذه القضية فإن لا أحد قادر على السير بعكس التيار، وأن لا أحد يستطيع الوقوف في وجه التحقيقات الجنائية، لأن الشعب كله يقف خلف القاضي البيطار هذه المرّة، ولن يسمح للسياسيين تمويه الحقيقة وتغطية السموات بالقبوات.