كلمات لبعض حُكّام لبنان ممن خانوا الأمانة وباعو الجمل بما حمل
د طلال حمود – ملتقى حوار وعطاء بلا حدود
سوف اتوجّه بكلماتي في هذه المرّة ادإلى معظم زعماء هذا الوطن اللبناني الجريح الذي نراه ينزف من قلبه وصدره ومن كل الأطراف نتيجة انحرافات طبقة سياسية ومالية وبعض أصحاب النفوس الضعيفة من أصحاب المصارف وكبار التجّار وحيتان المال والمقاولين وأزلام أصحاب النفوذ والمحسوبين عليهم. ولكي أنقل إليكم هذه القصة المُعبّرة
والرائعة التي حصلت في سوريا في أواخر القرن التاسع عشر. وهي تحكي عن مواقف العزّة والكرامة وقمة المواطنة الصادقة والولاء للوطن والحرص على المُحافظة على سمعته لفلّاح سوري رفض كل الإغراءات والأموال الطائلة التي عُرضت عليه من قِبل الإمبراطور الألماني الذي زار سوريا آنذاك في سبيل أن يُحافظ على سمعة أبناء جلده وطينته ولكي لا يجعل هذا الوطن وأبناءه عُرضة للسّخرية والتنمّر والاستخفاف من قبل الشعب الألماني.
وإذ أنقل هذه القصة أرجوكم أن تُجروا مُقارنة بسيطة بين ما قام به ذلك الفلاح وما يقوم به زعماء اليوم في لبنان بعد أن نشروا غسيلهم في كل مكان، وبعد أن سادوا وصالوا وعربدوا طيلة أكثر من أربعين سنة بحيث سرقوا ونهبوا كل شيء، وأذلّوا هذا الشعب وأفقروه ونكّلوا فيه شرّ تنكيل، دون أن يرفّ لهم جفن ودون أن تدخل الى قلوبهم أيّة مشاعر أو أحاسيس أخلاقية أو إنسانية لها علاقة بالحرص -ولو من باب رفع العتب فقط – على كرامة هذا الشعب وأطفاله وكهوله الذين أذاقوهم أشدّ أنواع المذلّة والهوان وبحيث ادأيضاً اصبحت أخبار هذه الطبقة السياسية الملعونة على لسان كل وزير أو مسؤول سياسي أو مالي غربي أو دولي أتى الى لبنان لمحاولة مُساعدتهم- الصادقة أو المُرتبطة بمصالح مُعيّنة – في إيجاد الحلول لأزماتهم السياسية والاقتصادية والنقدية المُستفحلة أو خوفاً من اندلاع كل أشكال وأنواع أعمال العنف والشغب والجريمة التي تُهدّد بتدفّق عشرات آلاف النازحين والمهاجرين نحو بلاد الغرب في محاولة لمنع انتقال هولاء المهاجرين إلى بلادهم بعد تفكك الدولة وتفلّت الأمور…
فيُحكى أنه ﻓﻲ العام 1898 ﺯﺍﺭ ﺍﻻﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﻏﻠﻴﻮﻡ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺩﻣﺸﻖ ﻓﺨﺮﺟﺖ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻋﻦ ﺑﻜﺮﺓ أﺑﻴﻬﺎ ﻭﺍﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻪ ﺍﺳﺘﻘﺒﺎﻻً حافلاً.
وﺧﻼﻝ ﺍﻻﺳﺘقبال ﻭﻋﻨﺪ ﻣﺪﺧﻞ ﺍﻟﻘﻠﻌﺔ ﻻﺣﻈﺖ ﺍﻻﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﺓ ﺯﻭﺟﺔ ﻏﻠﻴﻮﻡ ﺣﻤﺎﺭًﺍ ﺃﺑﻴضَ ﺟﻤﻴلًا ﻓﺄﺛﺎﺭ اﻧﺘﺒﺎﻫﻬﺎ ﻭﻃﻠﺒﺖ ﻣﻦ ﻭﺍلي دمشق حينها ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻋﺎﺻﻢ ﺑﺎﺷﺎ ﺃﻥ ﻳﺄﺗﻴﻬﺎ ﺑﻪ ﻟﻜﻲ ﺗﺄﺧﺬه ﻣﻌﻬﺎ ﺫﻛﺮﻯ ﺇﻟﻰ ﺑﺮﻟﻴﻦ . ﺭﺍﺡ ﺍﻟﻮﺍﻟﻲ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺪعى ( أبو ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺗﻠﻠﻮ )، ﻓﻄﻠﺐ ﺇﻟﻴﻪ ﺇﻫﺪﺍﺀ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺯﻭﺟﺔ ﺍﻻﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭ ﻓﺎﻋﺘﺬﺭ . ﻏﻀﺐ ﺍﻟﻮﺍﻟﻲ ﻭﻋﺮﺽ على أبو الخير ﺷﺮﺍﺀ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ , ﻭﻟﻜﻨﻪ ﺃﺻﺮّ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻓﺾ ﻭﻗﺎﻝ :
” ﻳﺎ أﻓﻨﺪﻳﻨﺎ، ﻟﺪﻱ ﺳﺘﺔ ﺭﺅﻭﺱ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻴﻞ ﺍﻟﺠﻴﺎﺩ، ﺇﻥ ﺷﺌﺖ ﻗﺪﻣﺘﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ إﻟﻰ ﺍﻻﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﺓ ﻫﺪﻳﺔ دون مقابل ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ ﻓﻼ “ . ﺍﺳﺘﻐﺮﺏ ﺍﻟﻮﺍﻟﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻭﺳﺄﻟﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺒﺐ .
ﺭﺩ ﺗﻠﻠﻮ ﻣﺒﺘﺴﻤًﺎ : ” ﺳﻴﺪﻱ إﺫﺍ أﺧﺪﻭﺍ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ إﻟﻰ ﺑﻼﺩﻫﻢ ﺳﺘﻜﺘﺐ ﺟﺮﺍﺋﺪ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻨﻪ ﻭسيسأﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻨﻴﻦ ﻫﺎﻟﺤﻤﺎﺭ ؟
ﻓﻴﺮﺩﻭﻥ ﻋﻠﻴﻪ : ” ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺎﻡ “. ﻭﻳﺼﺒﺢ “ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ ﺍﻟﺸﺎﻣﻲ ” ﺣﺪﻳﺚ ﻛﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ ، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻣﻌﺮضًا ﻟﻠﺴﺨﺮﻳﺔ , ﻭﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻫﻞ ﻳﻌﻘﻞ أﻥ إﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﺓ أﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻓﻲ ﺩﻣﺸﻖ ﻣﺎ ﻳﻌﺠﺒﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺤﻤير ؟ ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻦ أﻗﺪﻣﻪ ﻟﻬﺎ ﻭﻟﻦ أبيعه “ .
ﻧﻘﻞ ﺍﻟﻮﺍﻟﻲ ﺍﻟﺨﺒﺮ ﻟﻼﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭ ﻭﺍﻻﻣﺒﺮﻃﻮﺭﺓ ﻓﻀﺤﻜﺎ ﻛﺜﻴﺮﺍً, ﻭأﻋﺠﺒﺎ ﺑﺎﻟﺠﻮﺍﺏ وقدّراه, ﻭﺃﺻﺪﺭ ﺍلإﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭ ﺃﻣﺮه ﺑﻤﻨﺢ ﺗﻠﻠﻮ ﻭﺳﺎﻣًﺎ ألمانيا ﺭﻣﺰﻳﺎً .
والعبرة من هذه القصة أن هناك أناسًا يخافون كثيرًا على سمعة بلادهم من أن تمسّها الألسن بالسوء وهم كمثل هذا الفلاح المتواضع البسيط. و عندنا في أوطاننا العربية وفي لبنان حالياً وتحديدًا هناك حمير سياسية ومالية ومصرفية كثيرة ارتضت الذّل والهوان وهي تُضحّي او تنتهك حرمة هذا الوطن أو تبيع البلاد بما فيها بلا أية رحمة أو شفقة أو أيّة مشاعر إنسانية وفقط لأجل منصب رئاسي من هنا أو مقعد وزارئي من هناك أو للإستمرار في تكديس المكاسب في السلطة وجمع القناطير المُقنطرة من الأموال ومن الذهب والفضة والعقارات والشركات والكنوز البالية التي لن يأخذوها معهم حين يرحلون من هذه المواقع الى دار الآخرة حيث سيكون حسابهم عسيرًا هذا إن افلتوا من حساب الشعب الذي طفح كيله من ممارساتهم وعفنهم والذي لن يصبر بعد كثيرًا لكي يرميهم في البحر او الى مزابل التاريخ !
ولأن معظمهم قد “باعو الجمل بما حمل” وهم مستعدّون للمزيد ولأن يبيعوا كل شيء في سبيل استمرار نفوذهم ولو تمّ تدمير كل معالم هذا الوطن ومؤسساته وتهجير كل هذا الشعب والتسبّب بموته.