يوم غرقت حاملة الطائرات الأميركيّة في بحر غزة…
محمد صادق الحسيني-البناء
عندما اشتعلت انتفاضة القدس من باب العمود – باب دمشق دفاعاً عن سكان حي الشيخ جراح مع بداية شهر رمضان المبارك لم يكن ببال أحد من المحللين «الإسرائيليين» أو العرب بأنّ هذه المواجهة الشعبية العفوية في الظاهر يمكن أن تتبلوَر بشكل مواجهة عسكرية من العيار الثقيل بين المقاومة الفلسطينية المتحصنة بغزة هاشم فلسطين الممتدة من إيلات جنوباً الى جبل الجرمق شمالاً وبين بقايا مملكة «إسرائيل» التي فقدت ملوكها ورست القرعة في قيادتها على شرذمة سياسية – عسكرية تفتقر الى عنصري القيادة والسيطرة تصفها عليّة القوم في المجتمع الصهيوني المتصدّع بأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة كما وصفها آري شاويط…!
ما حصل مع دخول المقاومة الغزّية على خط الدفاع عن الأقصى ليس سوى تراكم قوة تاريخية وجغرافية لشعب فلسطين الذي ظلّ يخزّن غضبه وآلامه ومعاناته طوال 73 عاماً مما عُرف بالنكبة، لينفجر صواريخ من غزة وهبّة مقدسية نوعية وملحمة وطنية قلّ نظيرها على امتداد فلسطين التاريخية من بئر السبع الى حيفا ومن اللد والرملة الى جنين ونابلس…
سيف القدس الذي أشهره الغزيون دفاعاً عن المقدسات في الأقصى والأرض التي باركنا من حولها كان هذه المرة من نوع مختلف يحمل في بصماته ختم سليماني وإرادة ربانية تمكنت عملياً من قصم ظهر حاملة الطائرات الأميركية التي تسمّي نفسها «إسرائيل» وحوّلتها الى أشلاء متناثرة وأعادتها الى زمن عصابات الشتيرن والهاغانا…
وهكذا تحوّل الجيش الذي ظنّ يوماً أنه لن يُقهر الى عصابات منهكة ترتطم سفنها وزوارقها على اليابسة الفلسطينية وهي فاقدة أيّة روح قتالية عرفتها جيوش العالم!
ما كشف من طاقات كامنة وغضب مخزن لدى شعب فلسطين في بلدات فلسطين التاريخية منذ 48 وامتداداً على طول وعرض الضفة الغربية مروراً بمحافظة القدس القلب لكلّ ما ينبض من حياة في الأرض التي باركنا حولها إنما يشي كله بأنّ اللحظة التاريخية التي تمرّ بها المنطقة ليست سوى تعبير حيّ عن موازين قوى جديدة تشكلت خلال العقود الأربعة الماضية بعرق وجهد وعناء القادة الأفداذ من محور المقاومة مجتمعين، ليشكلوا اليد العليا في موازين الردع الجديدة..!
هذا التحوّل الكبير في البنية كما في الشكل والأسلوب القتالي والروحيّة لا يشبه في الواقع إلا الرعيل المؤسس لسادة المقاومة وقادتها الذين تمكنوا وفي طليعتهم شعب الجبارين الفلسطيني من جعل سفينة أميركا الإسرائيليّة أشبه بأسطول ضخم الجثة، لكنه فاقد للقدرة على المناورة او امتلاك زمام الأمر جسده الجاثم على امتداد اليابسة الفلسطينية منذ 73 عاماً فوق صدر الفلسطينيين يتقهقر نحو الساحل ليعوم على سواحل شرق البحر المتوسط فيما رأسه مهشم من شدّة الضربات وهو يغرق رويداً رويداً في بحر غزة ولا يستطيع، وقد لا يريد سيده في القريب من الزمان حمل أوزار أو ثقل إنقاذه ليتركه مفضلاً تركه في التيه من جديد كما فعل به أول مرة يوم لفظه خارج مركز الكابيتول الغربي…!
معركة سيف القدس مع غاصبي الأرض والحقوق هذه المرة لن تنتهي، كما انتهت سائر المعارك من قبل…
إنها لحظة إعادة تشكيل الوعي التاريخي بفلسطين وبالعروبة وبالإسلام، وانتقال مركز ثقل العالم في جغرافيا آخر الزمان من الغرب الى الشرق.
إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً.
بعدنا طيبين قولوا الله…