مارتن إنديك يكتب: إدارة أميركية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي!
في مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز”، يحلّل الديبلوماسي الأميركي مارتن إنديك . المقاربة المعتمدة من قبل إدارة الرئيس جو بايدن للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، والذي يتأرجح بين التجاهل والتدخل الخجول، ليخلص إلى أن التصعيد الحالي قد يشكل فرصة لكي تستعيد الولايات المتحدة حضورها لحل الصراع، برغم التعقيدات التي أفرزتها السنوات الماضية والتي يمكن أن تفرزها الحرب الحالية. تسلمت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مقاليد الحكم متوقعة أن تتخذ نهجاً أقل استباقية تجاه الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني مقارنة بالعديد من الإدارات السابقة. خلال مؤتمر صحفي حول جائحة “كوفيد-19″، يوم الأربعاء – بعد أربعة أيام من الحرب الحالية بين إسرائيل و”حماس” – كان هذا النهج واضحاً. تلقى بايدن سؤالاً حول النزاع، فأجاب بصراحة أنه تحدث إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها، وأنه يأمل في أن ينتهي القتال “عاجلاً وليس آجلاً”. بشكل منفصل، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين أنه كان على اتصال مع نظيره الإسرائيلي والرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن). كما أشار إلى أنه أرسل هادي عمرو، وهو مسؤول متوسط المستوى من ذوي الخبرة، إلى إسرائيل للتواصل مع الأطراف المعنية. في هذه الأثناء، الأرض تحترق في غزة، والمدن الإسرائيلية تعصف بها الهجمات الصاروخية الليلية، فضلاً عن العنف بين المكونات اليهودية والعربية، والذي لم تشهد إسرائيل مثيلاً له من قبل. يرتفع عدد القتلى المدنيين من كلا الجانبين، بما في ذلك بين الأطفال. وتدعو القاعدة الديموقراطية التقدمية لبايدن بشكل متزايد إلى تكثيف الجهود، ليس لوقف القتال فحسب، ولكن لإنهاء الصراع بشكل عام. لقد رأينا حروب إسرائيل و”حماس” من قبل – آخرها كانت في 2014 – ونعرف كيف ستسير. تقوم “حماس”، بمساعدة “حركة الجهاد الإسلامي” الفلسطينية المدعومة من إيران، بإطلاق صواريخها بشكل عشوائي. إسرائيل تنتقم بشكل غير متناسب. الولايات المتحدة تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. أوروبا تلوح بإصبعها إلى إسرائيل. تقرر “حماس” في النهاية أنها أوضحت وجهة نظرها. تتوسط قطر ومصر لوقف إطلاق النار على أساس اتفاق “الهدوء مقابل الهدوء” المعتاد. يقوم الطرفان بدفن موتاهم وإزالة الأنقاض والعودة إلى العمل كالمعتاد بينما يستعد الجيش الإسرائيلي و”كتائب عز الدين القسام” التابعة لحركة “حماس” للجولة التالية. يشير نهج إدارة بايدن حتى الآن إلى أن واشنطن ستكون مرتاحة لقبول هذه النهاية غير السعيدة. لها أولويات أخرى أكثر أهمية. إن مجرد إدراجها أولويات مثل الوباء، الانتعاش الاقتصادي، تغير المناخ، صعود الصين، وطموحات إيران النووية يبدو كافياً لتوضيح هذه النقطة. هل يجب أن يحاول بايدن المزيد؟ بعد كل شيء، كل أزمة تخلق فرصة. هل يمكن للظروف هذه المرة أن تنتج لحظة ضغط قصوى يمكن للولايات المتحدة خلالها أن تحقق تقدماً نحو هدفها المعلن المتمثل في حل الدولتين للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني؟ الجواب، للأسف، لا. يناسب الوضع الراهن كلا الجانبين بشكل جيد جداً، وليست لأي منهما مصلحة في تغييره. لكن “حماس” مستاءة بالفعل من إلغاء الانتخابات الفلسطينية التي كانت تأمل في أن تمد نفوذها إلى الضفة الغربية، وقد استغلت التقاء المواجهات اليهودية العربية في القدس الشرقية مع محاولة بسط نفوذها هناك. لقد فعلت ما كان لا يمكن تصوره في السابق وأطلقت الصواريخ باتجاه القدس. وهذا بدوره أثار غضب نتنياهو، الذي كان راضيا عن حكم “حماس” في غزة، ولكن ليس في الضفة الغربية، وبالتأكيد ليس في القدس الشرقية. ومع ذلك، فإن أهداف كلا الجانبين في هذه الجولة محدودة للغاية. “حماس” تأمل في تعزيز مكانتها بين الفلسطينيين، في حين تأمل إسرائيل في إعادة ترسيخ ردعها ضد هجمات “حماس” على مواطنيها. لا يهتم أي من الطرفين بجعل الولايات المتحدة تتوسط في حل الدولتين. “حماس” ملتزمة بحل الدولة الواحدة الذي لا وجود لإسرائيل فيه. ونتنياهو ملتزم بحل الدول الثلاث حيث تحكم “حماس” في غزة والسلطة الفلسطينية في جيوب الضفة الغربية. أما الطرف الثالث في هذا الصراع – أبو مازن – فيود أن يرى الولايات المتحدة تنخرط من جديد، لأن ذلك من شأنه أن يجعله ذا صلة مرة أخرى. لمدة أربعة أشهر، انتظر مكالمة هاتفية من بايدن دون جدوى. لقد عجلت الأزمة الحالية أخيراً اتصالاً من وزير الخارجية (ثم بالأمس مكالمة من بايدن نفسه)، لكن المفاوضين الأميركيين لديهم خبرة كافية مع أبو مازن ليعرفوا أنه ليس في وضع يسمح له بقبول التنازلات الضرورية لتحقيق حل الدولتين. في سن الخامسة والثمانين، وفي العام السابع عشر من ولاياته الرئاسية التي يمتد كل منها أربع سنوات، يترأس أبو مازن نظاماً حكومياً شديد الانقسام، وستتم إدانته كخائن من قبل “حماس” في مقابل أي تنازل يقدمه لإسرائيل. علاوة على ذلك، يريد أبو مازن أن يدخل كتب التاريخ بصفته قائداً رفض المساومة على الحقوق الفلسطينية. المفاوضون الأميركيون لديهم خبرة كافية مع أبو مازن لكي يدركوا أنه ليس في وضع يسمح له بقبول التنازلات الضرورية لتحقيق حل الدولتين قبل اندلاع هذا الصراع الأخير، كان هناك أمل في تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل تضع حداً لحكم نتنياهو. كان يائير لابيد (رئيس حزب “يش عتيد”) ونفتالي بينيت (رئيس “حزب يمينا”) على وشك تشكيل تحالف يمين-يسار وسط يعتمد على دعم الأحزاب العربية. اندلعت موجة صادمة من أعمال العنف الغوغائية بين اليهود والعرب، وامتدت من القدس إلى مدن إسرائيلية أخرى. سيؤدي هذا القتال، على الأقل، إلى تعقيد مهمة بناء الحكومة. يبدو الآن أن إسرائيل ستخوض انتخاباتها الخامسة خلال عامين، وبعد ذلك الوقت فإن أية مرونة ناشئة عن الأزمة الحالية ستصبح صلابة. حتى لو ثبت أن هذا التوقع خاطئ وظهرت حكومة وحدة وطنية، سيكون نفتالي بينيت رئيس وزرائها، وهو من بين قادة إسرائيل الأشد معارضة لدولة فلسطينية مستقلة وأكثر مناصري ضم الضفة الغربية. بعبارة أخرى، الغرائز الأساسية لإدارة بايدن صحيحة. يتطلب الصراع إدارة، لأنه ببساطة لا توجد شروط للحل. للأسف، هذا لا يتعلق بالأولويات. يتعلق الأمر بالحقائق. اختبر وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري الافتراض القائل بأن قوة الإرادة الأميركية وحدها يمكن أن تغير الحقائق وتوصل إلى نتيجة قصيرة. حاول جاريد كوشنر، بصفته مستشاراً كبيراً للرئيس دونالد ترامب معاقبة الفلسطينيين ومنح إسرائيل شيكاً على بياض، ولم ينجح ذلك أيضاً. حتى لو تشكلت حكومة وحدة وطنية في إسرائيل، سيكون نفتالي بينيت رئيس وزرائها، وهو من بين قادة إسرائيل الأشد معارضة لدولة فلسطينية مستقلة وأكثر مناصري ضم الضفة الغربية ومع ذلك، فإنّ إدارة الصراع لا تعني النأي بالنفس، كما أشارت إدارة بايدن عن غير قصد في البداية. لم تعيّن واشنطن بعد سفيراً في إسرائيل (ولو مؤقتاً) أو قنصلًا عاماً في القدس للتعامل مع الفلسطينيين. لو فعلت ذلك، ربما كانت في وضع أفضل لتفادي اندلاع العنف. وبدلاً من ذلك، تُركت الإدارة لمسؤول متوسط المستوى ضعيف في وزارة الخارجية. تستحق إدارة بايدن الثناء على تدخلها على مستوى أعلى لحمل نتنياهو على وقف عمليات الإخلاء والمسيرات وعنف الشرطة الإسرائيلية في القدس الشرقية. على الرغم من أن هذه الخطوة أتت بعد فوات الأوان، إلا أنها أظهرت فعالية المشاركة الرفيعة المستوى في الوقت المناسب. الآن من المحتمل أن تكون هناك حاجة إلى مزيد من التدخل الرفيع المستوى لحمل كلا الجانبين على التهدئة. يبدو أن “حماس” مستعدة بالفعل للقيام بذلك. في الأيام المقبلة، وبمجرد أن ينتهي الجيش الإسرائيلي من تدمير البنية التحتية لحركة “حماس” والقضاء على أكبر عدد ممكن من قادة جناحها المسلح، من المحتمل أن يكون نتنياهو مستعداً أيضاً. عادة ما يكون حذراً، فهو لن يرغب في الدخول في انتخابات خامسة مع احتدام الحرب. بالفعل، يتم لومه على تعطيل الحياة الإسرائيلية. ولكن بمجرد أن تهدأ النيران الحالية، سوف تحتاج إدارة بايدن إلى إدارة الصراع بطريقة تساعد على خلق أفق سياسي للفلسطينيين – أفق يمنحهم الأمل في أنهم، مثل الإسرائيليين، سوف يتمتعون في النهاية بـ”تدابير الحرية المتساوية والأمن والازدهار والديموقراطية “التي وعدهم بها وزير الخارجية بلينكين مؤخراً. إن تجميد نمو المستوطنات الإسرائيلية، وخاصة في ظل الجهود المبذولة لإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية، سيكون بداية جيدة. سيكون الضغط على إسرائيل لتجنب عمليات الإخلاء وهدم المنازل في القدس الشرقية أمراً مهماً أيضاً. في الجانب الفلسطيني، يجب تشجيع أبو مازن على إعادة جدولة الانتخابات. كان الفلسطينيون متحمسين لفرصة التصويت لقيادتهم للمرة الأولى منذ 15 عاماً. خيبة الأمل التي شعروا بها عند إلغاء الانتخابات ساهمت في تفجر العنف. خلال الاستعدادات السابقة لتلك الانتخابات، تبنت إدارة بايدن موقفاً محايداً. هذه المرة، يجب أن تحث لجنة الانتخابات على توضيح أن المرشحين الذين ينبذون العنف فقط هم من يمكنهم الترشح، كما هو منصوص عليه في اتفاقيات أوسلو. وعليها أن تُلزم إسرائيل بالتزامها في تلك الاتفاقات بالسماح لفلسطينيي القدس الشرقية بالتصويت. كما يظهر اندلاع العنف الأخير، فإن إدارة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يشبه ركوب الدراجة: إذا لم تتقدم إلى الأمام، فسوف تسقط. عند الخروج من هذه الأزمة، ستحتاج إدارة بايدن إلى تعزيز عملية تساعد في إعادة بناء الثقة والأمل في حل الدولتين. بالنظر إلى التضاريس الوعرة، سيكون التقدم على هذا الطريق بطيئاً وتدريجياً بالضرورة. ولكن في ظل الظروف الحالية، فإن العملية التدريجية تبشر بالخير أكثر من النظر بعيداً أو اتباع أغنية صفارات الإنذار للسلام النهائي.