هل الحل بيد “الساسة” ام بعباءة “المجتمع المدني”؟!
المحامية ميرفت ملحم-لبنان24
لعل أخطر ما يمر به لبنان حاليا خارج اطار ازمته الاقتصادية والمالية والاجتماعية هو افراغ العمل السياسي من مضمونه القائم على تدبير شؤون المواطنين على اساس العدالة والمساواة وحل اي نزاع في ما بينها تحت سقف القانون والتخطيط الدائم والمستمر لمستقبل افضل للوطن والمواطن.
بات العمل السياسي اليوم بمجمله “معاب” ومكروه لا بل اكثر من ذلك فكل من يعمل فيه يوضع في موقع “المرتد”، وهذا الامر تُرجم بشكل واضح في ساحات ثورة 17 تشرين وما افرزه المجتمع المدني من نَفَسٍ وافكار تعكس انعدام ثقة تام وصريح بالمسؤولين السياسيين ايا وانّى كانوا باعتبارهم رأس الفساد والمسؤولين الاوائل عن ” خراب البصرة”.
ولكن وبعد مرور سنة وسبعة اشهر تقريباً من فقدان التوازن الداخلي بين القوى السياسية في ما بينها من جهة، وبين القوى السياسية ونخب ثورة 17 تشرين من جهة أخرى، دون احراز اي خرق ايجابي يدفع نحو عدل دفة الدولة لما يخدم الوطن والمواطن، يستنتج انه حتى الساعة لا يوجد بديل عن النخبة السياسية الحاكمة اليوم والتي اعتادت اصابعها لدغ نيران رمال لبنان المتحركة. وفي المقابل لم يستطع المجتمع المدني الاستفادة من انتفاضة الشارع والاتيان بمجموعة نخبوية موحدة ذات برنامج عمل ورؤية وطنية جامعة قادرة على انتاج دولة قوية وعادلة، بل بقي منقسما الى مجموعات وافراد نخبوية طموحة ذات مطالب مختلفة توزعت بين الطموح السياسي وبين عناوين تغييرية مختلفة، ابرزها اسقاط النظام والدعوة الى اقامة دولة ليبرالية علمانية وصولا الى الدعوة الى ارساء النظام الفدرالي بما يحقق الامن والامان لكل مجموعة طائفيية وفق توزيع ديمغرافي منسجم معها.
هذا الواقع لا شك شكل صدمة لدى الشعب اللبناني بأجمعه، فهو من جهة وضع عِنبه في سلّة طبقة سياسية “مفخوتة” ومن جهة اخرى وجد نفسه امام مطالب نخب ثورية تقوم على تعبئة “الماء” في السلة. هذا عدا عن تجارب الحكم في لبنان وما حملت من ظواهر في هذا المجال اثبتت ان ما من تكنوقراط يتنفس هواء اصطناعيا غير سياسي، وما من سياسي يقبل ان يتنفس غير هواه السياسي.
على كل ذلك، لا بد من القول ايضا ان ما من احد من الاطراف السياسية او تلك النخب المنبثقة عن المجتمع المدني تمتلك خاتم سليمان، باعتبار ان المعالجة سهلة وسريعة سيما في ظل حالة الهريان القوية التي يعاني منها البلد وتعذر الحلول الترقيعية عن الايفاء بالغرض ولو طُلبت بشكل مؤقت.
كما لا يمكن ايضا الاستمرار في انتهاج السلبية في التعاطي من قبل كل الاطراف العاملة على خط السياسة الداخلية للبلد، لان السلبية لا تولد الى السلبية، والعناد لا يولد الى مزيد من التباعد والانقسام والفوضى ومزيد من تفكك الدولة.من هنا لا بد من ايجاد مقاربة لايجاد حل سياسي للازمة السياسية اللبنانية يعمل على ترميم الثقة بين القوى السياسية والقاعدة الشعبية بكل مكوناتها وانتماءاتها واتجاهاتها انطلاقا من نقطة انطلاق واحدة متفق عليها عنوانها “لبنان الذي نريده للجميع” ، وفقا لما نص عليه الدستور ووثيقة الوفاق الوطني حيث تسقط حينها كل السقوف وتحترم القواعد ويعود للشراكة دورها في اغناء الوطن وازدهاه وليس العكس بافقاره وافقار وتهجير ابنائه.