ما سرّ «التفاؤل» باحتمال نجاح مُبادرة بري الحكومية ؟
ابراهيم ناصر الدين- الديار
«الكرة» عند الحريري المهدّد بخسارة «الثنائي الشيعي»
الترقب سيد الموقف داخليا بانتظار ان يدير رئيس مجلس النواب نبيه بري محركاته باسلوب نوعي هذه المرة لمحاولة اخراج الملف الحكومي من «عنق الزجاجة» بعدما تلقى دعما علنيا واضحا من قبل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي وضع بعبدا وبيت الوسط امام حلين لا ثالث لهما، اما الجلوس والتفاهم معا على التسوية، او التعامل على نحو جاد «ومنطقي» ودون مراوغة مع مبادرة عين التينة التي لا تجترح اي صيغة «عجائبية» وانما تعيد تدوير الزوايا لتمرير حكومة من 24 وزيرا لا «ثلث معطل» فيها لاحد، مع مرونة في تسمية الوزراء المسيحيين، وهو حل سبق وتمّ تسويقه ولم يلاق اي «آذان صاغية»، لدى طرفي النزاع، وان كانت بعبدا قد اظهرت «ليونة» في الشكل دون ان يترجم ذلك اتفاقا مع الحريري الذي لا يزال «متهيبا» حتى الآن تحمّل مسؤولية تشكيل الحكومة دون دعم خارجي تتقدمه السعودية، وفي ظل «كرة نار» اقتصادية يخشى ان تحرقه قبل اشهر من الانتخابات النيابية، فما الجديد اذا الذي يدعو اوساط رئيس المجلس النيابي للترويج لاجواء تفاؤلية قد تفضي الى الحل المنشود؟
الرهان بحسب اوساط سياسية بارزة على «ضعف» مفترض لموقف الرئيس المكلف الذي يبدو وحيدا في معركته بعدما خسر عمليا الدعم الفرنسي، ولم يحظ بالرضى السعودي، بينما لا يرى وزنا للدور المصري، وتبين داخليا بعدما تخلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عنه، وفي ظل العلاقة شبه المقطوعة مع القوات اللبنانية، ان «الثنائي الشيعي» وحده لا يزال داعما له، فبري يرى فيه شريكا اصيلا، ولطالما شكل معه «ثنائيا» ناجحا بمقاييس «اللعبة» الداخلية على مدى سنوات تقاسم «الحصص» في ادارة الدولة، فيما يرى فيه حزب الله ضمانة جدية لحماية السلم الاهلي من خلال دوره في تبني استراتيجية «ربط النزاع» او «المساكنة» التي تريح الساحتين الشيعية والسنية.
هذا الحصار الذي يعاني منه الحريري في الداخل والخارج تبني عليه استراتيجية «الثنائي الشيعي» الكثير من الآمال لوضعه امام اختبار الجدية في تشكيل الحكومة، لان الانتظار لم يعد له اي قيمة فعلية، بعدما تبلغ الحريري من الفرنسيين والمصريين والاماراتيين رسميا، ان الرياض ليست في صدد تغيير موقفها منه «والغضب» عليه في المملكة كبير الى درجة لم تعط القيادة السعودية «لسعاة الخير» اي هامش معقول لمحاولة ترطيب الاجواء لاعادته الى «بيت الطاعة» بشروط قاسية، وكان الجواب دائما، الموضوع غير قابل للنقاش والبحث…!
وقد قدم بري هدية جدية للرئيس المكلف في جلسة قراءة «الرسالة الرئاسية» ومنحه الكثير من «النقاط» على حساب الرئاسة الاولى، وهو ينتظر منه «رد الجميل» من خلال الاقدام على تقديم مسودة جديدة «معقولة» الى رئيس الجمهورية كي «يبنى على الشيء مقتضاه»، وبعدها يمكن جوجلة الافكار بناء على تعهدات علنية للرئيس والنائب جبران باسيل بعدم رغبتهما بالحصول على «الثلث المعطل» في الحكومة الجديدة، وهو امر يراهن فيه بري على ضمانة حزب الله و«مونته» على حليفه في بعبدا، لكن «الكرة» الان في «ملعب» الحريري المطلوب منه العودة الى لبنان اولا، والاقدام على اعداد تشكيلة جديدة تتم من خلالها مراعاة الصيغة الجديدة في تسمية وزيرين مسيحيين لحقيبتي العدل والداخلية ولدى بري افكار واضحة في هذا السياق بحيث «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم».
ويستغل بري في هذا الاطار دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي رئيس الحكومة المكلف إلى تقديم تشكيلة حكومية جديدة، بعدما نقل عن بكركي «استياءها» من «السقف العالي» الذي تضمنته كلمة الحريري في البرلمان، وهذا ما يزيد الضغط ايضا على «بيت الوسط» الذي استظل في الفترة الماضية ببكركي لمواجهة اتهامات بعبدا للحريري بانه يتعدى على حقوق المسيحيين.
وكذلك ثمة تعويل من قبل «الوسطاء» على الاجراءات الحكومية الحالية حيال الازمة الاقتصادية الخانقة في البلاد لدفع الحريري الى التحرك جديا على خط تشكيل الحكومة العتيدة، فاقرار حكومة تصريف الاعمال، وتوقيع رئيس الجمهورية على احالة البطاقة التمويلية الى المجلس النيابي استباقا لرفع الدعم الذي بدأه مصرف لبنان عمليا، وبات امرا واقعا، يحرر الحريري من مسؤولية «كرة النار» التي كان يرغب في الهروب منها، وبات بامكانه اختصار مرحلة «المراوغة» المستمر منذ نحو سبعة اشهر والبدء في اعداد المشهد لعودته الى سدة المسؤولية بعدما باتت معظم القرارات غير الشعبية من مسؤولية غيره، ولهذا يربط البعض عودته الى السراي الكبير بمجرد الاعلان الرسمي من الحكومة عن رفع الدعم…؟
ووفقا، للمعلومات، نجحت الاتصالات الاولية في الحصول على تجاوب مبدئي من قبل الحريري لتقديم تشكيلة جديدة، لكنه لا يزال ينتظر ما اسمته اوساطه بضمانات جدية حول تخلي رئيس الجمهورية وفريقه السياسي عن المطالبة «بالثلث المعطل»، لان الكلام عبر الإعلام لم يعد كافيا، فالرئيس المكلف كان يصطدم دائما في «الغرف المغلقة» بتكرار السعي للسيطرة على الحكومة عبر «التذاكي» والالتفاف على التفاهمات السابقة. ومن هنا تتحرك وساطة بري عبر الاتكال على «النوايا الحسنة» العلنية حيث لا تزال امكانية التوصل الى تفاهمات معقولة بين بعبدا وبيت الوسط متاحة، طبعا اذا صفت «النوايا».
الان ثمة انتظار للتحرك القائم خلف «الكواليس»، ازمة الثقة بين الرئاسة الاولى والثانية لم تتبدد، لكن يمكن ركنها على «الرف» مرحليا برعاية الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي منح بري «شيكا على بياض» للتحرك، وهذا يمنح الرئيس عون ضمانة بعدم انحياز رئيس المجلس النيابي لمطالب الحريري، وبينما ينتظر بري الذي يتحضر لزيارة بعبدا، تطمينات عملية من الرئيس حيال الثلث المعطل بعدما حصل على «وعد» من النائب جبران باسيل خلال الخلوة في المجلس النيابي، بتجاوز هذه المسألة! ووفقا لاوساط مطلعة، الحريري مطالب بتقديم اداء جديد في الايام القليلة المقبلة لاثبات جديته في تجاوز «الفيتو» السعودي، والانتقال الى حوار داخلي لتشكيل الحكومة، والا فانه يخاطر بخسارة دعم «الثنائي الشيعي» اذا ثبت انه لا يزال يضيع الوقت لاسباب خارجية مرتبطة «بالسراب» السعودي» واسباب داخلية تتعلق برد فعل «الشارع السني» الذي لم يعد قادرا على «هضم» تنازلات جديدة من قبله امام خصمه «اللدود» وشريكه السابق جبران باسيل.
الجميع بانتظار نقلة الحريري على رقعة «الشطرنج»، فقد تكون للرجل حسابات اخرى تنسف كل اجواء التفاؤل، وذلك قبل الانتقال الى خطوات اخرى، ليس اقلها دعوة رئيس الجمهورية الى جلسة حوار وطني في بعبدا يكون فيها تأليف الحكومة موضوعاً وحيدا على جدول الاعمال، فيما التلويح باستقالة نواب تكتل» لبنان القوي» من مجلس النواب موجود على «الطاولة» على الرغم من تشكيك الكــثيرين في جديته. انها مرحلة اختبار «النوايا»، فاما نجاح فرصة تشكيل الحكومة، المشكوك في قدرتها على حل الازمة الاقتصادية، او الدخول في مرحلة مواجهة قاسية، وصعبة ستمتد الى نهاية العهد…؟