أستاذ سابق في جامعة برينستون الأمريكية: إسرائيل تخشى قدرة الثورة الإسلامية على حشد شعوب المنطقة
يرى الأستاذ السابق في جامعة برينستون الأمريكية البروفيسور ريتشارد فالك أن السمة الأكثر إثارة للقلق في الثورة الإسلامية، أنها حاولت دائماً إغلاق جميع سبل التأثير الغربي الجيوسياسي والسياسي والاقتصادي والثقافي. ولهذا السبب يمكن القول إن أحداث إيران لم تكن فقط معادية للإمبريالية والاستعمار الأوروبي فحسب بل تعتبر معارضة لجميع أشكال النفوذ الأمريكي وشراكاتها الاستراتيجية مع “إسرائيل” والأنظمة المعادية الأخرى في المنطقة.
ريتشارد فالك أستاذ فخري للقانون الدولي في جامعة برينستون ومقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في شؤون فلسطين. زار إيران قبل أيام من الإطاحة بالنظام البهلوي، وقبل أيام قليلة من عودة الإمام الخميني من نوفل لوشاتو التقى به في فرنسا.
وكان قد استعرض في مقابلة سابقة لما عبق في الذاكرة من ذلك اللقاء قائلا: إن آية الله الخميني كان مصراً للغاية أن الثورة على الشاه هي في حد ذاتها ثورة إسلامية وليست مجرد ثورة إيرانية. وكان يبدو أنه يرى أن أعلى شكل من أشكال التكامل السياسي ينبغي ألا يبحث عنه في الحكومات المقيدة بالسلامة الإقليمية. وهذا و قد تأثرنا بشكل خاص بالأخلاق و الشفافية السياسية لآية الله الخميني وإلى حد ما بسلوكه الصريح، المعارض لأي حل وسط بشأن نقل السلطة من إيران القديمة إلى إيران الجديدة التي كان يتصورها. وقد اتضح لنا أن الثورة في نظره نابعة من رغبة الشعب الإيراني في تحرير نفسه من الفساد والمذهبية والحداثة والهياكل الحكومية القمعية واستبدالها بهياكل قائمة على القيم الإسلامية، وضامنة لاتخاذ سياسات وطرق تقوائية.
وفي ذكرى رحيل مؤسس الثورة الإسلامية، أًجري حوار مع البروفيسور فالك حيث تناول فيه دور الإمام وخصائص الثورة وآثارها على المنطقة والعالم الإسلامي ونوع التعامل مع الغرب.
-قبل سنوات وصف مسؤول صهيوني الثورة الإسلامية بأنها “زلزال القرن”. ما هي برأيك آثار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني في المنطقة والتي أثارت قلق الكيان الصهيوني؟
أعلن الإمام الخميني بوضوح معارضته للكيان الإسرائيلي والمشروع الصهيوني لإقامة دولة يهودية في قلب العالم الإسلامي، كما أنه أعلن أيضاً أنه يعتبر اليهودية ديناً اصيلاً ويستحق الاحترام.
لقد التقيت بالإمام الخميني في باريس قبل أيام قليلة من عودته إلى إيران . أعلن في ذلك اللقاء صراحةً أن وجهة نظره تجاه الكيان الصهيوني هي معاداة الصهيونية وليست معاداة الدين اليهودي.
كان للكيان الإسرائيلي علاقات إيجابية مع إيران أثناء حكم الشاه. كان يُنظر إلى الثورة الإسلامية على أنها تهديد واضح لإسرائيل لأنها كانت تريد التحكم بالمصير السياسي للشعوب التي عاشت في تلك المنطقة منذ سنوات. وقط عارضت الأصول الإسلامية لحركة الإمام الخميني السياسية كل أشكال العلمانية والنفوذ الاستعماري الغربي.
عندما تمكنت هذه الحركة الثورية من تحدي النظام البهلوي، الذي كان قوياً جداً داخل البلاد وفي المنطقة؛ بالتأكيد كان يمكنها ان تكون ناجحة في أجزاء أخرى من المنطقة. فيما كانت وجهة النظر الإسرائيلية تعتبر هذه الثورة أيضاً حدثاً مدمراً ومعادياً لإسرائيل لأنها كانت تمتلك القدرة على حشد شعوب المنطقة والتأثير عليها. عدا عن نجاح هذه الحركة الثورية في حرمان إسرائيل من دعم النظام الإيراني السابق.
-ما السمة التي تحلت بها الثورة الإسلامية حتى أثارت قلق القوى الغربية؟
في رأيي ان السمة الأكثر إثارة للقلق في الثورة الإسلامية الإيرانية، أنها حاولت دائماً إغلاق جميع سبل التأثير الغربي الجيوسياسي والسياسي والاقتصادي والثقافي. لهذا السبب ، يمكن القول إن أحداث إيران لم تكن فقط معادية للإمبريالية والاستعمار الأوروبي فحسب بل تعتبر معارضة لجميع أشكال النفوذ الأمريكي وشراكاتها الاستراتيجية مع “إسرائيل” والأنظمة المعادية الأخرى في المنطقة.
العامل الثاني الذي أثار قلق الغرب هو رفض الثورة الإسلامية الإيرانية للنظرية الغربية التي تنص على فصل الدين عن السياسة. وما يقلق الغرب أيضاً التناقض بين التقاليد الدينية للثورة الإسلامية الإيرانية والقيم الثقافية للغرب. على سبيل المثال ، اختلافات وجهات النظر بين الجانبين حول ملابس النساء أو وجهات نظر مختلفة حول قضايا مثل الحرية والموسيقى والكحول وما إلى ذلك.
وبشكلٍ عام، يمكن القول إن سبب المعارضة الرئيسية للثورة الإسلامية القائمة على المعتقدات السياسية للإسلام، هو معارضة للتأثير والسيطرة الأوروبية المهيمنة والاستعمارية على المنطقة، الأمر الذي يهدد المصالح الاستراتيجية للغرب، بما في ذلك مصادر الطاقة والأمن الإسرائيلي والإجماع الأيديولوجي المناهض للماركسية و مشروع العولمة النيوليبرالية.
-كيف ترى دور الإمام الخميني في العالم الإسلامي؟
أعتقد أن الإمام الخميني لعب دوراً رئيسياً في إظهار هذه الحقيقة للعالم الإسلامي وهي ان اتحاد الشعوب يعطيها القدرة على تحدي الفساد وأشكال الانحطاط المختلفة للقادة السياسيين. كما ان الإمام الخميني اعاد إحياء الحركات والأنشطة الإسلامية على الرغم من أن خطوته دفعت أوروبا والولايات المتحدة إلى تبني ردود فعل معادية له و للإسلام. كما أدت مخاوف ملوك المنطقة، بما في ذلك حكام دول الخليج الفارسي، إلى تنافس إقليمي أعمق.
-كان الإمام الخميني يعارض المساومة مع القوى الإمبريالية الغربية والكيان الصهيوني ويؤمن بالمقاومة. هل ترى تغييرا في ميزان القوى في المنطقة؟
باستثناء إيران، لم يطرأ أي تغيير لافت على ميزان القوى في المنطقة. يمكن القول فقط إن الانتفاضات العربية من 2010 إلى 2011 عكست نفوذ الإمام الخميني وتجارب الثورة الإسلامية اذ ألهمت بشكل جماعي شعوب بعض الدول العربية لتحدي أوضاعهم الحالية. لكن الحركات المناوئة للثورة التي أعقبت هذه الانتفاضات أحدثت فوضى في بعض هذه الدول، مثل اليمن وليبيا وسوريا، فضلاً عن السلوك العنيف لملوك العرب في بعض هذه البلدان.
والحقيقة أن النفوذ الغربي في المنطقة قد تضاءل في السنوات الأخيرة، على الرغم من أن ذلك يرجع جزئياً إلى وجود روسيا والصين. وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من نجاح السياسة الخارجية الإيرانية في لبنان وفلسطين وسوريا إلا أنه من السابق لأوانه الحديث عن توازن جديد للقوى في المنطقة.
المصدر: متابعات