جنرال أحيا لبنان… وجنرال دمّره
خيرالله خيرالله -أساس ميديا
كلمة واحدة تختزل حال اللبناني في ظلّ “العهد القويّ”، الذي هو “عهد حزب الله”، وهي الانكسار. كُسِر اللبناني من أجل أن تحيا “المقاومة”، وكي يتحوّل لبنان إلى دولة من دول “محور الممانعة”، وكي تكون بيروت ضاحية فقيرة من ضواحي طهران بدل أن تكون عاصمة العرب من المحيط إلى الخليج.
ضُرِب اللبناني في أعزّ ما كان يملكه مع وصول ميشال عون وصهره جبران باسيل إلى قصر بعبدا. كان اللبناني قبل مجيء “العهد القويّ” يمتلك عزّة نفس. عزّة النفس هذه كانت لدى الفقير قبل الغنيّ. لم يعد لديه اليوم سوى الذلّ الذي يتعرّض له يوميّاً، بل في كلّ ساعة. من الكهرباء، إلى البنزين… إلى رغيف الخبز، إلى انعدام القدرة على تعليم أولاده.
يصعب الكلام عن علاج سحريّ للبنان. لا ينفع الأسبيرين مع بلد مصاب بالسرطان. دخل لبنان مرحلة التراجع السريع على غرار ما حدث في دول عربيّة أخرى، بينها سوريا والعراق بعد عام 1958. في ذلك العام، تحقّقت الوحدة المصريّة – السوريّة التي وضعت حجر الأساس لنشوء النظام الأمنيّ في سوريا بإشراف الضابط عبد الحميد السرّاج. وفي العام نفسه، وقع الانقلاب العسكري الذي أطاح العائلة المالكة الهاشميّة في العراق. منذ يوم 14 تمّوز 1958، لم يرَ العراق يوماً أبيضَ بعدما أدخله الضبّاط في متاهات الانقلابات، ثمّ تخلُّف حزب البعث وهجوم الريف على المدينة.
في 1958، سار لبنان في عكس التيّار الذي أخذ سوريا والعراق إلى نظامين ديكتاتوريّين لا مكان فيهما سوى للقمع والتخلّف في ظلّ شعارات الوحدة العربيّة والاشتراكيّة… وتحرير فلسطين.
مَنْ أخذ لبنان إلى شاطئ الأمان، الذي جعل البلد مزدهراً وآمناً، كان ضابطاً مستنيراً اسمه الجنرال فؤاد شهاب الذي امتلك صفات رجل الدولة والابتعاد عن الصغائر والترفّع عن المال. كان زاهداً ومتمسّكاً بالدستور في الوقت ذاته. من أبرز ميّزاته أنّه كان يعرف كيف يختار معاونيه من كلّ الطوائف والمناطق. كان أميراً بالفعل. اختار أفضل المسيحيين والمسلمين ليكونوا إلى جانبه. عاش لبنان في عهده أحلى أيّامه على الرغم من الخضّات التي كانت تمرّ فيها المنطقة والموجة الناصريّة التي اجتاحت البلدان العربيّة. سرّ فؤاد شهاب أنّه كان كبيراً بالفعل، ورفض في أيّ وقت إعطاء أيّ امتيازات إلى أقربائه الذين لم يدرِ اللبنانيّون بوجودهم.
بفضل الجنرال فؤاد شهاب، وعلى الرغم من أنّه لم يكن رئيساً في عام 1967، استطاع لبنان تفادي خسارة أيّ أرض بعدما امتنع عن المشاركة في حرب كان معروفاً أنّها خاسرة سلفاً. انتهى عهد فؤاد شهاب عمليّاً في عام 1969 في عهد الرئيس شارل حلو. سعى الأخير إلى تفادي توقيع اتفاق القاهرة، لكنّه فشل في ذلك بسبب غياب شخصية مسلمة قادرة على مواجهة الشعارات الشعبوية من جهة، وغياب زعماء مسيحيين، باستثناء ريمون إدّه، يضعون مصلحة البلد فوق الشبق إلى موقع رئيس الجمهوريّة.
بعد مرور 58 عاماً منذ 1958، في عام 2016 التحق لبنان بسوريا والعراق. إذ قرّر “حزب الله” اختيار ضابط سابق على نقيض تامّ مع كلّ ما كان عليه فؤاد شهاب ليكون رئيساً للجمهوريّة. اعتمد الحزب، ومن خلفه إيران، معادلة في غاية البساطة. لا بدّ من ضابط يدمّر ما بقي من مؤسسات الدولة التي بناها فؤاد شهاب. بقيت هذه المؤسسات صامدة طويلاً. بقي مجلس الخدمة المدنيّة وبقي الضمان الاجتماعي… وبقي كلّ ما له علاقة بالتخطيط والتعليم والاستشفاء والخدمات الاجتماعيّة.
جاء الجنرال ميشال عون ليهدم كلّ شيء، وكي يستلحق لبنان نفسه بعدما فاته قطار الانقلابات العسكريّة. لم يكن الإتيان بمَن هو نقيض لفؤاد شهاب ولكميل شمعون قراراً عفوياً. كان كميل شمعون وراء كل المشاريع الكبيرة التي توزّعت على كل لبنان، وكان فؤاد شهاب باني مؤسسات الدولة على أسس حديثة.
لعلّ أهمّ ما هدمه ميشال عون، الآتي من خلفيّة معروفة، نفسيّة الفرد اللبناني، تماماً كما فعل حافظ الأسد عندما قضى على مستقبل المواطن السوري وحوّله إلى مجرّد عبد لديه ولدى ضبّاطه المنتمين إلى طائفة معيّنة.
في كلّ يوم يمرّ يتبيّن أنّ اختيار ميشال عون ليكون رئيسا للجمهورية، كان خياراً مدروساً بدقّة. هناك جنرال أعاد الحياة إلى لبنان بعد أحداث 1958… وهناك جنرال دمّر لبنان كي لا تقوم له قيامة في يوم ما، وكي يبقى ورقة تستخدمها إيران في مفاوضاتها مع “الشيطان الأكبر”.
استطاع فؤاد شهاب إعادة الأمل إلى اللبنانيين وبناء البلد ومؤسّساته بعدما تحوّل إلى مثلٍ يُحتذى به في الحكمة واختيار مساعديه… واستطاع ميشال عون تحقيق “انكسار” نفسيّة اللبناني الذي بات يفتقر إلى الطبابة والتعليم، ولم يعد يتخطّى طموحه العثور على تنكة بنزين!