تقرير أميركيّ: ماكرون مسؤول جزئيّاً عن انهيار لبنان
ترجمة وإعداد هشام عليوان
أنشال فوهرا – Anchal Vohra (Foreign Policy)
“إنّ حبّ الرئيس ميشال عون لوريثه يكلّف البلاد غالياً. وهو يصرّ على أن يقوم صهره بدورٍ رئيسٍ في الحكومة”، يقول النائب ياسين جابر، ويضيف أنّه “لن يوافق أيّ رئيس وزراء بكامل قواه العقليّة على حكومة يتمتّع فيها حزب واحد بسلطة معطِّلة. وقد فشلت جميع الوساطات”.
جاء ذلك في تقرير لمجلّة “فورين بوليسي” الأميركية حمّل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جزئيّاً مسؤوليّة فشل مبادرة بلاده لإنقاذ لبنان من الأزمة السياسية والاقتصادية. فبعد عام تقريباً من زيارة ماكرون لبيروت وإطلاقه مبادرته، لم يتحقّق أيّ شيء. فأسعار الموادّ الغذائية في ارتفاع صاروخي، وطوابير السيارات أمام محطّات الوقود تمتدّ لأميال، والجيش اللبناني المسؤول عن حراسة الحدود يحافظ أيضاً على الأمن في الداخل في مجتمع منقسم بشدّة، وقد قرع أجراس الإنذار، محذِّراً من انهيار الجيش نفسه بسبب الضغط الاقتصادي والمالي الذي يتعرّض له الجنود.
بحسب التقرير، قال ماكرون مطلع هذا الشهر إنّه يحاول تدبير الدعم الدولي لتوفير الخدمات الأساسية للّبنانيين، ودعا إلى تمويل الجيش اللبناني
وأشار تقرير “فورين بوليسي” إلى أنّ صراع إيران مع الولايات المتحدة في المنطقة، والنزاع بينهما على كيفيّة التعامل مع حزب الله، أسهما في فشل المبادرة الفرنسية مبكراً. لكنّ المشكلة الأساسيّة هي استناد المبادرة الفرنسية إلى الطبقة السياسية نفسها المتّهمة بالكوارث التي أصابت لبنان. فرفض هذه الطبقة الشروع في الإصلاحات هو أكبر سبب لانهيار المبادرة الفرنسية. وإحجام فرنسا عن فرض عقوبات قاسية على النخبة السياسية والاكتفاء بمناشدتها لفعل الشيء الصحيح، هما ما وصفه تقرير المجلّة الأميركية بأنّه “أمرٌ ساذجٌ ومدمِّر”.
واستعرض التقرير ما فعله ماكرون بعد انفجار مرفأ بيروت، وجاء فيه: “في البداية كان هناك أمل. فماكرون أوّل زعيم أجنبي يزور البلاد في آب 2020 بعدما روّعها انفجار هائل في ميناء بيروت أسفر عن مقتل 200 شخص وإصابة الآلاف وتشريد مئات الآلاف بين عشيّة وضحاها. وبينما كان يتفقّد الجمّيزة ومار مخايل، وهما من أكثر الأحياء اللبنانية تضرّراً بالقرب من المرفأ، كان محاطاً باللبنانيين وغارقاً في أحزانهم. اندفع كثير منهم إليه مخترقين الحزام الأمني حوله، فمنهم من بكى على كتفه، ومنهم من أراد أن يمسك بيده فقط، في وقت كان السياسيون اللبنانيون يختبئون خوفاً من الغضب العامّ. لقد رفعت زيارته الآمال بين اللبنانيين بأنّ فرنسا ستأتي لنجدتهم وتُنهي مشكلاتهم. الجمّيزة ومار مخايل من الأحياء ذات الأغلبيّة المسيحية، وفيهما المقاهي والمباني التراثية، حيث يرى كثير من السكان أنفسهم أنّهم امتداد ثقافي لفرنسا. أمّا الآخرون، خارج المناطق المسيحية، فرأوا في ماكرون مفتتحاً لعصر جديد من الاستعمار”.
أشار التقرير إلى أنّ صراع إيران مع الولايات المتحدة في المنطقة، والنزاع بينهما على كيفيّة التعامل مع حزب الله، أسهما في فشل المبادرة الفرنسية مبكراً. لكنّ المشكلة الأساسيّة هي استناد المبادرة الفرنسية إلى الطبقة السياسية نفسها المتّهمة بالكوارث التي أصابت لبنان
وأضاف التقرير: “عندما عاد ماكرون في زيارته الثانية بعد شهر في أيلول العام نفسه، استدعى السياسيين ووضع خارطة الطريق الفرنسية للاستفادة من المساعدات الدولية، لكنّه جعلها مشروطة بالإصلاحات، حيث قال: “لا توجد شيكات على بياض”. الخارطة استندت إلى تشكيل حكومة تكنوقراطية جديدة في غضون 15 يوماً، وإجراء انتخابات مبكرة، وتنفيذ إصلاحات على الأقلّ في قطاع الكهرباء، الذي كان يستهلك 1.6 مليار دولار إلى ملياريْ دولار من الأموال العامّة سنوياً، من دون أن يوفّر طاقة مناسبة للناس. تجاوز ماكرون آليّات المحاسبة، وتخلّى عن الانتخابات النيابية المبكرة، لكنّ السياسيين عطّلوا حتى تشكيل حكومة مؤقتة، وهي كانت حاجة ملحّة لمناقشة خطّة الإنقاذ مع صندوق النقد الدولي. لقد تصارعوا على حقائب الحكومة بهدف منحها لأتباعهم، كي يستمرّوا في إدارة الحكومة بالواسطة ومن خارجها”.
وتابع التقرير: “استقال رئيس الوزراء اللبناني آنذاك حسّان دياب بعد أسبوع من الانفجار، لكنّه لا يزال رئيس وزراء تصريف الأعمال. اختير سعد الحريري لتولّي منصب رئيس الوزراء في تشرين الأول من العام الماضي، لكنّه مُنِع من تشكيل الحكومة. أوّلاً، كان على الحريري الاستسلام لحزب الله وحليفته حركة أمل، والتنازل عن وزارة المال المهمّة للشيعة. لكن خلال الأشهر القليلة الماضية، توجّه الحريري عدّة مرّات إلى قصر بعبدا الرئاسي في جبل لبنان، مقرّ إقامة رئيس الدولة، للحصول على توقيعه على التشكيلة الوزارية. وهو إجراء شكلي يتطلّبه الدستور. لكنّ ضغوط صهره وزير الخارجية السابق جبران باسيل كانت وراء تكتيكات المماطلة التي يتّبعها الرئيس اللبناني ميشال عون، الذي يريد حقّ النقض (الفيتو) في الحكومة، إذ يصرّ على منح حزبه الثلث زائداً واحداً. ومن الواضح أنّ بقاءه السياسي أهمّ بالنسبة إليه من بقاء بلاده. باسيل هو أحد أكثر السياسيين اللبنانيين الذين تعرّضوا للتحقير خلال الاحتجاجات الشعبية. وقد طالته عقوبات أميركية وفق قانون ماغنتسكي لمكافحة الفساد”.
وبحسب التقرير، قال ماكرون مطلع هذا الشهر إنّه يحاول تدبير الدعم الدولي لتوفير الخدمات الأساسية للّبنانيين، ودعا إلى تمويل الجيش اللبناني. وبحسب مصدر دبلوماسي فرنسي، طلب عدم كشف اسمه: “لا يمكن ترك الشعب اللبناني يتحمّل وحده وزر كلّ هذه الأزمات”. وأضاف: “فرنسا دعمت الجيش اللبناني بالغذاء والدواء وبعض التجهيزات الضرورية للحفاظ على الأمن. فمستوى معيشة 80 ألف جندي تقريباً ينهار بالنظر إلى سعر الليرة مقابل الدولار، بحيث انخفضت رواتبهم مقدّرةً بالدولار من 800 دولار إلى أقلّ من 100 شهرياً”.