نصرالله ومعادلة البنزين الايراني: تحوّلات ما بعد «فيينا»
ابراهيم ناصر الدين-الديار
اقرار «اسرائيلي» بتطور قدرات حزب الله : النتائج كارثية
ليس اكثر «اذلالا» من فقدان الدواء، وانهيار سعر الصرف، والغلاء الفاحش، والوقوف في طوابير على محطات الوقود، الا اخبار الاجتماعات الماراتونية المتواصلة لاقناع المسؤولين عن الانهيار، وشركاء الامس بنهب الدولة وتقاسم المغانم، بالعودة الى سدة الحكم ضمن توليفة مشوّهة لادارة التفليسة..
وبانتظارعودة اللبنانيين الى «بيت الطاعة»، رسم الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله «صورة» قاتمة للواقع المعاش، مرجحا ان يكون «الآتي اعظم». ودون «مغالاة» في تكبير حجم قدرة حزب الله على فرض التسويات او «المونة» على الحلفاء، والخصوم، ولان البلد غير جاهز لمحاسبة احد على «موبقاته» ومسؤوليته عن الانهيار، وفي غياب اي بديل جدي طائفي او حزبي، ترك السيد «بواقعية» امر تشكيل الحكومة «لصحوة» ضمير من فريقي «النزاع»، راسما «خطا» احمر على تقصير ولاية المجلس النيابي. لكن الاهم، وبعيدا عن «زواريب» الداخل اللبناني، والمزايدات على مسألة استيراد البنزين والمازوت من ايران، فان نصرالله يهيىء الساحة اللبنانية، والمنطقة لمرحلة جديدة عنوانها ما بعد العودة الاميركية الى اتفاق فيينا، وهو حدث مفصلي سيكون له تداعيات كبيرة.
وبحسب المعلومات، لم يكن نصرالله معنيا بالقول الى اللبنانيين «انظروا» السفن المحملة بالنفط الايراني باتت قبالة الساحل اللبناني، على شاكلة تدمير سفينة «ساعر الاسرائيلية» في حرب تموز حين قال «انظروا اليها تحترق»، لانه لا يبيع احدا الاوهام، ولهذا اشار بوضوح الى ان هذه الخطوة باتت اقرب من اي يوم مضى، وهو عندما منح السلطات اللبنانية المزيد من الوقت لمراجعة العروض الايرانية، منح الجميع، وقتا مستقطعا بانتظار رفع العقوبات عن ايران، والذي بات «قاب قوسين او ادنى»، بحسب كل المعطيات الموجودة على «طاولة التفاوض»، وما لم تحصل اي مفاجآت غير منظورة، لن يستطيع اي طرف داخلي او خارجي التلطي وراء الخوف من العقوبات الدولية، لمنع التعاون مع طهران، وسيكون الجميع امام «الامتحان»، فالحكومة، اي حكومة، ستكون امام خيارين: اما الذهاب بنفسها للتوقيع مع الايرانيين، او ستكون مضطرة للدخول في مواجهة جدية مع الناس الذين سيقفون امام حزب الله لتفريغ السفن القادمة من البحر.. ليس الامر مناورة، وانما «خارطة طريق» لمرحلة قادمة وضعها السيد نصرالله امام الخصوم، والاعداء، والحلفاء.. مع العلم، ان ثمة من يتحدث عن سيناريوهات بديلة يعمل عليها في حال فشل التفاوض بين واشنطن وطهران؟
اما «الرسالة» الاهم فكانت لـ «الاسرائيليين»، لان خروج الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله «بصحة» جيدة ، كان حمل الدلالة الاهم بعدما انشغل «الاسرائيليون» في متابعة وضعه الصحي على مدار الايام التي تلت كلمته في ذكرى انتصار ايار، ونسجوا الكثير من السيناريوهات «الخبيثة» التي وصلت الى حدود الحديث عن خليفته المحتمل.. طبعا اراد «الاسرائيليون» استكشاف المزيد من نياته بعد نتائج حرب غزة، لكنه واصل اعتماد استراتيجية الغموض البناء حيال الدروس المستفادة من هذه المعركة، مثبتا معادلة حماية القدس للمرة الثانية على التوالي، ما فتح ابواب التساؤلات المقلقة لدى «القيادة الاسرائيلية» المأزومة سياسيا، والمربكة عسكريا، وهو امر حاول «مركز ابحاث الامن القومي الاسرائيلي» تقديم بعض الاجابات «المرعبة»عنه، وتوصل الى خلاصات تشير الى ان استفادة حزب الله من نتائج معركة غزة تعد «كارثية» على «اسرائيل».
وفي هذا السياق، تحدث «مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي»، التابِع ل»جامعة تل أبيب» عن انعكاسات الحرب على غزة على الجبهة الشمالية، وكيفية استفادة حزب الله من هذه المواجهة، واشارت الدراسة التي صدرت قبل ساعات، الى إنه خلال 11 يوما من الحرب تابع حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله تطورات الأحداث، حيث توصلا إلى أن ما جرى في غزّة هو الذي سيحدث في لبنان في حال اندلاع مواجهة جديدة، مُضيفة أن حرب غزة كانت كفرصة للحزب للتعرف الى قدرات «الجيش الإسرائيلي»، بهدف الاستعداد للمُواجهة المقبِلة..
ونبهت الدراسة الى عدم الركون الى مقولة ان حزب الله يبدو مردوعا، لانه بعد اكتشاف قدرات «الجيش الاسرائيلي» قد يكون على استعداد للدخول في مخاطر شديدة وحرجة، الأمر الذي سيؤدي إلى تصعيد الأمور على الجبهة الشماليّة، مما سيجر المنطقة إلى حرب متعددة الجهات. ورجح «المركز» ان يكون حزب الله قد استفاد من المعركة الاخيرة من خلال الكشف عن قدرات «الجيش الاسرائيلي» بهدف صياغة الرد المناسب للتعامل معه من خلال تطوير القدرات الصاروخية عبر تحسين دقتها، اما التطور الاكثر خطورة فسيكون نجاح الحزب في بناء مظلة للدفاع ضد سلاح الجو، او محاولة تعطيل أنشطته في وقت مبكر..؟
وفي هذا السياق، تلفت مصادر معنية بهذا الملف، الى ان ذروة «القلق الاسرائيلي» ترتبط بقدرة حزب الله على استهداف المطارات العسكرية الاسرائيلية لمنع انطلاق الطائرات، وهو ما عبرت عنه الدراسة بالقول تعطيل انشطة سلاح الجو، وثمة اعتقاد جازم لدى «القيادة العسكرية الاسرائيلية» بان حزب الله استعاض عن فكرة ايجاد منظومة صواريخ ارض- جو متطورة، بامتلاك صواريخ دقيقة وفتاكة قادرة على اخراج عدد كبير من المطارات العسكرية عن العمل، ما سيؤدي الى تقليص الطلعات الجوية الاسرائيلية ما سيفقد «الاسرائيليين» في الحرب المقبلة، التفوق الجوي المعتاد…
وبحسب المعهد فان خطر حزب الله انتقل الى داخل «اسرائيل» واشار إلى أن تدهور العلاقات بين «عرب إسرائيل» والسكان اليهود في المدن المُختلطة، سيشجع الحزب على دعوة الجمهور العربي في «إسرائيل» لاستخدام العنف في حال اندلاع حرب متعددة الساحات. واعتبرت الدراسة ان «الجيش الإسرائيلي» ملزم الان بالعودة إلى التهديد الرئيسي الذي يُواجِهه على الجبهة الشمالية، كما يبدو ملحا تحديد موعدٍ جديدٍ للتدريب العسكري، الذي تم تأجيله بسبب الحرب على غزة، خصوصا ان «اسرائيل» لا تملك اجابات واستنتاجات واضحة حول خطوة حزب الله المقبلة.
ويبقى السؤال مفتوحا عما اذا كانت نتائج المعركة مع حماس ستشجع الحزب على محاولة تحدي «إسرائيل» من خلال تنفيذ تهديدات السيد نصر الله بالانتقام لمقتل احد عناصره في شهر تموز من العام المُنصرم في غارة على سوريا..»؟ اسئلة ستبقى دون اجابات لان حزب الله يعتمد استراتيجة غموض لارباك «الجيش الاسرائيلي» الذي يعاني من نقص كبير في المعلومات الاستخباراتية.