المعركة مع “حماس” لم نكن مستعدين لها
معاريف
ليراز مرغليت – باحثة في معهد هرتسليا المتعدد المجالات
إذا كان هناك كلمة واحدة تصف شعورنا في الأيام الأخيرة فهي كلمة “مفاجأة”. المعركة التي تدور في هذه الأيام لم نكن مستعدين لها، وقد جرت في أحرج الأوقات بالنسبة إلينا. تحديداً بعد أن بدأنا بالعودة إلى الحياة واستعادة العافية والروتين الذي افتقدناه طوال السنة الماضية – فإذ بنا نتلقى جرساً يوقظنا على الواقع الذي نجحنا في نسيانه.
منذ مساء يوم الاثنين لم تتوقف “حماس” عن مفاجأتنا. إطلاق صواريخ بكثافة على غوش دان، ومباشرة بعد ذلك إطلاق صواريخ على القدس. هذا دليل على اللامبالاة التي كنا نعيش فيها، بينما بنت “حماس” والجهاد الإسلامي خلال الأعوام السبعة الماضية، منذ عملية الجرف الصامد، قوة عسكرية قادرة على ضرب قلب إسرائيل. قلبها الحسّاس القدس، وعاصمتها وقلبها الاجتماعي والمالي الذي لا يتزعزع تل أبيب.
أحد الأسئلة التي طُرحت هذا الأسبوع كيف استطاعت “حماس” أخذنا على حين غرة من دون أن نكون مستعدين. وكيف لم يعلم الجيش الإسرائيلي بالقدرة التي طورتها “حماس” في الأعوام الأخيرة. لكن ليست المعطيات الاستخباراتية الجافة هي التي يجب أن تقلقنا. المشكة الأهم هي القدرة على استخلاص الخلاصات من المعطيات. من المحتمل أن يأتي أحد ما في الجيش، أو في شعبة الاستخبارات، أو في الشاباك، ويدّعي أنهم كانوا على علم بتعاظُم قوة “حماس”. لكن تُقاس ميزة الاستخبارات من خلال قدرتها على استخلاص تنبؤات من المعطيات النفسية والشخصية تسمح لنا بمعرفة كيفية تصرُّف خصومنا في الأوضاع المختلفة.
هذه كانت مشكلة التقدير في حرب يوم الغفران وهذه هي المشكلة اليوم. في يوم الغفران اعتقد الجيش الإسرائيلي أن مصر لن تشن حرباً لأن ليس لديها قدرات عسكرية. الاستخبارات لم تقدّر قوة الإرادة والحافز لدى أنور السادات وشعوره بالهزيمة. لقد قام الجيش بتحليل عقلاني للغاية على الرغم من أننا نعرف أن 80% من قراراتنا يعتمد على المشاعر. هذه المرة أيضاً وفي المعركة الحالية يبدو أن الجيش قدّر أنه على الرغم من تعاظُم قوة “حماس” في غزة إلّا إن الردع لا يزال قائماً، وكان هذا خطأً جسيماً في التقدير. ليس فقط “حماس” لم ترتدع، بل استطاعت أن ترسّخ صدقيتها بصورة لم تصل إليها قبل اليوم. منذ بداية العملية كل تهديد من “حماس” تحقق بالكامل.
على ما يبدو تحرك الجيش وفق النظرية التي تقول أنه كلما تحسّن وضع سكان غزة وخفّت ضائقتهم الاقتصادية والصحية، كلما كانت “حماس” أكثر استعداداً للموافقة على تسوية وتهدئة بعيدة الأجل مع إسرائيل. إسرائيل من جهتها معنية بالحفاظ على “حماس” بصفتها الحاكم في غزة، وبذلك نصل إلى وضعٍ الكلّ يخرج منه رابحاً. إسرائيل قدّرت أن التخوف الأكبر بالنسبة إلى “حماس” هو خسارة سيطرتها على القطاع، ووفقاً لهذا المنطق، هناك مصلحة واضحة لـ”حماس” في التخفيف عن كاهل السكان والحفاظ على السلطة.
لكن المنطق في مكان والواقع في مكان آخر، وفي الأسبوع الماضي انهار المنطق تماماً. لقد بدا أن لدى “حماس” دوافع أُخرى تدفعها إلى التحرك لم تأخذها إسرائيل في الحسبان.
الخطأ الثاني لإسرائيل هو أنها متأخرة أيضاً في الحرب على الوعي. في كل معركة هناك لعبة مزدوجة. هناك ما يجري على الأرض، وهناك ما يجري تسويقه للجمهور. لسبب ما إسرائيل تتأخر في الرسائل التي ترسلها. الرسائل تؤثر كثيراً في صوغ المقاربات والمواقف فيما يتعلق بالمعركة الحالية. وزارة الدفاع الأميركية تعرّف الحرب النفسية بأنها “استخدام مخطَّط له للدعاية وعمليات نفسية أُخرى هدفها الأساسي التأثير في آراء ومشاعر ومواقف وسلوكيات العدو بطريقة تساعد على تحقيق الهدف الوطني.”
المهم في صورة النصر ليس نتائج المعركة فعلياً بل المشاعر والإدراك الذي يتبلور طوال العملية. صحيح أن الكلمة الأخيرة مهمة في هذه الحالات، لكن صورة النصر من المهم أن نبنيها طوال المعركة. إن دماغنا مصنوع بطريقة أن الأحداث العاطفية تؤثر فيه أكثر بكثير من المعلومات الموضوعية، لذلك لا أهمية للنتائج الموضوعية في معركة من هذا النوع ما لم تتم الاستفادة منها في الوقت الفعلي لضرب معنويات الخصم ورفع معنوياتنا. الطريقة الصحيحة لذلك أن نبث مشاهد عن الوضع في غزة، والضغط على “حماس” لوقف العملية، والتقليل من التغطية الكثيفة لما يجري في تل أبيب.