تحدّيات “الإحتكام” الى السيد حسن
رفيق خوري-نداء الوطن
ليس التأزم في تأليف الحكومة بين المراهنين على اللاتأليف هو “أم الأزمات”. والأحاديث عن قذف كل طرف للكرة في ملعب الطرف الآخر هي نوع من توصيف تقليدي لواقع عبثي. فما يحدث في أزمة التشكيل هو مباراة بلا كرة في لعبة التعطيل. ولا جديد في “الإحتكام” الى السيد حسن نصرالله بعد شهور من التراشق بمواقف التمسك بالصلاحيات والإحتكام الى الدستور. الجديد هو التسليم بنفاد الحيل وإضطرار العهد ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الى “تحكيم” الحليف الأخير لهما في الخلاف وضمان “حقوق المسيحيين” و”قبول ما يقبله لنفسه”.
ذلك أن الكل يتحدث من دون نقاش عن “فائض القوة” لدى “حزب الله”. والإنطباع السائد هو أنه يمسك بكل المفاصل الأساسية في السلطة، لا فقط بقرار الحرب والسلم ووضع لبنان في أزمات مع أشقائه العرب وأصدقائه الدوليين. وليس واضحاً إن كان محرجاً أو لا في دعوته علناً الى إتخاذ موقف محدد من الخلاف بين حليفه الماروني وحليفه الشيعي المتمسك مثله برئاسة سعد الحريري للحكومة. وليس قليلاً حجم الإقتناع لدى أطراف عدة بأنه هو القوة الأساسية وراء التعطيل لإعتبارات خاصة به، وإن قيل مؤخراً أنه بات متحمساً لتأليف حكومة خوفاً من الإنهيار الكامل للبلد.
والإمتحان سريع. إذا مارس “حزب الله” قوة “الإقناع” مع حلفائه، وقاد الى تأليف الحكومة، فإنه يؤكد أن اللعبة كانت ولا تزال في يده ويجنّب البلد الإنهيار. وإذا ظهر أنه بالفعل لا يمون على حلفائه، فإن هذا خبر جيّد. لماذا؟ لأن المعنى البسيط لذلك أن لبنان ليس ممسوكاً بالكامل، ولا تزال فيه قوة إرادة ورفض للسيطرة. والمهم أن تكون قوة الإرادة إيجابية لا سلبية.
هناك بالطبع من يختصر ظاهرة المشكلة بالخلاف بين عائلات المافيا المتسلطة. عائلة تريد حكومة بلا إصلاحات. وعائلة تريد إصلاحات بلا حكومة. لكن المسؤول الأعلى للسياسة والأمن في الإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الذي زار بيروت مؤخراً قال بوضوح: “لا مساعدات من دون إصلاحات، ولا إصلاحات من دون حكومة. الأزمة محلية، ولا نفهم لماذا لا يتم تأليف حكومة”. والمفارقة أن يفتح العاجزون، بالقصد أو بالفعل، عن تأليف حكومة باب إصلاح النظام والدستور، حيث العجز أكبر، والممسك بأوراق القوة يفرض التغيير الذي يخدم مصلحته وحقوق طائفته، والطرف الضعيف تزداد خسارته.
والوقت حان للتخلص من السجالات التافهة المكررة. فلا مسؤول على حق حين يجوع اللبنانيون ويهاجرون ويفقدون فرص العمل ويعجزون عن إيجاد الدواء ودخول المستشفيات وحتى جمع الزبالة.
يقول سينيكا: “الإزدهار يلطف المزاج”. لكن مشكلتنا ليست أن الإنهيار وراء حدة المزاج بل أن المزاج الحاد وسوء السياسات والأنانيات وراء الإنهيار.