إسرائيل تريد صورة انتصار في مواجهة “حماس”، لكنها ستضطر إلى إبداء مرونة في قضية القدس
هآرتس”،
تسفي برئيل – محلل سياسي
قبل أقل من أسبوع وجهت “حماس” إنذاراً مستحيلاً إلى إسرائيل تطلب فيه إخراج قواتها من حرم المسجد الأقصى، وإطلاق سراح الأسرى، وإلّا ستقصف القدس بالصواريخ. هذا الهجوم الذي وصفه نتنياهو بـ”تخطي الخط الأحمر” قدم ذريعة لهجوم شديد على قطاع غزة لم تحدَّد أهدافه بصورة واضحة. إن أهدافاً مثل استعادة الردع أو توجيه ضربة موجعة إلى “حماس” لم تكن تحلم بها، رداً على إطلاق الصواريخ، لا تقدم نقطة خروج من المعركة.
ما هو عدد المنازل التي يجب على إسرائيل أن تدمرها؟ وما عدد المسؤولين الكبار في “حماس” الذين يجب أن تقتلهم كي تستطيع إسرائيل تقديم صورة انتصار؟ هذه الأرقام مرتبطة بصورة كاملة بتحديد إسرائيل لها. حتى الآن يبدو أن إسرائيل لم تجمع الحصة المطلوبة في نظرها من الدمار والقتل لإعلان الانتصار أو لـ “كيّ الوعي”. هذا هو السبب الذي من أجله تؤجل إسرائيل، بتهذيب وإصرار، اقتراحات الوساطة الآتية من مصر، ومن قطر، ومن الولايات المتحدة، ومن الاتحاد الأوروبي. على ما يبدو في إمكانها الاعتماد على الدعم الشامل الذي تحصل عليه من البيت الأبيض- الذي يؤيد حقها في الدفاع عن نفسها ويرى في ردها على إطلاق الصواريخ رداً مدروساً.
وعلى الرغم من إرسال موفد أميركي خاص، فإن الرئيس جو بايدن يُظهر قدراً من اللامبالاة حيال استمرار القتال. فهو لم يُدلِ بتصريحات حادة إزاء أي طرف، وكل ما أمكن الحصول عليه منه هو قوله إنه “يتوقع ويأمل انتهاء الموضوع في أقرب وقت من دون تأخير”. بايدن أيضاً منع اجتماعاً لمجلس الأمن في الأمم المتحدة بحجة أنه يمكن أن يضر بمساعي الوساطة- على الرغم من علمه بأن هذه المساعي لا يوجد لها عنوان حالياً.
الحديثان اللذان أجراهما بايدن مع نتنياهو لا يغيّران حقيقة أن الرئيس الأميركي يتردد في تغطيس قدميه في المياه الموحلة للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني عموماً، وفي المعركة الأخيرة خصوصاً، من بين أمور أُخرى كي لا يورط نفسه إزاء زبونه في القدس الذي يحرص على تذكيره بأن إسرائيل تستطيع أن تفعل ما تشاء للدفاع عن نفسها – سواء كان المقصود غزة أو إيران- حتى لو لم يعجب هذا واشنطن.
تكتفي الإدارة الأميركية في هذه المرحلة بمحادثات مع رؤساء الدول المعنية- إسرائيل، مصر، الأردن ، السعودية والإمارات من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار. في ضوء غياب سياسة أميركية فاعلة تفرض، أو على الأقل توجّه مساعي الوساطة، بقيت قناة التحاور على المستوى الإقليمي التي تتركز في الأساس على الاتصالات التي يجريها المبعوثون المصريون مع زعماء “حماس”، ومع نظرائهم في إسرائيل. تبلّغ القاهرة السعودية والإمارات بمستجدات مواقف إسرائيل و”حماس”.
مخطط التفاوض لا يختلف بصورة جوهرية عن ذلك الذي ميّز الاتصالات التي رافقت عمليات الجيش الإسرائيلي السابقة في غزة. وهو يتضمن المطالبة بوقف إطلاق النار والعودة إلى التفاهمات التي جرى التوصل إليها بعد المواجهات التي جرت على السياج الحدودي في سنة 2018. لكن هذه المرة قررت مصر عدم إغلاق معبر رفح ويبدو أنها ستواصل إبقاءه مفتوحاً ولا تنوي التهديد بإغلاقه. في الوقت عينه تواصل إسرائيل السماح بعبور الأموال الشهرية من قطر.
بالاستناد إلى مصادر في السلطة الفلسطينية وفي “حماس”، إصرار الحركة على مطلبها بإخراج قوات الجيش الإسرائيلي من الحرم القدسي – الطلب الذي يرمز، في نظرها، إلى سبب الهجوم وتنفيذه، يُعتبر هو الإنجاز المطلوب لتبرير عملياتها. الحرم القدسي هو القاسم المشترك الذي اعتمدت عليه “حماس” للحصول على دعم الجمهور العربي، بما فيه العرب في إسرائيل. التحدي الأساسي الذي يواجه الوسطاء المصريين الآن هو إقناع إسرائيل بالفصل بين العملية العسكرية في غزة وبين الحاجة إلى تهدئة التوتر في الحرم القدسي، أي تحييد العامل الذي يوحد بين الجمهور الإسلامي وبين المواجهة إزاء “حماس”.
في رأي المصريين، هذا الفصل ضروري ليس فقط لفصل المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار عن دوافعه الأيديولوجية، بل أيضاً لحرمان “حماس” من أن تكون المواجهات في القدس التي أشعلت القتال ملكاً لها. بيْد أن إسرائيل تعتبر هذا الفصل تحديداً تنازلاً لـ”حماس”، لأن أي انسحاب إسرائيلي من الحرم سيُعتبر من الآن انتصاراً للحركة. المَخرج المحتمل من هذه الحلقة المغلقة يكمن ربما في مفاوضات بين الأردن وإسرائيل، يجري فيها تحديد الترتيبات الأمنية في الحرم مع عمّان- من دون أن يبدو هذا خضوعاً لمطلب “حماس”.
ثمة صعوبة أُخرى تكمن في الضمانات التي ستطلبها إسرائيل من “حماس” من أجل فترة طويلة من الهدوء. الاتفاقات السابقة كلها اعتمدت على ضمانات وتعهدات مصرية بالمشاركة مع قطر كدولة تموّل الإدارة المدنية في القطاع. هذه الضمانات لم تصمد في اختبار الحرم القدسي ووضعت مصر في موقع ضعف لا تستطيع انطلاقاً منه إقناع إسرائيل بكبح عملياتها – وفي الوقت عينه لا تستطيع مصر انتقاد “حماس”، خوفاً من أن تصوَّر أنها لا تؤيد النضال الفلسطيني-الإسلامي في الدفاع عن المسجد الأقصى.
في الوقت نفسه ليس لإسرائيل شريك أفضل من مصر. أي مفاوضات لإنهاء الحرب تتطلب من إسرائيل مرونة في مواقفها إزاء القاهرة كي تستطيع هذه الأخيرة إنهاء المواجهة. مثل هذه المرونة ضروري لأن أي مخطط سيجري الاتفاق عليه سيعتمد على إدراك أن إسرائيل ليست قادرة، أو لا تريد إسقاط “حماس” بصفتها الطرف الذي يدير الحياة في القطاع.
هذا هو الموقف المركزي لسياسة إسرائيل في المناطق، الذي يقوم عليه الفصل بين الضفة الغربية وبين القدس وغزة، ويشكل جداراً واقياً ضد الضغط الدولي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ما دام هذا الفصل هو سياسة دولة إسرائيل، فهو سيواصل فرض الانحراف الذي يميز علاقتها بـ”حماس”.