الجريح لا يستطيع الفتك دائماً
محمود مرداوي
يوسي ميلمان المحلل الأمني البارز يعتقد أن نتنياهو كالوحش الكاسر المصاب تُخشى ردة فعله النابعة من إحساسه بفقدان كل ما بناه على مستوى شخصي بعد تصريحاته المتعلقة بإيران.
ليس جديدا
نتنياهو منذ عقود وهو يضع الملف النووي الإيراني على سلم أولوياته ويصنفه الخطر الوجودي الوحيد على البيت الثالث حتى الآن ، وقد حاول مرارا وتكراراً توجيه ضربة جوية وصاروخية من الغواصات لعدة مفاعلات يعتبرها الأخطر والأكثر أهمية في المشروع النووي العسكري الإيراني .
وقد نُشر في 2009 و 2010 و 2011 محاولات متكررة لتوجيه ضربة للمفاعلات النووية حال دون تنفيذها وزير خارجيته اليوم جابي اشكنازي ، ومائير دجان رئيس الموساد الأسبق في حينه، ويوآڤ ديسكنت رئيس الشاباك .
هذا الملف عرض العلاقة الأمريكية الاسرائيلية في زمن أوباما لأسوأ حالاتها حتى جاء ترمب وعدل سياسة الولايات المتحدة بما يتوافق تماماً مع رؤية نتنياهو ، لكن باستبدال الضربة العسكرية بالهجمات السايبرية، وتكثيف الاغتيالات النوعية تشديد الخناق والحصار الاقتصادي والمالي والدبلوماسي على إيران، وعدد من الأجسام والأشخاص فيها.
هذا لا ينفي محاولات نتنياهو توظيف هذا الملف ومعالجاته في خدمة سياساته الداخلية من حيث التوقيت ومكان وطريقة التنفيذ.
ساعد نتنياهو في ذلك توافق المؤسسة العسكرية في مواجهة التموضع الإيراني وبناء بيئة عسكرية مناسبة لمواجهة الكيان من سوريا والجولان ، وكذلك توافق جهاز الموساد مع رؤية نتنياهو في مواجهة المشروع النووي داخل إيران من خلال الحد من مستوى التخصيب واغتيال العقول وتعطيل الكفاءات المادية والبشرية .
نتنياهو لم يتمكن من قصف المفاعلات لكنه غير السياسات وأقنع الولايات المتحدة بالانسحاب من الاتفاق النووي 5+1 وتنفيذ عمليات سايبرانية زرعت فايروسات عطلت عمل المفاعلات، وكذلك اغتال عدداً من أهم وأبرز العلماء الإيرانيين .
هذه السياسة وهذه الإنجازات تصطدم الآن بسياسة مختلفة في زمن بايدن، فهل تصريحات نتنياهو الأخيرة تعكس خطراً من سياسة الولايات المتحدة الجديدة؟ أم استغلال للتصدي لتشكيل حكومة من أحزاب المعارضة تطيح بحكمه ؟
أم هل العاملَين تقاطعا ؟
لا شك أن نتنياهو في مأزق يتعلق بمصيره ومستقبله ومستوى الثقة في نفسه في ظل غياب قادة بوزنه جعلته يرى في دولة الاحتلال ومؤسساتها أدوات بيده، إلى حد أن وجوده في الحكم أصبح جزءاً من قوة دولة الاحتلال ومستوى ردعها، إذ أنه ينسب كل التغيير الحاصل في مكانة الكيان في العالم العربي لصالحه بعد عمليات التطبيع ، ويرد كل الإنجازات الاستراتيجية المتعلقة بالقدس والجولان وتحجيم النفوذ الايراني في سوريا من وجهة نظره ومحاصرة السلطة وسحق مكانة القضية الفلسطينية على المستوى الإقليمي والدولي حتى الأسابيع الأخيرة إنجازات ما كانت لتحدث لولا جهوده ومكانته، فهل يذهب نتنياهو في مواجهة التحدي الداخلي إلى تفجير حرب إقليمية طاحنة مع إيران وأصدقائها؟
ربما يختلف المحللون على موقف نتنياهو ونواياه، لكن لا يختلفون على أن الجيش والمؤسسة العسكرية والأمنية التي حالت دون شن هجوم على المفاعلات النووية الإيرانية في 2009 و 2010 و 2011 قادرة على منع نتنياهو أو عدم السماح له باستخدام الجيش في معارك قد تبدو شخصية وإن تمت تحت عناوين استراتيجية في ملفات تتعلق بالأمن القومي الوجودي في إيران أو في غزة ولبنان .
علماً أن نوعية القادة للمؤسسات العسكرية والأمنية في الوقت الحاضر لا يحملون السمات ولا يتصفون بالصفات التي تمثلت بها قيادات الجيش والمؤسسة الأمنية في حينه، إلا أن الأمر ليس بالهين نظراً لوجود مؤسسة عسكرية وأمنية راسخة لن تُجر بهذا الشكل السافر إلا إذا كان لديها معلومات وأوصت
بإجراءات عاجلة وهذا لا يبدو منطقياً، فبالتالي من المستبعد أن يتمكن نتنياهو من تنفيذ تهديداته على الأقل في إيران والجبهة اللبنانية.
كما أن أن موقف جانتس المعارض للتفرد بأي سياسة لمواجهة المشروع النووي الإيراني مع الولايات المتحدة يظهر أن تصريح نتنياهو أثناء تنصيب رئيس الموساد الجديد برنيع لم يتم بالتنسيق والتوافق مع جانتس.
ومع ذلك قينبغي أخذ الحيطة والحذر الشديد في هذه الأيام التي تضع مكانة نتنياهو واليمين تحت الاختبار الوجودي في ظل التهديد القائم الذي يوشك على تشكيل حكومة من أحزاب المعارضة