فلسطين: القلعة الإسرائيلية تتصدّع؟
180Post-ميشال نوفل
ما الذي يتغير في سياقات المسألة الفلسطينية في مهبّ الجولة الجديدة للصراع ضد النظام الصهيوني للإحتلال الإستيطاني والتمييز العنصري؟
تناول هذا السؤال أمر في غاية الأهمية عقب التراجع الذي أصاب القضية الفلسطينية من جرّاء عمليات التطبيع المتأخرة التي أقدم عليها بعض العرب الخليجيين، والأوهام التي أثارتها “صفقة القرن” الأميركية في شأن “التسوية النهائية” للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، فضلاً عن حملة التضليل الإعلامية والفكرية في الآونة الأخيرة والتي حاولت التصوير بأن مفهوم الصراع في المنطقة تبدّل، وأن القضية الفلسطينية سقطت من الأجندة الإقليمية والدولية لمصلحة الأزمة النووية بين إيران والعالم الغربي.
نظرة سريعة إلى المسرح المركزي للصراع يمكن أن تساعد في تظهير عدد من المتغيرات، ورسم اتجاهات تحملها أحداث المواجهة على أرض فلسطين، كل فلسطين.
أولاً، سقوط التقسيم الجيوسياسي للجسد الفلسطيني الذي أنتجته عملية أوسلو المشؤومة.اليوم يتوحد الشعب الفلسطيني على كل الجغرافيا الممتدة من البحر إلى النهر، حول قضية القدس وحماية المسجد الأقصى بوجه العدوانيّة الصهيونيّة، ومقاومة الاستيطان خصوصاً محاولة تهجير العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جرّاح في القدس على أيدي المستوطنين اليهود. الوحدة النضالية الفلسطينية في قلب المعمعة، لم تكن في أيّ وقتٍ على هذه الصورة الواضحة والجليّة.
ثانياً، ظهور حالة جديدة من الوعي السياسي في صفوف جيل الشباب من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، وانكسار حاجز الخوف أمام الآلة الإسرائيلية كما يظهر في التحركات التي تشهدها الرملة واللدّ وعكا وحيفا وأُم الفحم والناصرة، وغيرها من البلدات والنواحي في الجليل والمثلّث والساحل. ظهور هذه الحالة من شأنه أن يصحّح أفكاراً وتصورات خاطئة أو مشوشة حول “فلسطينيّي الداخل” أو “عرب إسرائيل” وعلاقتهم بقضايا الصراع الأساسية، وذلك في ضوء إنخراط طاقتهم الحيوية في ميزان القوى الشامل.
ثالثاً، إنقلاب السحر على الساحر في الصورة المتخيلة لـ”القلعة البيضاء”، وهي تُعتبر ركيزة الأمن الإسرائيلي الذي يقوم على التحصّن داخل القلعة في مواجهة العرب المتربّصين في الخارج، والخروج المسلّح من وقتٍ إلى آخر في حملاتٍ تأديبيّة عدوانيّة ضد المحيط العربي المشيطَن في العقل الصهيوني بوصفه متخلّفاً أو متوحّشاً. القلعة الإسرائيلية هذه الآن، تتصدّع من الداخل في خضمّ الهبّة الفلسطينية الجديدة المدعومة بصواريخ المقاومة من قطاع غزّة، وينكشف في جوفها السجن الإسرائيليّ الكبير الذي صُنع على مراحل للشعب الفلسطيني، كما تنكشف أكثر الجرائم التي تُرتكب بحقّه أكان بسلب حقوقه الوطنيّة والإنسانيّة أو مصادرة ممتلكاته وحرّياته، أو ممارسة التمييز ضد أبنائه في العمل والتعليم والطبابة والسكن.
رابعاً، إدراك الجيل الفلسطيني الجديد من المقاومة، أن العامل الأساسي في تفكك القلعة الصهيونية، يكمن في الداخل وتحديداً في مقاربة تناقضات المجتمع الإسرائيلي الآخذة في التفاقم، والأزمة السياسية للمجتمع السياسي اليهودي التي تحول دون قيام حكومة قويّة ومتجانسة تُعقلن عمليّة صنع القرار في ظروف أزمة معقّدة مثل الأزمة الراهنة. التقاط أهميّة هذا العامل الإسرائيلي وتالياً فهْمِ تناقضات المجتمع اليهودي الإسرائيلي، هما الخلفية التي أتاحت الإنتقال إلى الهجوم الدفاعي في المناطق المحتلة عام 1948 والتعامل مع عصابات المستوطنين هناك، وهذا يحدث للمرة الأولى على هذا النطاق.
خامساً، كل أشكال الدفاع والمقاومة مطروحة على الطاولة في فلسطين، ولا ضرر من الجمع بين الحجارة والصواريخ، إذا كانت هذه إرادة الشعب المقهور والمظلوم، وإذا كان الهدف المرحلي هو لجم التوحّش الإسرائيلي المنفلت. وفي كل الأحوال، إن فلسطين والمنطقة معها، تدخل مرحلة تحوّلات في التوازنات والاستقطابات في ظلِّ الإستدارة الأميركية نحو أولويّة المواجهة مع الصين وروسيا، ما يُنبئ بعاصفةٍ من الإضطراب يصعب تصوّر آفاقها وتحدّياتها.
هذه العُجالة لا تترقّب بالطبع سقوط القلعة الصهيونية غداً أو بعد غدٍ، بل ترى تحوّلاً كبيراً في مدار الصراع لمصلحة القضية الفلسطينية، خصوصاً أنها أخذت تستعيد مكانتها الإقليمية في وقتٍ باتت سلوكيّات نظام الآبارتيد في فلسطين عبئاً على المجتمع الدولي، ولم تعد تنفع هذا النظام محاولة تصدير أزمته البنويّة إلى المجال الجيوسياسي العربي والإيراني.
أمّا السؤال عن الآفاق المحتملة لهذه الجولة من الصراع، فإنّه مرتبط بالعمل لتثبيت المكتسبات المتحققة، والتقدم المتواصل على مساراتٍ تسمح بوقف الهجمة الإستيطانيّة على القدس والضفّة وإنهاء الحصار المضروب على غزّة، تمهيداً للتخلص تالياً من الإحتلال الإسرائيلي.