الاجتماع الثلاثي وفاتورة التعطيل
ماذا يمكن للاجتماع الثلاثي الأميركي الفرنسي السعودي أن يضيف على جهود إنهاء الفراغ الحكومي القاتل الذي يزيد من مآسي اللبنانيين، بسبب رفض الفريق الرئاسي ترؤس زعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري للحكومة؟ فالشروط المطروحة مقابل القبول بتأليفه الحكومة هي التي تضمن تحكم هذا الفريق بها، تحت شعار حقوق المسيحيين.
إجتماع وزراء خارجية أميركا أنطوني بلينكن وفرنسا جان إيف لودريان والمملكة العربية السعودية الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود، حرّك نوعاً من الآمال لدى بعض الأوساط السياسية بإمكان قيام موجة جديدة من الضغوط لإنهاء أزمة تأليف الحكومة، طالما أن صاحب المبادرة الوحيدة الموجودة على الطاولة من أجل إيجاد المخارج للتأليف بات “محبطاً” كما قال، وطالما أن “الأفكار الجديدة” التي قال الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، لم تأتِ بأي جديد.
مصدر هذه الآمال أولاً أن الاجتماع الثنائي الذي سبقه بين بلينكن ولودريان بيومين، تناول لبنان وأُعلن بعده أن لديهما التقييم نفسه للوضع، وأنهما سيمارسان سوياً الضغط لتأليف الحكومة الجديدة. اعتبر بعض المعنيين أن الجانب الأميركي بات يتبنى المبادرة الفرنسية في شكل فعال أكثر، بينما كان سابقاً يترك لباريس أن تسعى وتحاول، ما يعني أن هناك التزاماً اقوى بها هذه المرة. وثانياً أن الاجتماع الثلاثي الذي أعقبه، أعاد السعودية إلى دائرة الدول المعنية بالوضع اللبناني، طبعاً على قاعدة ما يجمع عليه المجتمع الدولي، أي أن تأتي حكومة تلتزم الإصلاحات باتفاق مع صندوق النقد الدولي، وتحترم مبدأ النأي بالنفس عن صراعات المنطقة وفي السياسة الخارجية الرسمية للبنان، خلافاً لتجيير رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل هذه الوزارة، للمحور الإيراني.
في الإجابة عن السؤال ماذا يمكن للاجتماع الثلاثي أن يضيف على الجهود الدولية السابقة، يبدو أن من يبحثون عن سبب للأمل بنقلة جديدة، أو عن “فرصة” يتيحها التنسيق الأميركي الفرنسي السعودي، يشيرون وفق معلوماتهم، إلى أن “ليس هناك أجواء داهمة لاعتذار الحريري”. يعود هؤلاء إلى قناعة سادت قبل شهر، حين كان الاعتذار مطروحاً على الطاولة بجدية، بأن “ليس هناك أي استحسان دولي للاعتذار وليس هناك تحبيذ روسي ومصري وعربي لهذا الخيار”، بينما ما زال الفريق الرئاسي يراهن على اقتراب هذه الخطوة، على ما أوحى باسيل في تصريحه أول من أمس في البرلمان: “فليؤلف أو يعتذر”. فهو يضمن أنه والرئيس ميشال عون كفيلان بوضع عراقيل التعجيز التي تقود إلى إخراج الرئيس المكلف من الحلبة.
يأمل الذين يترقبون ما يمكن أن ينتج عن الاجتماع الثلاثي بموجة “ضغوط معنوية جديدة”. وإزاء احتمال عدم نجاحها، فإن الفريق المعرقل للتأليف، “ونحن نعرف من هم”، كما قال لودريان، يكون قد كبّر فاتورة التعطيل في حسابه، في العلاقة مع دول فاعلة كالدول الثلاث.
وإذا كان لا بد من ملاحظة أن الاجتماع الثلاثي يأتي في وقت تسربت معطيات عن أن الحريري يبدأ غداً جملة زيارات عربية قبيل اتخاذ خياره، فإن مخاوف القوى المحلية الرافضة للاعتذار، وفي طليعتها بري، (فيما موقف “حزب الله” ملتبس)، هو أن يتعذر تكليف أي شخصية أخرى بسبب رفض كتل نيابية عديدة، منها كتلة “المستقبل” وكتلة بري النيابيتين تسمية البديل إذا لم يكن الحريري من اقترحه. كما أن خيار الفريق الرئاسي هو تكليف من يقبل بالمواصفات التي يحددها هذا الفريق، وإلا لا مانع لدى هذا الفريق ليس فقط أن يستمر الفراغ الحكومي، بل أن يضرب الفراغ التكليف أيضاً.