مبادرة بري انتهت… والآتي اعظم !
جويل بو يونس-الديار
الحريري لن يتراجع… وباسيل لن يتنازل فمن يربح !
«المستقبل» لن يفعلها ببري : نستقيل اذا استقال «التيار» !
حفل الاثنين باجتماعات واتصالات استمر بعضها حتى ساعات الليل المتأخرة، وبدأ البعض يُشيّع اجواء ايجابية لدرجة ان المراقب والمتابع عن بُعد لحركة الاتصالات كاد لوهلة يُصدق بان الجهود ستفضي خلال ساعات الى حكومة مشكلة بعبارة : «قوموا لنهني»، لكن الراصد لكواليس تلك الاجتماعات يدرك تماما ان الجو الحكومي لم يكن ايجابيا، لا في عين التينة اولا، ولا في البياضة ثانيا، فرسا المشهد الاثنين على ضبابية نظرية وسوداوية عملية.
وتؤكد المعلومات ان لا تقدم او خرقا ملموسا خرج به يوم الاثنين يؤذن بفكفكة العقد لتولد الحكومة، وان المعنيين اعطوا انفسهم مهلة اسبوع لحسم الامور.
لكن مع «تعنت الرئيس المكلف» المصحوب بتصعيد باتجاه بعبدا من رؤساء الحكومات السابقين الذي قابله «تصلّب رئيس التيار الوطني الحر على ما يطرحه الحريري من تسمية وزراء ليختار رئيس الجمهورية بينها، باتت المعادلة الحكومية واضحة المعالم وصعبة المنال: «اما تفاهم بين سعد وجبران»، واما ازمة مفتوحة على خيارات احلاها مرّ، اذ بات كل من الحريري وباسيل يتربص للآخر، سعد ينتظر ماذا يمكن ان يفعل جبران، والاخير يترقب الخطوة التي قد يقدم عليها الحريري، وهكذا دواليك: «كل واحد ناطر التاني»، وكل طرف يهدد بالاستقالة، فيما الواقع ان احدا لا يتجرأ على ان يسبق الآخر اليها!
وفيما اكدت مصادر مطلعة على حركة الاتصالات، ان الحريري الذي تمسك امام رئيس مجلس النواب بحقه بتسمية وزراء مسيحيين ، رافضا الطرح القائم على توسيع مروحة من يقترح اسماء عدة كان تشمل رئيس الجمهورية والبطريرك الراعي والرئيس المكلف على ان يختار عون منها اسما والحريري آخر، وكذلك الطرح الذي قدّمه بري بان يستمر الحريري في طرح أسماء إلى أن يقتنع عون بواحد منها، والعكس أيضا، ومقدما طرحا بديلا يقضي بان يوسّع مروحة الاسماء، خصص الثلاثاء لاجتماع ترأسه ظهرا لكتلته.
في البيان الرسمي الذي خرج به الاجتماع، عموميات تفيد بان الحريري وضع الكتلة في أجواء الاتصالات الجارية بشأن تشكيل الحكومة، كما عرض أمامهم بالتفاصيل كافة التسهيلات التي قدمها طوال هذه الفترة من أجل تشكيل حكومة إنقاذ، ضمن إطار الدستور وشروط المبادرة الفرنسية. كذلك كان بحث في الأوضاع العامة وشؤون مناطقية.
هذا في البيان الرسمي، لكن ما لم يعلنه البيان الرسمي، كشفته مصادر مطلعة على جو الاجتماع، فاشارت الى ان اجتماع «كتلة المستقبل» طرح كل الخيارات التي يمكن ان يُقدم عليها الحريري بحيث استمع الاخير لرأي نواب الكتلة من الخيارات المطروحة: استمرار او اعتذار او اعتذار مع استقالة من مجلس النواب، وخلصت النقاشات بحسب المصادر الى قناعة لدى الحريري بوجوب عدم التراجع والاستمرار بالتمسك بصلاحياته الدستورية التي تتيح له تسمية الوزراء انطلاقا من انه رئيس مكلف، وهو سيعطي مجالا للمساعي التي يقودها رئيس مجلس النواب.
ما قاله الحريري على مسمع بري الاثنين جدده الثلاثاء امام نوابه الذين وضعهم بجو لقاء عين التينة، معلنا ان ما تم السماح به لرئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب لن يسمح بان يُمنع عن سعد الحريري سائلا : لم يحق لدياب ان يسمي دميانوس قطار وزيرا مسيحيا فيما امنع انا من ذلك، علما ان هناك 3 نواب مسيحيين ضمن كتلتي؟ كاشفا امام نوابه بحسب المصادر، انه ابلغ بري في لقاء عين التينة بانه هو من يقترح الاسماء ولن يقبل بان يأخذ رئيس الجمهورية هذه الصلاحية، كما انه «ولو شو ما بدو يصير» لن يقبل بان يسمّي عون، انما هو يسمّي وعون يوافق او لا.
المصادر المطلعة على جو اجتماع «كتلة المستقبل»، كشفت ايضا عن ان الحريري ماض بالتكليف لكنه يضع ايضا خيار الاعتذار على الطاولة وكذلك الاستقالة من مجلس النواب، لاسيما ان عددا لا بأس به من نواب الكتلة يشجع هكذا خطوة، الا ان هذا الخيار (الاعتذار) غير وارد بالنسبة له اقله بالمدى المنظور.
اما بالنسبة لخيار الاستقالة من مجلس النواب ، تقول المعلومات ان الحريري غير محبذ لهذه الخطوة، لان بري لا يحبذها وهو لا يريد «ان يُزعّل بري»، وبالتالي فهو ضد هذه الخطوة «مسايرة لبري» اولا، وتحاشيا لانتخابات مبكرة لا يزال التيار الازرق غير مستعد لها، وانطلاقا من هنا، فالمعادلة التي تمت مناقشتها في اجتماع «كتلة المستقبل» بالامس خلصت الى ان استقالة «الازرق» جاهزة وعلى الطاولة، لكنها لن تسبق استقالة «التيار الوطني الحر» اذ اجمع عدد كبير من نواب «الكتلة» على القول: «استقالتنا جاهزة ونقدمها ما ان يستقيل نواب التيار من المجلس»، وبهذه المعادلة يكون الحريري قد ضرب عصفورين بحجر واحد: لا يقدم على اعلان استقالة زرقاء قبل البترتقالية «لعيون الرئيس بري»، ويقدمها فورا عند استقالة التيار وعندها يكون قد خرج خاسرا، لكن رابحا سياسيا في العلاقة المتينة مع بري وشعبيا سنيا.
وعليه، تتوجه الانظار الى عين التينة والى ما يمكن ان يخرجه بري من «ارنب جديد» قد يكون يحتفظ به لرأب الصدع على خط «بيت الوسط»- بعبدا، اذ تعلّق مصادر مطلعة على جو «بيت الوسط» ردا على سؤال ماذا ينتظر الحريري بالقول: اعلان الرئيس بري نجاح او عدم نجاح مبادرته، مشددة على ان الحريري لن يحيد عن الثوابت المتمثلة بحكومة 24 بلا ثلث معطل لاحد مع الحفاظ على صلاحياته بتسمية كل الوزراء!
على نقطة واحدة اتفقت بعبدا مع «بيت الوسط» : انتظار مسعى بري، فكما في بيت الوسط، هكذا في بعبدا ، حيث يسود ترقب لما قد ينتج عن مساعي رئيس مجلس النواب، وهنا تفيد تؤكد مصادر مطلعة على جو بعبدا، بانها لم تتبلغ بعد اي شيء رسمي حول نتائج اجتماعات الاثنين، ولاسيما لقاء عين التينة، وبالتالي لا موعد لزيارة محددة لرئيس مجلس النواب او الرئيس المكلف الى القصر الجمهوري.
وفي هذا السياق، اكد مصدر في الثنائي الشيعي بان رئيس مجلس النواب مستمر بمسعاه وهو لن يزور بعبدا في حال لم يكن لديه جديد يمهد فيه لزيارة الرئيس المكلف للقصر الجمهوري.
اما مصادر عين التينة، فاكدت استمرار بري بمسعاه، وفيما لم يشهد الثلاثاء على اي اتصالات او اجتماعات اقله حتى ساعات بعد الظهر، فقد كثف بري اجتماعاته، مع معاونه السياسي النائب علي حسن خليل الذي نقل عنه ان «النقاشات تستكمل ليبنى بعدها على النتائج المرجوة».
تصميم بري على المضي بمسعاه اتى مدعوما من موقف الحريري بعد «كتلة المستقبل» الذي ترك الباب مفتوحا لامكان التوصّل لحل، ومن رئيس التيار جبران باسيل الذي قالها صراحة امس معلنا دعم مساعي رئيس مجلس النواب وحزب الله حتى النهاية وانه لن يترك اي حجة بعدم التشكيل من دون معالجتها واطفائها وقال: «لن نترك اي امر الا وسنقوم به لاننا نريد حكومة اليوم برئاسة الحريري، لكنه دعا في المقابل، وفي حال استمرت المماطلة رئيس الجمهورية للدعوة الى «طاولة مكاشفة حوارية» قبل اتخاذ خطوات ضاغطة والمقصود هنا الاستقالة من مجلس النواب، اذا تمنع المعنيون من المشاركة بطاولة الحوار، علما ان المعلومات تفيد بان باسيل اكد في لقاء البياضة انه لن يسمح للحريري بالا يسمّي رئيس الجمهورية وزيرا مسيحيا، وهو لن يبدّل موقفه، علما انه منفتح على اي صيغة متوازنة تضمن ألا ينال رئيس الجمهورية أي وزير محسوب عليه فوق عدد الثمانية وزراء، كما انه اكد انه لا يريد أن يسمي الرئيس عون الوزيرين المسيحيين شرط ألا يسميهما الحريري أيضاً.
وعليه ، فطرفا النزاع اكدا انهما «مع مسعى بري وحزب الله» اقله كلاميا ونظريا، لكن الواقع يشير الى ان الحكومة عمليا لا تزال ضمن معادلة «راوح مكانك» وهي زادت تعقيدا، وبات كل من الحريري وباسيل امام لعبة رأي عام، والرهان على من ينجح بان يقنع الراي العام قبل غيره بان «خصمه» هو من يعطل ويحيد نفسه عن التعطيل.
وبانتظار نتيجة لعبة الربح والخسارة السياسية في ميزان الرأي العام، تقول اوساط رفيعة: «على الارجح ان مبادرة بري انتهت، الا اذا أخرج استاذ البرلمان «ارنبا ما» في اللحظات الاخيرة، لتتابع: عمليا نحن اليوم امام المعادلة التالية: «حكومة ما في واعتذار ما في واستقالات صعبة تصير» والنتيجة: مزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي والصحي!