نقاشات “الكابيتال كونترول” تُستكمل اليوم في لجنة المال والموازنة: إنشاء “مركزية تحاويل”.. والمصرف الذي يتخلّف عن الدفع يُشطب
النهار – سلوى البعلبكي
حتى الآن، وعلى رغم المطالبات الخطية المتكررة للجنة المال والموازنة، لم تصل اليها أي أرقام مفصّلة من مصرف لبنان لحسم أرقام ونسب البنود المالية لوضع ضوابط موقتة على التحويلات المصرفية والسحوبات النقدية في قانون “الكابيتال كونترول” في الهيئة العامة لمجلس النواب. والارقام التي حصلت عليها اللجنة شفهياً، إنْ من مندوبي “المركزي” الذين شاركوا في الاجتماعات، أو من خلال الاتصالات الهاتفية مع المعنيين فيه، لا يمكن الركون اليها ما لم تكن موثقة بكتاب رسمي، يضاف اليها ما وصل الى اللجنة من المصارف خلال شهر والتي اعتبرها النواب متناقضة. لذا، ولئلا يتحقق الهدف الرامي الى نسف “الكابيتال كونترول” أو تجميده، إرتأت لجنة المال والموازنة بعد الاستئناس باقتراح رئيسها النائب ابرهيم كنعان، عدم تحديد الأرقام والنسب بشكل حاسم واعطاء مهلة أخيرة لمصرف لبنان ليزوّد اللجنة الارقام قبل أن يُقر القانون في الهيئة العامة، على ان يكون سقف السحوبات بالليرة اللبنانية ما بين 15 مليوناً و20 مليون ليرة، والسحوبات بالدولار ما بين 25% و50% من السقف المحدد للسحوبات بالعملة اللبنانية (أي ما بين 400 و800 دولار للمودع). وبذلك تكون لجنة المال قد تركت هامشا للمصرف المركزي ووزارة المال لتعديل بعض السقوف بناء على معطيات جديدة تتوافر لديها، شرط ألّا تقل الارقام عن 15 مليون ليرة للسحوبات باللبناني و25% من القيمة باللبناني للدولار.
عندما بدأ الحديث عن سحوبات وتحاويل الى الخارج كتدبير إستثنائي بدلاً من الحظر، أقر مبدئيا بند التحويلات المالية إلى الخارج، من دون تعديل في سقف الـ 50 ألف دولار سنويا كحد أقصى لتمويل مصاريف التعليم والرسوم والضرائب والبطاقة الائتمانية في الخارج، كما تقرر أن يضاف تمويل العمليات الجراحية المستعصية التي لا يمكن اجراؤها في لبنان لأسباب عدة تتعلق بنقص عدد الاطباء والادوية وغيرها. ولكن الاهم هو ما أضيف الى التعديلات من بنود تتعلق بالعقوبات على المصارف التي تتخلف عن التنفيذ، وذلك حتى لا يكون مصير “الكابيتال كونترول” كمصير قانون الدولار الطالبي الذي لم يطبَّق حتى اليوم، فلحظ القانون انشاء “مركزية تحاويل” تنظر في كل التحاويل والسحوبات، ويحق للمودع ان يعترض أمامها وامام المجلس المركزي والهيئة المصرفية العليا والقضاء. هذه المرجعيات الثلاث هي للحد من استنسابية المصارف في التعاطي مع المودعين، علماً أن آلية الحسم والبت بالاعتراضات تصغّر هامش الدعاوى والشكاوى. وتصل العقوبة المشددة (ربطاً بالمادة 208 من قانون النقد والتسليف) الى حد شطب المصرف الذي يتخلف عن الدفع على اعتبار أنه لا يطبق القانون.
عندما بدأت هذه السلة من التعديلات تأخذ مسارها توالت الاعتراضات بهدف عرقلة “الكابيتال كونترول”، وما تسريب المسودة والهجوم من بعض السياسيين ومن بعض وسائل الاعلام إلا دليل على ذلك. ولكن اللجنة الفرعية استمرت بالعمل الى ان وصل المشروع الى اللجنة الأم التي وجدت صعوبة في تثبيت السقوف التي حددتها اللجنة الفرعية لعدم توافر الارقام الرسمية، خصوصا ان لجنة المال والموازنة لا تنظر الى الملف بخلفية انسانية أو قانونية فقط، بل بخلفية مالية شأنها شأن كل لجان المال في العالم، إذ عندما وصلت اللجنة الى الأثر المالي إكتشفت ان ثمة مجموعة ارقام متناقضة من المصارف، فيما لا تتوافر الارقام من مصرف لبنان حتى اليوم. فقد ورد الى اللجنة كتاب من جمعية المصارف في 21 نيسان 2021 يفيد بأنه ليس في امكان المصارف دفع 50 ألف دولار في السنة بل 20 ألف دولار فقط. وفي 31 أيار الماضي ارسلت الجمعية كتابا آخر خفضت فيه الرقم الى 10 آلاف دولار. وهذا التناقض وضعه النواب في اطار النية لارباك اللجنة وشلّ قدرتها على اتخاذ قرار، في حين فسّره آخرون بأن ثمة إرباكاً من المصارف.
في بند السحوبات بالدولار، اشارت جمعية المصارف الى ان الكلفة الاجمالية لتمويل السحوبات النقدية تقدَّر بنحو 8.8 مليارات دولار وهو رقم كبير جدا… ثم عادت وخفضته الى 6.13 مليارات دولار ومن ثم الى 4 مليارات دولار وأخيرا الى 2.4 ملياري دولار في حال خفض المبلغ الى 400 دولار شهريا. هذه التقديرات المتناقضة لا تسمح للمشرّع الذي يدرس الأثر المالي لهذا القانون الاستثنائي الذي سيكون له وقع على المصارف والمودعين في آن، بأن يحدد النسب والارقام بشكل حاسم، خصوصا في ظل عدم توافر الارقام من مصرف لبنان، والتي اقتصرت على الارقام الشفهية من دون ان تكون واردة في كتب رسمية. هذا الامر كاد ان يجمد مسار “الكابيتال كونترول” الى أن اقترح كنعان في الجلسة الاخيرة صيغة تأخذ في الاعتبار أمرين: الاول هو عدم حسم النسب للسحوبات بل وضعها ضمن حدين أعلى وأقصى واعطاء مهلة أخيرة لمصرف لبنان أن يوفر الارقام قبل أن يقر القانون في الهيئة العامة، على ان يتم البت باللبناني ما بين 15 مليوناً و20 مليون ليرة، والدولار ما بين 25% و50% من السقف اللبناني، وترك هامش للمصرف المركزي ووزارة المال لتعديل بعض السقوف، على ألّا تقل الارقام عن 15 مليون ليرة للسحوبات باللبناني و25% من سقف السحب باللبناني للدولار ووفقا لسعر السوق الرائج. وبهذه الحالة تكون اللجنة قد ضغطت على مصرف لبنان والمصارف لتوحيد أرقامهما، علما ان ثمة من يتحدث عن اتفاق ضمني بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة للالتفاف على قانون “الكابيتال كونترول” من خلال إعطاء 400 دولار أميركي نقداً لأصحاب الودائع المصرفية بالعملات الأجنبية، وجرى الاعلان عنه قبل يومين. أما مدى صحة هذه المعلومات من عدمها، فستتأكد من خلال النقاشات في جلسة لجنة المال والموازنة اليوم الاثنين حيث سيُستكمل النقاش في اقتراح قانون “الكابيتال كونترول” على صعيد البنود المالية المتعلقة بالسحوبات النقدية بالليرة والدولار والتحاويل الطالبية، على أن يعقبها مؤتمر صحافي للنائب كنعان الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً.
إذاً الارقام لم تحسم في انتظار أرقام مصرف لبنان ومناقشتها، فعلى رغم ان مجلس النواب هو سيد نفسه، إلا انه لن يغامر بأرقام غير متأكد منها. وثمة حرص من النواب على عدم تكرار تجربة سلسلة الرتب والرواتب، خصوصا أنه تم تحميل المجلس والحكومة مسؤوليتها.
وفي اتصال لـ”النهار” يقول النائب كنعان: “نحن في لجنة المال والموازنة نشرّع وفق الأصول ومصلحة المودعين، وإذا أراد القطاع المصرفي أن يستمر عليه ان يستعيد ثقتهم، وهذا لن يتمّ من دون شفافية ووضوح في الأرقام والسياسات”.