عندما تغيب الدولة..يحضر حزب الله
رغم كل ما يعانيه اللبنانيون من صعوبات معيشية، خصوصاً على صعيد شح مادة البنزين، وما يسببه ذلك من طوابير للسيارات على محطات الوقود، مضافاً إليه انقطاع الكثير من الأدوية في الصيدليات. لكن آمالهم تبقى كبيرة ومعقودة علناً وسراً، على ما قد يقوم به حزب الله، وأمينه العام السيد حسن نصر الله من خطوات إنقاذية، تعيد للبلد عافيته، أقله فيما يساعد على الصمود بالنسبة لهذين القطاعين الحيويين، ريثما يتم حل ازمة النظام السياسية. فرغم ما يعيشه لبنان اليوم من أزمات متعددة، وما يستلزمه ذلك من أكبر قدر من تعاون بين القوى السياسية المختلفة، تجد أن أكثرية هذه القوى ما زالت تتبع نفس السلوك في إهمال المصلحة العامة، مركزة على مصالحها الخاصة الضيقة.
حزب الله يشارك في الإصلاح الإقتصادي
منذ فترة ما قبل الانتخابات النيابية عام 2018، خصوصاً خلال الاحتفالات التي أقامها حزب الله، والتي شجع من خلالها بيئته الحاضنة على المشاركة الكثيفة في الانتخابات. كان للحزب الموقف الواضح والصريح والذي أعلنه السيد نصر الله، بأن الشأن الاقتصادي والاجتماعي بات أولوية للحزب، من خلال محاربة الفساد الذي احتل كل مفاصل ومؤسسات الدولة من جهة، والقيام بتقديم الاقتراحات والقوانين والانخراط في مؤسسات الدولة للمعالجة من داخلها من جهة أخرى. وقد هدد وقتها السيد بأنه في حال فشل هذه الجهود الإصلاحية من داخل أجهزة الدولة، قد يقوم الحزب بخطوات ذات طابع شعبي أو ذات بعد آخر.
وبناءً على هذا التوجه الواضح، كان تشجيعه لتشكيل الحكومة (حكومة سعد الحريري الأولى بعد الانتخابات)، كخطوة أساسية لبدء الإصلاح المنشود. ثم جاءت مرحلة الحراك، في تشرين الأول 2019، التي رأي فيها الحزب تعبيراً صادقاً لمطالب الشعب المحقة، داعياً لبقاء هذه الانتفاضة لتساعد في الضغط على الحكومة، للقيام بالإصلاحات اللازمة. وبالتزامن رفض الحزب أي محاولة لإسقاط المؤسسات الدستورية (الحكومة، المجلس النيابي، رئاسة الجمهورية) في الشارع، لأن كل القوى السياسية تتحمل المسؤولية في اجتراح الحلول الإصلاحية الإنقاذية. منبهاً المتظاهرين في الوقت عينه، من محاولات الولايات المتحدة الأمريكية للاستثمار في الانتفاضة وتحقيق مصالحها، عبر الزج بالجمعيات الأهلية التابعة لها للمشاركة، وانخراط شخصيات محسوبة عليها في صفوف المتظاهرين وإقامتهم لأنشطة لها أبعاد أخرى. وقد أثمر عن هذا الموقف إنجاز ورقة إصلاح اقتصادية، عدها الكثير من المفكرين الاقتصاديين خطوة مهمة في مسار الإنقاذ.
الدعوة للتوجه شرقاً
ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، دعا حزب الله الأطراف السياسية المختلفة إلى استغلال الفرصة، للتوجه شرقاً نحو الدول التي تستطيع مساعدة وإنقاذ لبنان، وعلى رأسها الصين والجمهورية الإسلامية الإيرانية. فهاتين الدولتين قادرتان على ذلك، إذا توافق جميع اللبنانيين على طلب المساعدة منهما، بعد أن أظهرت الدول الغربية أنها غير ذات جدوى في مساعدة اللبنانيين، وأن مؤتمرات دعمهم ما هي إلا ديون تزيد من الأعباء على كاهلهم. بينما في التوجه نحو الصين وإيران، هناك فرصة لحل أغلب وأهم المشاكل التي يعاني منها لبنان، على أكثر من صعيد:
_انتاج الطاقة الكهربائية: من خلال بناء معامل توليد طاقة متطورة، وبكلفة متدنية كثيراً عن كلفة الشركات الأوروبية والغربية. خصوصاً ان العجز المالي في موازنات الدولة، مصدره الأساس هو قطاع توليد الكهرباء، بحيث دفعت الدولة خلال 30 عام، أكثر من 30 مليار دولار ولم تستطع من حل مشكلة الكهرباء.
_ إنشاء أنفاق وسكك حديد تربط المناطق اللبنانية كافة، وتسهل عملية نقل البضائع التجارية وتنقلات الأفراد، مما يخفض من فاتورة استهلاك المحروقات، وينشط حركة التجارة، ويساعد في نمو الاقتصاد.
وقد أعلنت الصين رسمياً، عن استعدادها لتقديم هذا الدعم من خلال تنفيذ المشاريع وفق صيغة B.O.T (تنفيذ، تشغيل، نقل ملكية).
_ استيراد الأدوية والمشتقات النفطية من فيول ومحروقات من إيران، ودفع قيمتها بالليرة اللبنانية.
وقد أعلن السفير الإيراني مراراً عن استعداد بلاده، لتنفيذ هذه الصيغة بالإضافة لتقديم أي نوع من الدعم وفي مختلف المجالات. كما أفاد مصدر مطلع للخنادق بأن موقف إيران ثابت ومستمر، متى طلب اللبنانيون ذلك.
خيار الضرورة
بناءً على ما تقدم وبالإضافة إلى إعلان السيد نصر الله، عن التزام الحزب بدعم بيئته الشعبية واللبنانيين عموماً، بأي وسيلة وطريقة كانت، وتأكيده على أنه لن يتركهم يعانون من نقص في المواد الأساسية، بدأ بتنفيذ أولى خطواته العملية من خلال انشاء لجان التكافل المناطقية من جهة، وإطلاق مشروع بطاقة السجاد التموينية من جهة أخرى.
أما على صعيد المحروقات والأدوية، فإن الحزب قد يضطر قريباً، لكن مكرهاً بعد عجز الدولة او تكاسلها بتحمل مسؤولية ذلك أيضاً، عبر تأمين هاتين المادتين الحيويتين من إيران، بطلب مباشر منه دون انتظار الحكومة، بعد أن استنفذ كل الوسائل في حث السياسيين للمبادرة بذلك رسمياً. وللحزب القدرة الكافية على تنفيذ ذلك، فهو
أولاً يملك قراراً رسمياً من الإمام السيد علي الخامنئي للمؤسسات الإيرانية ذات الصلة، بتوفير كل ما يحتاجه اللبنانيون من دعم وفي كل المجالات.
وثانياً فإن لدى الحزب البنية التحتية لتنفيذ هذا المشروع، بواسطة مؤسساته وأي مؤسسة خاصة قد تطلب منه امدادها. أما طريقة التبادل والدفع النقدي، فيمكن أن تتم عبر اتباع آليات داخلية معينة تم إعدادها مسبقاً، بانتظار تحديد التوقيت المناسب للتنفيذ.
ثالثاً فإن كل المواطنين اللبنانيين مهما اختلف انتماؤهم، سيرحبون بهذه الخطوة الثورية ولو في قرارة أنفسهم، وربما بذلك يكون حزب الله قد مهد الأرضية لقيام الدولة بهذه الخطوة بنفسها مستقبلاً.
الخنادق