الدكتور بهيج سكاكيني
قصف المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة من قبل المقاومة في غزة له دلالات ومعاني كبيرة. فهو من ناحية يريد ان يثبت المعادلة التي فرضتها المقاومة في غزة أنها الحامية والمدافعة عن الشعب الفلسطيني في جميع انحاء فلسطين التاريخية وبالتالي بما في ذلك التاكيد على الوحدة الجغرافية والمصير المشترك لهذا الشعب التي فشلت كل الاجتماعات وعلى مدى سنوات بين حماس وفتح على وجه التحديد لتحقيقه لاسباب لا نريد الخوض فيها هنا.
ويأتي هذا القصف الذي شمل مستوطنات في منطقة الوسط والشمال والجنوب ( رام الله وقلقيلة ونابلس والخليل) لتؤكد ان الشرعية لا تكتسب بالجلوس على الكراسي في المكاتب في رام الله وإطلاق التصريحات والكلام الساخن للاستهلاك المحلي أو حتى بصناديق الاقتراع التي الغيت بالغاء الانتخابات من قبل السلطة وإنما بالعمل المقاوم على الارض للمحتل والمستعمر. ويكفي ان نشير هنا الى ان المنتفضين في القدس كانوا يطلقون ويوجهون صيحات طلب النجدة ليس من هرم “السلطة الفلسطينية” في رام الله او أي رمز من رموزها بل من محمد ضيف رئيس اركان القسام الجناح العسكري لحماس وأبو عبيدة وغزة المقاومة.
وهذا العمل المقاوم للمحتل والمستعمر يأتي أيضا لرفد ودعم المقاومة الشعبية في الضفة الغربية المحتلة وتأكيد على ضرورة التزاوج والتلاحم العضوي بين المقاومة الشعبية واالمسلحة. ولقد شاهدنا حالة الاستنهاض التي شهدتها كل مدن وقرى الضفة الغربية المحتلة والاشتباكات على نقاط التماس مع قوات الاحتلال الصهيوني. ليس هذا وفقط بل شهدنا أيضا بروز خلايا مسلحة في العديد من المناطق وفي الشوارع وعمليات عمت مناطق كثيرة في الضفة شملت إطلاق نار في اتجاه المستوطنات ونقاط التفتيش والحواجز المنتشرة على طرقات الضفة الغربية. وربما كان آخرها بالقرب من مخيم قلنديا الذي كان من نتيجته هروب جنود الاحتلال من الحاجز لكثافة النيران التي تعرضوا لها من جانب المقاومين المسلحين من الفلسطينيين. هذه الصدامات المسلحة من شأنها أن تزداد وتتسع رقعة العمليات ضد المحتل والمستعمر.
وهذه العمليات سواء قصف المستوطنات او المقاومة الشعبية أو العمليات العسكرية وانتشارها في الضفة الغربية من شأنها ان تزيد من حالة الارتباك الحاصل في المؤسسة العسكرية والسياسية داخل الكيان المحتل وتفاقم أزمته وفقدان السيطرة عما يحصل على الثلاث جبهات في فلسطين التاريخية في غزة والضفة الغربية والداخل الفلسطيني 48 شيئا لم يكن في حسبان هذا الكيان الغاصب على الاطلاق الذي تفاجئت أجهزة استخباراته بتزامن هذه الاحداث وإتساع رقعتها وشدتها.
وأخيرا وليس آخرا أن تصاعد وتيرة العمل الشعبي المقاوم الى جانب العمل المسلح في الضفة الغربية وقصف المستوطنات سيضع أجهزة وقوات الامن الفلسطينية على المحك وعليها ان تختار إحدى الخيارين لا ثالث لهما إما الإنضمام الى شعبها ومقاومته أو البقاء للسهر على “أمن” المحتل والمستعمر وقمع المظاهرت أو الحد منها تحت ذرائع واهية وملاحقة المقاومين ومساعدة اجهزة امن الاحتلال والموساد في جمع المعلومات عن منفذي العمليات والقيام بإعتقالهم كما ثبت في العديد من الحالات. نحن لا نذكر السلطة هنا لان السلطة قد حسمت خيارها وما زالت متمسكة به وهو خيار أوسلو سيء الصيت وهي ما زالت ترى ان ما تقوم به المقاومة سواء الشعبية منها او المسلحة هو عنف وأعمال إرهابية وأن تشدق بعض جهابذتها بغير ذلك للاستهلاك المحلي ومحاولة لركوب الموجة وتدعوا كما طلب منها الى التهدئة ولكنها عاجزة تماما لانها فقدت السيطرة على الاوضاع ولا “تمون” على احد.
إن شعبنا قد حسم خياره وهو بلالتفاف حول المقاومة كطريق وحيد من أجل التحرير والتخلص من الاحتلال من خلال إجباره على دفع ثمن إحتلاله إقتصاديا وعسكريا وبشريا وسياسيا وأخلاقيا وإنسانيا. فالاحتلال لن يرحل الا إذا شعر ان ثمن إحتلاله أصبح فاتورة باهظة لا يستطيع تحملها.
كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني
زر الذهاب إلى الأعلى