هل تتغير سياسة إيران تجاه العراق في ظل حكم رئيسي؟ على الأرجح نعم، لكن كيف؟!
مقاتلون من قوات الحشد الشعبي في العراق – رويترز
الآن وقد أصبح إبراهيم رئيسي الرئيس المنتخب في إيران، فمن الطبيعي أن تصبح علاقة طهران مع العراق محل تكهنات بعد أصبح الجناح المتشدد مسيطراً على مقاليد الحكم هناك.
وتحظى إيران بتأثير هائل على جارتها العراق منذ الغزو الأمريكي عام 2003، وازداد نفوز طهران أكثر مع تشكيل ميليشيات الحشد الشعبي أثناء الحرب ضد تنظيم الدولة (داعش)، إذ تدين غالبية ميليشيات الحشد بالولاء لطهران.
لكن الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في العراق، وبصفة خاصة في المناطق الشيعية، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، رفضاً للفساد وتدني الخدمات وتفشي البطالة في البلد الغني بالنفط والموارد الأخرى، مثلت تحدياً خطيراً لإيران وشركائها في العراق.
وتناول تقرير نشره موقع Al-Monitor الأمريكي التغييرات المحتملة لسياسة طهران في العراق، مع تولي رئيسي منصبه أول أغسطس/آب المقبل، وما إذا كانت تلك التغييرات ستكون في صالح بغداد أم ضدها.
مأزق إيران في العراق
يرصد تقرير الموقع الأمريكي المأزق الذي يواجه المسؤولين الإيرانيين في العراق منذ اغتيال قائد فيلق القدس السابق الجنرال قاسم سليماني، بضربةٍ جوية أمريكية في يناير/كانون الثاني 2020، حيث نتج عن ذلك ما يمكن وصفه بالفراغ والفوضى بين صفوف المعسكر الموالي لإيران في العراق.
والمقصود هنا هو أن اغتيال سليماني ومعه أيضاً في نفس الضربة نائب رئيس الحشد الشعبي وقائد كتائب حزب الله العراقي -أكبر تلك الميليشيات وأكثرها نفوذاً- قد أدى إلى حالة من الانفلات في صفوف تلك الميليشيات، وتسببت في بث الرعب في نفوس العراقيين، بحسب تقرير كانت قد نشرته مجلة Foreign Policy الأمريكية.
فالعديد من ألوية الحشد الشعبي تنتمي إلى مجموعاتٍ مسلحة كانت قائمة بالفعل قبل سنوات عديدة من تشكيل الحشد عام 2014، بفتوى من آية الله العظمى علي السيستاني، المرجع الشيعي الأعلى في العراق. ولَطالما حظيت تلك الفصائل بدعمٍ من الحرس الثوري الإيراني، وتأسست مجموعات أخرى في عام 2014 موالية للسيستاني، تُعرَف باسم “وحدات حماية الأضرحة”.
وبعد أن أدت الاحتجاجات الشعبية في البلاد إلى استقالة الحكومة، ومنذ تولي رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي المسؤولية وإعلانه التصميم على كبح جماح نفوذ ميليشيات الحشد الشعبي وإنفاذ القانون، بدأ يظهر حجم التحدي الذي تمثله تلك الجماعات، ليس فقط لسلطة الكاظمي، ولكن أيضاً لإيران نفسها.
وكانت المواجهة بين مصطفى الكاظمي وميليشيات الحشد الشعبي قد أصبحت علنية، ووصلت إلى حد تهديد مسؤول أمني بـ”قطع أذنَي” رئيس الوزراء، ما دفع الأمور إلى حافة الهاوية دون أن يتراجع الكاظمي، الذي يبدو مصمماً على تحرير العراق من قبضة إيران، وبناء علاقة أكثر استقراراً تُجنب بغداد الاستمرار كساحة حرب يصفي فيها الخصوم حساباتهم.
وبالنسبة لإيران، فمع هزيمة ترامب وتولي خلفه جو بايدن المسؤولية في البيت الأبيض، وبداية الحديث مجدداً عن إعادة إحياء الاتفاق النووي، أصدرت طهران تعليماتها لتلك الميليشيات بالكف عن استهداف القواعد والقوات الأمريكية في العراق، لكن بعضاً من تلك الفصائل لم يلتزم تماماً بتلك التعليمات، بحسب تقارير إعلامية.
كيف سيكون تأثير رئيسي إذن؟
لم يكن الفراغ والفوضى الناجمان عن اغتيال سليماني والمهندس وما نتج عنهما من قيام بعض الفصائل العسكرية الموالية لإيران في العراق إلى اتِّخاذ إجراءاتٍ دون التنسيق مع إيران في بعض الأحيان، هو العنصر الوحيد الذي يجب التوقف عنده.
إذ لا يمكن إنكار حقيقة أن المنافسة بين المؤسسات الإيرانية المختلفة، لاسيما جهاز الاستخبارات والحرس الثوري الإيراني، قد كان لها دور لا يمكن تجاهله في تلك الفوضى، بحسب تقرير موقع المونيتور.
وفي هذا السياق، تم انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً جديداً للجمهورية الإسلامية الإيرانية، في 19 يونيو/حزيران. وسيجري التنصيب الرسمي في أوائل أغسطس/آب المقبل. ورئيسي رجل دين بارز في السياسة الإيرانية، ورغم أنه جزءٌ من المعسكر المحافظ، لم يكن قط في صراعٍ ضد أيٍّ من القادة الإصلاحيين.
كان ينتمي إلى رجال الدين السياسيين الذي شغلوا مناصب رفيعة منذ الفترة الأولى للثورة الإسلامية، في عام 1981، تولَّى منصب المُدَّعي العام لمدينة كرج، حين كان في العشرين من عمره فقط.
وفي عام 2019، أصبح رئيس الجهاز القضائي، وهو من أرفع المناصب في إيران. وبعد بضعة أشهر من توليه هذا المنصب، عاقبت وزارة الخزانة الأمريكية رئيسي، بدعوى انتهاكات حقوق الإنسان.
وطوال مسيرته السياسية، ورغم سياساته اليمينية، حافظ رئيسي على علاقةٍ متوازنةٍ مع القادة رفيعي المستوى لكلٍّ من المعسكرين المحافظ والإصلاحي في إيران. يحظى رئيسي باحترامٍ كبيرٍ في صفوف الحرس الثوري الإيراني، وله علاقةٌ جيِّدةٌ مع مَن هم في مدينة مشهد، مسقط رأسه، بما في ذلك قائد فيلق القدس إسماعيل قآني، ورئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف.
وتشير هذه الحقائق إلى أنه من المُتوقَّع أن تصبح سياسة إيران إزاء العراق في عهد رئيسي أكثر اتساقاً، خاصةً بسبب علاقته الوثيقة بمختلف المؤسَّسات الإيرانية المسؤولة عن ملف العراق.
ومن المُرجَّح أن يكون رئيسي نقطة توازن بين المؤسَّسات الإيرانية المختلفة. وعلاقته الشخصية الوثيقة مع المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وقآني وقاليباف، تعني أنه يمكننا توقُّع الاتساق في سياسة إيران في العراق.
ماذا تريد حكومة الكاظمي في العراق؟
تدرك إيران أن موقعها في العراق يواجه تحدياتٍ بعد اغتيال سليماني، وبسبب المصداقية المتزايدة للحكومة العراقية ومؤسَّساتها في ظلِّ الحكومة الجديدة. لذلك يمكن توقُّع أن تحافظ إيران على علاقات عمل جيِّدة مع الحكومة العراقية، مع عدم التخلي عن نفوذها مع وحدات الحشد الشعبي التي تتطلَّع إلى إيران للحصول على الدعم، وأحياناً تكون على خلاف مع الدولة العراقية.
وقال رئيسي، الأربعاء 23 يونيو/حزيران، إنه لن يتفاوض مع الولايات المتحدة بشأن دعم طهران للميليشيات الإقليمية، التي تشمل تلك الجماعات التي تدعمها إيران في العراق، لكن ذلك لا يعني أن ما يتم التصريح به علناً هو ما الموقف الفعلي لطهران على طاولة المفاوضات.
وحتى الآن، يبدو أن السياسة التي ينتهكها الكاظمي تؤتي أُكلها، فقد ساعدت علاقة العراق المتوازنة مع الأطراف الإقليمية والدولية على تجنُّب الصراع على أراضيه، وتحويل العراق إلى وسيطٍ ونقطة التقاءٍ لمُختَلَف الأطراف.
واستضاف العراق عدة اجتماعات بين دول المنطقة، بما في ذلك المحادثات السرية بين السعودية وإيران، وسعى العراق كذلك إلى أن يكون بمثابة جسرٍ وليس ساحة معركة بين إيران والولايات المتحدة. ومن المُرجَّح أن تؤدِّي المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة، أي الاتفاق النووي، إلى ما هو في صالح العراق. ومن شأن علاقةٍ أكثر توازناً مع جميع الأطراف في العراق أن تؤدِّي إلى علاقةٍ أكثر استقراراً مع إيران أيضاً.
ولا يوجد سببٌ للاعتقاد بأن المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة والسعودية، والعديد من الدول الأخرى، لن تستمر في ظلِّ رئاسة رئيسي، فقد اتُّخِذَ قرار هذه المفاوضات ويجري الإشراف عليها من قِبَلِ خامنئي، أعلى سلطة في إيران.
وكان رئيسي قد أشار خلال حملته الانتخابية إلى استعداده لمواصلة محادثات خطة العمل الشاملة المشتركة إذا انتُخِبَ بالفعل. وفي حين أن الاستمرارية في جميع أصعدة السياسة الخارجية أمرٌ مُرجَّح، فهناك تحدياتٌ خطيرة بين إيران والعراق تُدار أكثر مِمَّا يجري حلها. ويشكِّل تنظيم وحدات الحشد الشعبي وإخضاعه للسيطرة الكاملة للدولة العراقية أولوية قصوى بالنسبة لمصطفى الكاظمي. وسيظلُّ هذا مصدر احتكاكٍ بين بغداد وطهران.
ويمثِّل تحدي الخلايا النائمة لتنظيم الدولة الإسلامية أولويةً أخرى لكلا البلدين، وأيُّ انهيارٍ في هذا الصدد في العراق سيؤثِّر على إيران أيضاً. أما العلاقة الاقتصادية في مواجهة العقوبات الأمريكية المستمرة، خاصةً فيما يتعلَّق بواردات العراق من الغاز والكهرباء من إيران، فهي أيضاً قضيةٌ مهمة للغاية لكلا البلدين.
في ظلِّ هذه الظروف، سيمنح العراق في ظلِّ حكم الكاظمي الأولوية لتوسيع دوره كجهةٍ لبناء الجسور في المنطقة والبقاء بعيداً عن صراعات المنطقة.