رام الله | لم تستفق المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية من صدمة عملية شعفاط التي قُتلت فيها مجنّدة من جيش الاحتلال، ولا تزال سلطات العدو تُسخّر كلّ إمكاناتها العسكرية والاستخبارية والتكنولوجية لملاحقة منفّذها الذي انسحب من المكان بسلام، حتى تلقّت صفعة جديدة بمقتل جندي من لواء «جفعاتي» برصاص مقاومين فلسطينيين، يوم الثلاثاء، قرب نابلس. ولا تقلّ الدلالات التي تحملها عملية «شافي شمرون» أهمّية عن تلك التي انطوت عليها «شعفاط»، بل تُعدّ مؤشّراً إضافياً إلى تطوُّر عمل المقاومين في الضفة، واكتسابهم الجرأة والشجاعة لتنفيذ هجمات فدائية خارج الحيّز الجغرافي الذي يتحصّنون فيه، باتت تُوقع خسائر في صفوف الجنود، وتبثّ الرعب في نفوس المستوطنين. ولعلّ «شافي شمرون» أصابت الهدفَين كلَيهما بـ9 رصاصات وخمس ثوانٍ فقط، حيث استطاع المنفّذان قتْل أحد جنود «جفعاتي»، بإطلاق نار تزامَن مع انطلاق مسيرة كان ينظّمها المستوطنون في المكان، احتفالاً بما يسمّى «عيد العرش» اليهودي، ما تسبّب بحالة فزع في صفوفهم، دفعت قوات العدو إلى الزجّ بالمئات من عناصرها في المنطقة، ليتعرّضوا مرّة أخرى لإطلاق نار.
تركت عملية نابلس تأثيراً كبيراً في جيش الاحتلال والمستوطِنين وحتى قادتهم، إذ هاجم رئيس ما يسمّى «مجلس مستوطنات السامرة»، يوسي دجان، المؤسّستَين الأمنية والسياسية لتقاعسهما عن شنّ عدوان واسع في نابلس وجنين، قائلاً: «نسيج حياة مؤيّدي الإرهاب في نابلس يساوي أكثر من دماء مُواطني دولة إسرائيل»، بينما قال رئيس حكومة العدو، يائير لابيد: «يوم العيد تحوَّل إلى يوم حزين ومؤلم، لقد تلقّيتُ بحزن وألم نبأ مقتل الرقيب أول في جفعاتي، عيدو باروخ». وكان لافتاً في العملية، وقبْلها في «شعفاط»، وفق التسجيلات المصوَّرة المتداولة لهما، عدم قيام جنود الاحتلال بإطلاق الرصاص على المنفّذين، وهذا ما جعلهم محطّ انتقاد قاس من قِبَل محلّلين عسكريين وصحافيين وحتى سياسيين، فيما حاول جيش العدو التخفيف من وقْع الحادثة بالقول إنه «منذ عام 2015، وبعد نشْر كاميرات المراقبة في كلّ مكان، ظهرت الكثير من حالات إطلاق النار أو الدهس، والتي كان الجنود في بعضها يختارون عدم الاشتباك مع المنفّذين، والاختباء خلف ساتر. ما حدث في عملية شعفاط وعملية مستوطنة شافي شمرون ليس بالأمر الجديد». ومع ذلك، قرّر الجيش الإسرائيلي فتْح تحقيق في واقعة الإحجام عن إطلاق النار.

وبينما أثارت «شافي شمرون»، وقبْلها «شعفاط»، وعمليات أخرى، تساؤلات كثيرة حول حالة الذعر والارتباك التي تصيب الجنود الإسرائيليين في خلالها، فهي أثبتت جرأة المقاومين الفلسطينيين، وقدرتهم على مهاجمة الأهداف العسكرية والحواجز المدجَّجة بالجنود، ومباغتة هؤلاء، وإيقاع الخسائر في صفوفهم، ثمّ الانسحاب بسلام. كذلك، أنبأت الهجمات الأخيرة بأن ثمّة تطوُّراً في الأساليب، وتخطيطاً مسبقاً للعمليات لناحية دراسة الموقع المستهدَف، خصوصاً في تلك التي تُوقع إصابات في صفوف المستوطنين والجنود، ما يشي بأن المقاومين ربّما باتوا يعملون وفق خطط واضحة ومدروسة وبناءً على خبرة كبيرة. ويدلّل على ما تَقدّم، أن استهداف الجنود قرب نابلس كان أثناء نزولهم من الدورية العسكرية لعرقلة حركة المركبات والمواطنين، وأن إطلاق النار عليهم استغرق فترة زمنية قصيرة للغاية. والحال نفسه ينسحب على «شعفاط» التي اختار مُنفّذها التوقيت المناسب، وهو تبديل «شفتات» الجنود على الحاجز، والذي يصاحبه عادةً اكتظاظ وفوضى، الأمر الذي يخبر بأن المنفّذ قام برصد الحركة مسبقاً على الحاجز، وعرف موعد وقوع التبديل.
ومن المتوقّع أن تؤدّي عملية «شافي شمرون» إلى مزيد من الاشتعال في الأوضاع الأمنية في الضفة، وتحديداً في شمالها، في الأيام المقبلة، ليس لأنها رفعت عدد قتلى جيش العدو منذ بداية الشهر إلى 4 جنود، فحسب، بل لأنها أيضاً تأتي تتويجاً لعمل مقاوم متصاعد، تُرجم أوّل من أمس بعدّة عمليات استهدفت صباحاً حافلة للمستوطنين قرب بلدة يعبد في محافظة جنين، وكذلك حافلة للمستوطنين بمحاذاة مستوطنة «كدوميم»، وعملية إطلاق نار على مركبة مستوطنين قرب بيتا، إلى جانب العديد من الهجمات في كلّ الضفة، والتي تنوّعت ما بين إطلاق نار ومواجهات بالزجاجات الحارقة والحجارة. ومع فرْض قوات الاحتلال حصاراً مطبقاً على مدينة نابلس، وشنّ المستوطِنين ليل الثلاثاء – الأربعاء هجمات على ممتلكات المواطنين، يستعدّ الفلسطينيون لمزيد من التصعيد، خصوصاً على ضوء تبنّي مجموعات «عرين الأسود» هجوم «شافي شمرون»، واعتبارها إيّاها «ردّاً على العدوان الإسرائيلي في القدس والمسجد الأقصى».

ومثّلت عملية «شافي شمرون» باكورة «أيام الغضب»، وهي سلسلة عمليات تعهّدت «العرين» بتنفيذها، متعهّدة بحصار المستوطِنين وملاحقتهم، لتُنفّذ إثر ذلك 4 عمليات إطلاق نار في ساعات قليلة فقط، وتدعو جميع مقاتلي الفصائل إلى الاستنفار، والمواطنين إلى اليقظة والانتباه، خاصة مع اقتراب المعركة، قائلةً: «لكم منّا صدق الوعد، ولكن نقول للمواطنين الكرام احموا ظُهورنا والتزموا بتعليمات العرين، مُخيَّرين غير مُجبَرين»، لافتةً إلى أن «مُقاتليها نفّذوا الثلاثاء فقط 5 عمليات إطلاق نار استهدفت الجنود والمستوطنين». وإذ أكدت سقوط قتلى وجرحى في صفوف العدو، فهي تعهّدت بمزيد من المفاجآت خلال الساعات المقبلة. ومن شأن تلك التطوّرات أن تولّد مزيداً من الضغوط على قادة العدو، وأن تدْفع جيش الاحتلال إلى شنّ عمليات انتقامية وعدوانية ضدّ الفلسطينيين على ضوء الانتقادات المُوجَّهة إليه من المستوطنين واليمين المتطرّف، على خلفيّة عجزه عن القبض على مُنفّذي العمليات، وإيقاف مسلسل الهجمات المتنقّل.

ويرتئي الخبير العسكري المتقاعد، يوسف الشرقاوي، تسمية ما تشهده الضفة بـ«حالة تحدّي» عامّة، تُشبه إلى حدّ كبير عمليات التحدّي التي شهدها لبنان عقب اجتياح 1982، أو تلك التي سُجّلت في العراق بعد احتلاله. ويبيّن الشرقاوي أن هذه الحالة تستثمر في نجاح المقاومة وانتصارها، وهي تمهّد لتشكُّل المقاومة العامة المنظّمة، التي تحتاج إلى «حاضنة ليست متوفّرة حالياً في الضفة، نظراً إلى واقعها الأمني المركّب والمعقّد، والذي يخضع لسيطرة إسرائيل الأمنية بالكامل، مدعوماً بتنسيقها الأمني مع السلطة». ويلفت الشرقاوي، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «هدف وفلسفة التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة، هو تحطيم الحاضنة الشعبية وانتزاع إرادة الشعب، ولذلك فإن عمليات المقاومين يمكن تسميتها بعمليات التحدّي نظراً إلى الجرأة التي تمتاز بها، والنمط المتقدّم الذي تتّبعه، والشجاعة الفائقة التي يبديها المنفّذون فيها، وما جرى في تل أبيب وأخيراً في شعفاط وشافي شمرون، يَجمع بين صفات الجرأة والشجاعة وكسر النظرية الإسرائيلية القائمة على قوّة النار في إرهاب كلّ من يفكر في مقاومة أو خدش جيش الاحتلال». ويشير إلى أن «الهجمات التي تنفَّذ يقلّد فيها المقاومون بعضهم بعضاً ويزدادون جرأة، وهي باتت تنتشر وتحدث بشكل يومي، بينما يعيش الاحتلال صدمة كبيرة، وهو لم يقدّر الموقف على حقيقته على الأرض، فيما السلطة الفلسطينية ليست معنيّة بأيّ شكل من أشكال المقاومة أو المواجهة».


«شافي شمرون»: مستوطنة المتطرّفين
تحتلّ مستوطنة «شافي شمرون» أكثر من 400 دونم من أراضي قُرى دير شرف وسبسطية والناقورة، والتي بدأ نهبها عام 1971، وتفاقَم في عام 2000، لتتمّ مصادرة أكثر من 200 دونم وضمّها لتوسيع المستوطنة، التي كانت قبل إنشائها معسكراً للجيش الأردني، قبل أن يُخليها الأخير، ويتّخذ منها الإسرائيليون بؤرة استيطانية عسكرية. ويقيم في المستوطنة نحو ألف و200 مستوطِن، معظمهم من المتطرّفين المتديّنين، وأعضاء «الكنيست»، ومن حركة «جوشنئيم»، وأغلبهم لا يعملون، فيما شغلهم الأساسي الاعتداء على الفلسطينيين.