حسابات لـ8 أيار… الحزب يرعى “عملية انتحارية”
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
هُناك مثل شعبي جنوبي معروف، ويُستخدم بكثرة بين أبناء القرى، يُرمى من ورائه إلى التعليق على حادث متقلّب عادةً، مضمونه: “حالنا مثل حصاد نبات الحمص، يوم فارغ ويوم مليان”، وفي حالة التدقيق يتبيّن أن المثال أعلاه يصلح لإسقاطه كإشارة إلى أحوالنا وما نعيشه اليوم في ظل ملف تأليف الحكومة.
عملياً، كلما هبطت حظوظ تأليف الحكومة تعود للإرتفاع مجدداً، شأنها بذلك شأن التقلبات المناخية التي تعصف بسعر صرف الدولار لدى سوق القطع، إذ لا تُبنى على أساس معيار علمي إنما هي مجرّد تلاعبات أو مضاربات تحصل من هنا وهناك وتؤدي في الغالب إلى التبدّل الطارئ والسريع في السعر.. بمعزل عن كل ذلك، عادت الأسهم الإيجابية على صعيد ملف تأليف الحكومة لتسجّل ارتفاعاً ملحوظاً ولو حذراً، غداة تفعيل “حزب الله” لحراكه صوب رئيس تكتل “لبنان القوي” النائب جبران باسيل، إرتكازاً إلى صدور طلب نجدة مصدره البياضة إلى الأمين العام السيد حسن نصرالله.
الثابت في رؤية الحزب الحالية، أنه سيتولى إدارة نقاش هادئ مع باسيل، بالتوازي، يجدر الشروع بنقاش هادئ ومتمّم للأول مع رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري (المتواجد حالياً خارج البلاد)، والمعبر نحو ذلك لا بد أن يُبنى على نتائج النقاش الأول. بالنسبة إلى “حزب الله” كما “التيار الوطني الحرّ”، فإن الضرورات تبيح المحظورات، لذا لا بدّ من نقاش صريح يدخل في عمق الملف ويتناول كافة تفاصيله ، حتى تلك الدفينة و التي لا يُكشف عنها، وعند هذه النقطة لا بدّ أن يُتناول النقاش بهامش واسع جداً من السرية، وهو ما يعمل عليه الحزب الآن بعدما بات يحيط حراكه بدرجة غموض على قاعدة “سرّي للغاية”. ومن ينتظر أن يصدر عن الحزب تعليق رسمي حول “طرح باسيل” عبر الإعلام سلباً أو ايجاباً، فسينتظر طويلاً ما دام الملف أضحى بـ”أمانة السيّد”.
ما يسبق كلام نصرالله اليوم، طغيان أجواء تفاؤلية يمكن إدراجها في خانة “الحذرة”، تولّدت من جولتي النقاش اللتان خاضهما الحاج وفيق صفا في البياضة، وستبقى حذرة طالما أن “الحزب” قد استفهم من باسيل أنه “غاوي حلولاً” كما أن ما وصل إلى “السيّد” من نتائج الاجتماعات، يتيح له الإعتقاد أن تفويض باسيل له “القبول بما يراه لنفسه” ، يعني بطريقة أو بأخرى توسيع الحزب لهوامشه كمثل البدء بحرث العشب النابت على الطريق بين بيت الوسط و البياضة كمقدمة لعقد “خلوة حكومية” بين الحريري و باسيل.
صحيح أن الحزب وفي العادة لا يُغامر بطرح أفكار “واسعة” كتلك الواردة أعلاه لخشيته من السقوط بالأفخاخ اللبنانية المعروفة، إنما الصحيح ايضاً أن تقدير الحزب للحلّ الحكومي يأتي في الأساس من تصوّر مبني على ضرورة إنجاز لقاء بين الطرفين، وأن الطريق إلى التأليف تمرّ بإرساء القواعد لتفاهم مشترك بين شريكين سياسيين مُفترضين في عملية التأليف تبعاً للحضور النيابي لدى كل منهما.
لكن وعلى أهمية ما تقدّم، ثمة حواجز تحول دون إتمام الخطوة ، تعلمها الضاحية جيداً، ولعل أصعبها أن فتح هذا اللقاء المُفترض على حسابات إنتخابية منذ الآن قد تعيقه، وأن حسابات القوم الحاليين تُجسّد عملياً حسابات تنطبق على بيدر 8 أيار 2022 ولا تصلح لحزيران أو تموز 2021، لذلك لم يبادر الحزب إلى طرح الموضوع بشكلٍ رسمي إنما ألمح إليه من زاوية البحث عن حلول تُيسّر أمر تأليف الحكومة وخلال استعراض جانب من الأفكار والعروض اثناء لقاء باسيل – صفا.
إذاً “حزب الله”، وبحسب التقدير، قرّر خوض “عملية انتحارية” من أجل إنتشال ملف تأليف الحكومة من القعر الذي يتموضع فيه، لكن الأكيد أن تدخّله الحالي كما المستقبلي، لن يأتي بمعزل عن مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري إنما تحت سقفها، وهو ما تمّ إبلاغه صراحةً إلى باسيل الذي لم يعد يقوَ سياسياً على فرض أو إبداء الرفض لأي فكرة ما دام أنه وكّل أمره إلى نصرالله، ونقطة على أول السطر.
عملياً، السيد نصرالله وفي هذه الحالة لن يمارس “نزعة” ضد باسيل وهو الحريص جداً على حلفائه، تماماً كما وأنه لن يذهب إلى فرض حلّ على حساب باسيل بمعزل عن الحريري أو العكس، بل أن الحزب يبحث حالياً عن حلّ “متوازن” يمكن تأمينه عبر تسيير أجواء “تنازلات متوازنة” للوصول إلى اتفاق “متوازن”، وهي قاعدة التوازن ذاتها التي ينشدها الحزب حيال الملف منذ مدة، والتي لا يغادرها الرئيس بري بدوره سيما وأنه سيبني موقفه على مقتضى تحرك الحزب.
لكن وللأمانة، سبق للحزب أن أبلغ إلى باسيل أن سقفه الحكومي مرتفع، وهو نفس الأمر الذي أبلغه إلى الحريري ذات مرّة. المقصود من جانب الحزب هو تعبير عن شعور ينازعه أن أياً من الطرفين لم يكن يريد حكومة، فجنحا إلى رفع سقوفهما. الآن إنتهى هذا الزمن، وبحكم التفويض الأول المستمدّ من باسيل والثاني الموضوع في كنف برّي من جانب الحريري، فإن على الطرفين أن ينصاعا، ولعل الثابت الآن في كل ما يدور أن حكومة الـ24 أضحت من الركائز.
يقول “حزب الله” في سرّه أنه استطاع تحقيق مطلب العونيين بتوسيع الحكومة من 18 إلى 24 بمعية الرئيس برّي، وقد قيل للحريري آنذاك أن تخليه عن صيغة الـ18 يقابله تخلياً من باسيل عن “الثلث المعطل” المزعوم، لذا لا بدّ أن يُكرّم الحزب سياسياً، وتكريمه انما يأتي في التراجع عن رفض توزيعة الـ8+8+8.
ربَ قائل أن باسيل لا يحق له نظرياً وسنداً إلى حضوره النيابي الحالي بـ 12 مقعداً وزارياً، تماماً كما لا يحقّ للحريري فرض مشيئته أو تسميته للوزيرين المسيحيين الآخرين بمعزل عن التيار (أو العهد) ما دام يرفض منح حق التسمية أو التشارك بتسمية أي وزير سُنّي لغيره. في الواقع، ولو كان باسيل يستحوذ على 50 نائباً من أصل 64 مسيحياً، لكان يحقّ له المطالبة بجميع المقاعد الوزارية المسيحية، تماماً كما يحق للثنائي الشيعي الآن المطالبة بجميع مقاعد الشيعة ما دام يحظى بنسبة 100% من عدد النواب.
بالخلاصة: على المعنيين تهذيب طروحاتهم أولاً.