لبنان في مدار الانتخابات: القوات تلاقي استقالة التيار
ملاك عقيل -أساس ميديا
لا تزال الانتخابات النيابية المبكّرة الخيار الأصعب والأكثر كلفةً على أجندة الفريق الرئاسي. وإذا كانت الساعات الماضية، التي أعقبت جلسة مناقشة رسالة رئيس الجمهورية، قد شهدت تحريكاً مقصوداً من جانب التيار الوطني الحر لهذا الخيار، الذي يرفضه التيار أساساً، فإنّ التلويح بفتح صناديق الاقتراع قبل أيّار 2022 يختلف كلّيّاً عن خوض “مغامرة” الانتخابات المبكّرة من دون جهوزيّة ولا “أسلحة” فعّالة.
وفق معلومات “أساس”، لم يُدرَس جدّيّاً بعد في بعبدا طرح الاستقالة في ظلّ “أمرٍ واقعٍ” يتشارك فيه التيار مع خصومه تيار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي والرئيس نبيه برّي و”حليفه” حزب الله. فلا تزال جميع هذه القوى تدفع باتجاه تشكيل حكومة، وتراهن على فكّ العِقَد الوزارية المانعة لصدور مراسيم حكومة الحريري.
وقد اختصر هذا التوجُّهَ الرئيسُ نبيه برّي، أمس، في كلمته التي تضمّنت بين سطورها رسائلَ استهدفت الفريق الرئاسي تحديداً، إذ اتّهمه بـ”تصنّع الأزمات عن قصد أو غير قصد”، معتبراً أنّ “الأزمة الحكومية داخلية شخصية”، في تعارض كامل مع منطق بعبدا التي رفّعت الأزمة إلى “مستوى ميثاقي وكياني”. وأكّد رئيس المجلس أنّ “المدخل الإلزامي للحلّ يكون بمبادرة المعنيّين من دون شروط مسبقة إلى إزالة العوائق الشخصية، التي تحول دون ولادة حكومة مؤلّفة من اختصاصيين غير حزبيين ومن دون أثلاث معطِّلة، وإلّا فإنّ عدم المبادرة الفورية لمعالجة الأزمة سيطيح بلبنان”.
وبدا هذا الموقف إشارةً سلبيةً من جانب برّي تجاه عون وباسيل اللذين يصرّ على اتّهامهما بالسعي إلى الحصول على الثلث المعطِّل على الرغم من نفيهما ذلك.
داخليّاً، يعاني التيار الوطني الحر معضلتيْن أساسيّتين:
– عدم موافقة جميع محازبي التيار وبعض ممّن يدور في فلكهم على كسر الجرّة والاستقالة من مجلس النواب. وتفيد المعلومات أنّ أقرب المقرّبين من رئيس الجمهورية في “تكتّل لبنان القوي” استفزّتهم إدارة جبران باسيل “السيّئة” للأزمة، واستطراداً “الغطاء الرئاسي” لهذه الإدارة. باختصار، يرى هؤلاء أنّ معركة الميثاقية، التي خاضها عون وباسيل، “لا تتوافق مع خطورة المرحلة، التي تتطلّب نقاشاً في أولويّات مغايِرة تتعدّى مرجعية التسميات وتوزيع الحقائب ورسم الأعمدة، لتتركّز على الخروج بحكومة إنقاذ انتقالية تقي اللبنانيين الارتطام القاتل، وتنقذ العهد من التهشيم ونحر نفسه”.
– حذر جبران باسيل شخصيّاً من هذا الخيار النيابي “الاستثنائي” بسبب الوهن الذي أصاب كتلته وأدّى إلى انسحاب عدد من أعضائها والتشقّقات داخل أهل البيت، وتفكّك تحالفاته، وأرقام استطلاعات الرأي غير المطمئنة. مع العلم أنّ ثمّة من “يزنّ” في إذن رئيس الجمهورية بأنّ “شعبيته طالعة كالصاروخ”.
وتجزم مصادر رئاسية لـ”أساس” أنّ “استقالة تكتّل لبنان القوي من مجلس النواب لا تزال فكرةً غير ناضجة، ولم تكتمل أسبابها الموجبة بعد، لأنّ الأولوية هي لتشكيل حكومة مع سعد الحريري أو مع غيره. وحين نصبح أمام واقع “تخاذل وطني” عن الدفع باتجاه تشكيل حكومة وفق المعايير الدستورية، تصبح الاستقالة أكثر واقعية لأنّ عون لن يسمح بانتهاء عهده من دون حكومة. في هذا الوقت نحن لا نزال ننتظر مبادرة من الحريري للتقدّم بتشكيلة تراعي المعايير المطلوبة في ضوء الموقف الصادر عن مجلس النواب والنداء الأخير لبكركي. والدعوة إلى حوار وطني هي أحد الخيارات المطروحة بقوّة”.
لكن كيف تلاقي القوات اللبنانية خيار استقالة نواب تكتل لبنان القوي في ظلّ ضغطها المزمن باتجاه الانتخابات المبكّرة التي، وللمفارقة السياسية، باتت تشكّل نقطة تلاقٍ بين معراب وجميل السيّد؟
توضح مصادر “القوات” لـ”أساس” أنّه “لا بدّ أوّلاً من وضع الأمور في نصابها. فباسيل أعلن موقفاً واضحاً من الانتخابات المبكّرة، التي تسهم برأيه في سحب التكليف من الحريري، لكنّها لن تغيّر في المعطى السياسي القائم، وقد تؤدّي إلى توتّرات أمنيّة. وثانياً أين مصلحة باسيل في الذهاب إلى انتخابات مبكّرة يعلم سلفاً أنّ الناس من خلالها ستحاسب الفريق السياسي، الذي أوصل لبنان إلى الانهيار، وهم في طليعته. وتُظهِر الإحصاءات تراجعَ حجم التيار، لذلك يبقى الأهمّ هو السؤال: هل خلافه مع الحريري حول تشكيل الحكومة كلفته أكبر من خسارته كتلة نيابية كانت الكبرى في مجلس النواب؟”.
وتؤكّد المصادر أنّ “هدف القوات وأولويّتها في هذه المرحلة هما إعادة إنتاج سلطة بدءاً من مجلس النواب، وصولاً إلى انتخاب رئيس جمهورية، ثمّ تشكيل حكومة. ولا نرى أنّ التغيير المنشود يتمّ من خلال تشكيل حكومة. هذا هو الواقع الذي دفعنا إلى رفض “الموقف” الذي صدر عن مجلس النواب، فيما أتى تصويت التيار ضدّه لأسباب أخرى لا نعرفها. ولم يكن أيّ تنسيق بيننا في هذا الشأن”.
مع ذلك، ستقود الواقعية السياسية “القوات” في حال استقال نواب التيار من مجلس النواب، إلى ملاقاته فوراً. وتقول المصادر: “راهنت القوات سابقاً على فريقين، هما المستقبل والاشتراكي، من أجل الاستقالة معاً من مجلس النواب. وهذا النداء وجّهته صراحة النائبة ستريدا جعجع من بكركي. لكنّ هذا لم يحصل لحسابات خاصة بهما. وطبعاً إذا استقال نواب التيار اليوم، سيتقدّم نواب القوات باستقالتهم فوراً، وهو ما سيعطي هذه الخطوة بُعْدها الميثاقي، فنذهب نحو واقع سياسي جديد يبدأ من الانتخابات المبكّرة”.