رامي الشاعر
نشرت صحيفة “زافترا” مقالة بعنوان “لماذا موسكو معنية أمنيا بالتطورات في إسرائيل وغزة؟” حول تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بخصوص التصعيد الإسرائيلي الفلسطيني.
وجاء في المقال: في مستهل اجتماع للأعضاء الدائمين لمجلس الأمن الروسي صرح الرئيس، فلاديمير بوتين، بأن تصعيد النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يجري على مقربة من الحدود الروسية، ويخص مصالحها الأمنية بشكل مباشر.
ودعا الرئيس الروسي زملائه في المجلس إلى طرح مواقفهم إزاء مستجدات الوضع في الشرق الأوسط. كذلك كان بوتين قد تبادل مع الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أثناء لقاء لهما، يوم أول أمس الخميس بتقنية الفيديو، الآراء حول عدد من ملفات الشرق الأوسط الملحة، وعلى رأسها بطبيعة الحال التصعيد الإسرائيلي الفلسطيني الراهن. وأعلنت الرئاسة الروسية أن بوتين وغوتيريش أكدا أن الأولوية القصوى تكمن حالياً في وقف أعمال العنف من قبل كلا طرفي النزاع، وضمان أمن السكان المدنيين.
لقد سعت روسيا خلال السنوات العشر الأخيرة إلى بذل أقصى الجهود الدبلوماسية المكثّفة لإطفاء نيران التوتّر، وحصر بؤر زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، سواء كان ذلك في سوريا أو اليمن أو العراق أو فلسطين أو ما يخص الملف النووي الإيراني. ويعود ذلك لسبب بسيط هو أن تلك البؤر حال انفجارها سوف تكون بمثابة براكين هائلة قد تحرق الأخضر واليابس في المنطقة، وتجرّ الشرق الأوسط بأكمله إلى أتون صراعات ومعارك طائفية وعرقية، وتتحول المنطقة لتربة خصبة للإرهاب الدولي العابر للقارات، وتصبح المنطقة مركزاً للإرهاب والتطرف بالقرب من الحدود الجنوبية لروسيا، وقد يدفع ذلك الوضع بعض الدول لطلب المعونة من الكفيل الأمريكي، وبالتالي توسيع وتعزيز القواعد العسكرية الأمريكية وقواعد الناتو على الحدود الجنوبية الروسية، وهو ما يشكل مصدر تهديد مباشر للأمن القومي الروسي.
أما القضية الفلسطينية، فهي المعادلة الجوهرية والأكثر أهمية في المنطقة، وبركانها هو الأكبر بكل المقاييس، والدليل الدامغ على ذلك ما نشاهده من احتقان هائل نظراً للأبعاد الدينية للقضية، فيما يتعلق بقيمة القدس للعالمين الإسلامي والمسيحي، وأيضاً للأبعاد التاريخية للصراع العربي الإسرائيلي، المرتبطة بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، والمعاناة التي يعيشها نتيجة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وسياسات الولايات المتحدة الأمريكية المخزية لدعم المخططات الإسرائيلية الصهيونية الاستيطانية التوسعية، وإعاقة تنفيذ قرارات هيئة الأمم المتحدة والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو/حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
كذلك فإن القيادة الروسية تدرك أن هذا الاحتقان إنما منشأه الظلم وغياب العدالة وظروف الاضطهاد العرقي التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، وسياسة التوسع الاستيطانية. وقد أثبتت أحداث الأيام الأخيرة أن كل ما يخص القدس الشرقية، والمقدسات الدينية هو خط أحمر لا يجوز تجاوزه بأي شكل من الأشكال. وقد عبّرت القيادة الروسية عن تضامنها مع سكان القدس الشرقية ودفاعهم عن مقدساتهم الدينية وكل شبر من أراضي القدس الشرقية، ودائماً ما أعربت عن قلقها من أن التوجهات الاستيطانية الإسرائيلية، وسياسات الكيل بمكيالين ستفجر الشرق الأوسط عن بكرة أبيه، وستكون النتيجة مد إسلامي مسيحي تضامني في جميع أنحاء العالم.
ما نراه الآن من أحداث تتصاعد كل ساعة لا كل يوم، يمكن بكل سهولة أن يقضي على جميع الجهود الدولية التي بُذلت لسنوات طويلة من أجل التوصل إلى حل عادل للصراع العربي الإسرائيلي، والتي بدونها يستحيل التوصل إلى الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط والعالم.
من بين مقولات رئيس الوزراء الأسبق الراحل، يفغيني بريماكوف، أنه من الوارد أن يكون التاريخ مجالاً للخلاف. لنفترض ذلك، ولنبدأ من تاريخ قرار التقسيم مع نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي ينص على قيام دولتين في فلسطين، عربية ويهودية، تم تحديد حدودها بما في ذلك حدود القدس الشرقية التابعة لدولة فلسطين.
يعني ذلك أن كل القوانين الدولية لا تعطي أي مسوغ قانوني لما تمارسه إسرائيل من سياسة التوسع الاستيطانية، إنها عربدة وبلطجة دولية تضرب بعرض الحائط جميع القوانين والمواثيق الدولية، ولا تعير لأي من دول العالم، أياً كان موقعها ووزنها، أي اهتمام أو احترام. وكل الادعاءات بأن أراضٍ في أحياء القدس الشرقية تعود ملكيتها لعام 1870 لليهود هو محض افتراء وهراء لا قيمة له. بالمقابل فلو طالب الفلسطينيون بأملاكهم قبل تقسيم عام 1948، لن يتبقى لإسرائيل في يافا وحيفا وعكا والقدس الغربية وغيرها من المدن الفلسطينية أي أراضٍ تذكر، وتلك أملاك مثبتة لا تعود إلى القرن التاسع عشر كما يدّعون، بل إلى مطلع القرن العشرين، وبأوراق ملكية رسمية موجودة عند أصحابها وعند السلطات الإسرائيلية.
ما فعلته “الدولة الديمقراطية” إسرائيل، هو استصدار قانون يسقط ملكية الفلسطينيين، ممن غادروا الأراضي الفلسطينية عام 1947، لأراضيهم خلال 50 عاماً من مغادرتهم. فما بالك بمن يدعون بملكية أراضٍ تعود لـ 1870؟ أي عقل وأي منطق هذا؟
تطالب “واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط” بإخراج السكان الأصليين من أحياء ومناطق سكنية بالقرب من الأقصى، كانت المملكة الأردنية الهاشمية قد بنتها كمجمعات سكنية لإسكان الفلسطينيين الذين أجبروا على مغادرة بيوتهم عام 1947. الآن تدعي إسرائيل، في تزوير فاضح لحقائق التاريخ، ملكية هذه الأراضي منذ القرن التاسع عشر.
حينما يكون التاريخ “مجالاً للخلاف” كما يقول بريماكوف، يجب حل أي مشكلة تاريخية استناداً إلى القانون الدولي، والذي تعززه في النهاية قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة أو قرارات مجلس الأمن الملزمة للجميع. هذا ما كان يعنيه بريماكوف في مقولته.
إن ما تطرحه الأزمة الراهنة من تساؤلات جد خطيرة. تساؤلات تتعلق بعدالة قرار التقسيم بالأساس، ومسوغات مثل هذا القرار، وكيف اتخذ الحكم بحرمان السكان الأصليين في فلسطين من حقوقهم. إنها تساؤلات حول الصمت الدولي المريب على العربدة الاستيطانية. ومع ذلك، فلنترك موضوع الجذور التاريخية للنكبة الفلسطينية، ونعود إلى قرار التقسيم، وسائر قرارات هيئة الأمم المتحدة بصدد القضية الفلسطينية، ولنلتزم بها جميعاً. لنواجه المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية ممن لا يلتزمون بدعم تنفيذ هذه القرارات، ويعجزون عن مواجهة البلطجة الإسرائيلية.
إن من حق الشعب الفلسطيني أن يخوض نضاله بكل الأساليب، وهو حق مشروع لكل الشعوب في تحرير أراضيها من الاحتلال، تلك الكلمة التي كنا نظن أنها لابد وأن تختفي من قانون البشرية مطلع القرن الحادي والعشرين، إلا أن دولة واحدة مارقة تدعى إسرائيل، لا زالت تحتل عنوة واقتداراً أراضٍ لا حق لها فيها، بل وتتوسع في الاحتلال والاستيطان أمام مسمع ومرأى من العالم أجمع، فلا نسمع صوتاً لأي من الدول الكبرى التي صدّعتنا وأشبعتنا شعارات تنادي بحقوق الإنسان.
أقول إن من حق الشعب الفلسطيني أن يلجأ لكل الوسائل الممكنة، وهو حق سيادي يتضمن ضمن ما يتضمن حق الكفاح المسلّح لتحرير الأرض من المعتدي الآثم. لكن ما نرى من موازين القوى على الأرض، يحتم علينا التفكير بالتوازي في الأساليب السياسية والدبلوماسية السلمية، بحيث يتحول النضال والصراع على الأرض إلى ورقة تفاوض على طاولة المفاوضات. لابد وألا نتوقف عن المطالبة بتنفيذ قرارات هيئة الأمم المتحدة، استناداً إلى الدمار الواسع وأعداد الضحايا الهائلة، خاصة بين المدنيين، حال اندلاع الحرب لا قدر الله.
لقد أشعل الكيان الصهيوني شرارة المعركة هذه المرة، بعدوانه الخبيث على الأقصى، والأحياء السكنية التي يقطنها الفلسطينيون بالقرب منه، وما يمكن أن يضع حداّ لهذه التوترات، والتصعيد الذي يبدو حتى اللحظة بلا نهاية منظورة، هو تغيير سياسة الولايات المتحدة الأمريكية والبعض في الاتحاد الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية. وقد رفض هؤلاء استصدار قرار من مجلس الأمن، ورفضوا تدخل هيئة الأمم المتحدة في وقف الاقتتال الفلسطيني الإسرائيلي بحجج واهية مختلفة، أهمها غياب وجود قيادة فلسطينية موحّدة يمكن التواصل معها، ولأن حماس خارجة عن سيطرة قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية، وهي بمثابة تنظيم إرهابي إسلامي متطرف. نعم، هذه مبررات واشنطن لرفض أي جهود لوقف القتال، وإعطاء المجتمع الدولي دور الوسيط لوقف نزيف الدماء.
ملاحظة على الهامش: هل يمكن أن تتصور أوروبا أو أي من الدول المتحضرة وجود بوابات عند حواجز التفتيش لدخول المواطنين العاديين وأخرى لليهود؟ ألم يكن أمراً كذلك ليثير ضجة لا حدود لها بشأن العداء للسامية، والعنصرية، وحقوق الإنسان إلخ إلخ إلخ.
هذا ما يمارسه الكيان الصهيوني في كل لحظة من لحظات احتلاله للأراضي الفلسطينية تجاه العرب. فهناك بوابات للمواطنين، وأخرى “للعرب”.. لكننا لا نسمع أي صوت يتحدث عن العنصرية أو حقوق الإنسان. فكيف لنا أن نصدق ما يدعونه من نزاهة في دعم القضية الفلسطينية؟
لابد وأن تدرك الدولة الإسرائيلية “الديمقراطية” أن السكان الأصليين من عرب 48، هم أهل المكان، ولهم كرامتهم التي لا يجوز العبث بها، أو حتى التفكير في التعامل معهم بصفة مواطنين من الدرجة الثانية.
زر الذهاب إلى الأعلى