تحقيقات - ملفات

ماكرون يحمل ملف لبنان إلى السعودية.. وهذه أهداف زيارة لودريان

خلدون الشريف

 برغم الإرتباك والإرتجال الفرنسيين في التعامل مع الملف اللبناني منذ إنفجار مرفأ بيروت في مطلع آب/ أغسطس 2020 حتى يومنا هذا، يمكن القول أن المبادرة الفرنسية لم تنته.. والأهم من ذلك أن لا مبادرة خارجية تحل محلها في ظل الإنسداد السياسي الداخلي وتعذر مبادرة أطراف خارجية غير فرنسا. يزور الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون دول الخليج في فترة قريبة. رحلة تأجلت سابقًا مرتين، بسبب كورونا من جهة ولأجل الإعداد الجيد لها كي تكون نتائجها مثمرة من جهة ثانية. ربما تكون هناك أسباب أخرى، فرنسية أو خليجية، لكن المعلن يتصل بكورونا والتحضير الجيد للزيارة التي ستكون السعودية أحد أبرز محطاتها. من جانب الفرنسيين، سيكون الوضع في لبنان من النقاط الرئيسة في جدول الأعمال. المقصود فرنسيًا مدى امكانية التوافق على مخرجات تساهم في انقاذ هذا البلد الذي ساهمت فرنسا نفسها بتأسيسه، قبل مائة سنة، حيث حرصت على أن تتزامن زيارة ماكرون الثانية بعيد انفجار مرفأ بيروت، للمشاركة في إحتفالية مئوية لبنان الكبير. مضت تسعة أشهر على المبادرة الفرنسية التي أطلقها رئيس فرنسا من قصر الصنوبر خلال جمعه القيادات السياسية اللبنانية، في زيارته الأولى التي أعقبت إنفجار المرفأ وقد أفضت في نسختها الأولى إلى تكليف مصطفى أديب بتأليف حكومة مهمة من أخصائيين، وهي مهمة سرعان ما إنتكست فسقط تكليف أديب، ليس على وقع التباعد وربما التباغض السياسي الداخلي، بل بفعل عوامل خارجية، وتحديدًا أميركية (فريق دونالد ترامب)، فأصابت العقوبات الأميركية التي إستهدفت كلًا من المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل والمعاون السياسي لرئيس تيار المردة المحامي يوسف فنيانوس، أولًا بتوقيتها وثانيًا بأهدافها، المبادرة الفرنسية في الصميم، وذلك على مسافة أسبوع ونيف من تكليف مصطفى اديب.  تُرجم ذلك بتمسك الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) بوزارة المالية وبحق تسمية الوزراء الشيعة، فكانت النتيجة وصول التأليف إلى حائط مسدود وسقوط التكليف الأول بإعتذار أديب. مع تكليف سعد الحريري في تشرين الأول/ أكتوبر، أعيد تزخيم المبادرة الفرنسية، قبل أن تصطدم مجددا بمروحة من التعقيدات الداخلية والخارجية أبرزها إتساع هوة الثقة لا بل الخصومة بين الحريري وجبران باسيل، داخليًا وعدم توفر غطار دولي وإقليمي للمبادرة الفرنسية، وهنا تتحمل فرنسا المسؤولية الأكبر لجهة عدم توسيعها مروحة إتصالاتها مع دول الإقليم بإستثناء مصر صاحبة الدور المؤثر بلا شك ولكن من دون ان تمتلك القدرة على اقناع دول الخليج والمملكة العربية السعودية على وجه التحديد في تبني هذه المبادرة بأي من مندرجاتها القديمة أو المطورة (مثلًا تبنت مصر خيار حكومة الـ 18 وزيرًا بينما كانت فرنسا تتبنى حكومة من 24 وزيرًا). الهدف الثاني لزيارة لودريان كان لقاء القوى السياسية التي تطرح نفسها قوى تغييرية لسؤالها عن برامجها وخططها وقدرتها على المساهمة في انقاذ لبنان وكان رئيس الديبلوماسية الفرنسية مستمعًا إليها أكثر مما كان مُوجهًا او داعمًا او متبنيًا ارادت فرنسا من خلال مبادرتها الإنقاذية ـ مع الإقرار بوجود مصالح بالدرجة الأولى ـ ان تمهد للعودة الى مشرق عربي تحدهُ إيران عراقًا، كي تبني مصالح اقتصادية وسياسية فقدتها اثر سقوط نظام صدام حسين في العراق الذي كان يقيم اكبر تبادل تجاري مع فرنسا.. وأيضًا فقدتها بسبب العقوبات الأميركية على ايران التي اقام فيها الفرنسيون مصانع “رينو” و”بيجو” ضخمة جدًا، فضلًا عن شركة “توتال” التي عملت هناك طويلًا وهناك صفقات الـ”ايرباص” التي توقفت، كما ارادت فرنسا الإستفادة من اعادة اعمار سوريا التي زارها الرئيس السوري بشار الأسد عشية احتفالاتها بالثورة الفرنسية في ١٤ يوليو/ تموز ٢٠٠٨ حيث استضافه الرئيس نيكولا ساركوزي على المنصة الاحتفالية في وقت كانت العلاقات الفرنسية السورية مقطوعة اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري وقرار رئيسها حتى ٢٠٠٧ جاك شيراك تحميل سوريا المسؤولية المعنوية عن ذاك الإغتيال مع الأخذ بالإعتبار ان شيراك نفسه كان الزعيم الغربي الوحيد الذي شارك في جنازة الرئيس حافظ الأسد عام ٢٠٠٠. من ضمن هذه المشهدية، انطلقت المبادرة الفرنسية التي ما زالت متعثرة حتى الآن، ومن ضمن هذه المشهدية أيضًا وجب تحليل زيارة وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان الأخيرة إلى بيروت والتي طالتها سهام أغلب الفرقاء السياسيين اللبنانيين. بحسب مصادر فرنسية واسعة الإطلاع، هناك ثلاثة أهداف لزيارة لودريان لا رابع لها: الهدف الأول، القول للجميع ان فرنسا التزمت منذ البداية مصلحة لبنان واقرنت القول بالفعل فحضر الرئيس الفرنسي ودعا مجموعة دعم لبنان وأمّن عشرات ملايين الدولارات، وبالتالي، جاء لودريان ليؤكد ان فرنسا نفذت كل التزاماتها التي تعهدت بها غداة انفجار بيروت وبالمقابل، لم نشهد إلتزام الفرقاء السياسيين في لبنان بالتزاماتهم تجاه رئيس فرنسا. أبلغ الفرنسيون العاصمتين الأميركية والبريطانية غداة إنتهاء زيارة لودريان، أن لا اسماء فرنسية جاهزة حتى الآن، وأنه من المفيد إنتظار نتائج زيارة ماكرون إلى الخليج، حيث سيحظى الشق اللبناني بحيز أساسي في العديد من العواصم الخليجية ولا سيما السعودية الهدف الثاني كان لقاء القوى السياسية التي تطرح نفسها قوى تغييرية لسؤالها عن برامجها وخططها وقدرتها على المساهمة في انقاذ لبنان وكان رئيس الديبلوماسية الفرنسية مستمعًا إليها أكثر مما كان مُوجهًا او داعمًا او متبنيًا. ومن ضمن الهدف الثاني لقاء الجمعيات الأهلية العاملة في لبنان وخاصة تلك التي تتولاها سيدات في الوقت الذي سترأس فرنسا منتدى “جيل المساواة” (Forum Génération Égalité) الذي انطلق قبل ربع قرن مع اعلان بيجين من اجل تسريع تنفيذ الالتزامات العالمية بالمساواة بين المرأة والرجل عبر إزالة الحواجز المنهجية التي تمنع المرأة من المشاركة على قدم المساواة في جميع مناحي الحياة، سواء في القطاع العام أو الخاص. إقرأ على موقع 180  معركة مأرب.. “ستالينغراد اليمن” وقد اعتبر الوزير الفرنسي ان هذا اللقاء كان مُلهمًا له ومُؤثرًا فيه لأن تلك السيدات اظهرن المامًا بواقع لبنان واوحين بأمل مرتجى. الهدف الثالث هو لقاء رئيسي الجمهورية ومجلس النواب والرئيس المكلف دون سواهم من القوى السياسية لما يمثلونه من مواقع رسمية قادرة على احداث التغيير في الإرادات السياسية اذا ما صدقت النوايا. مع هذا الثلاثي، ذكَّرَ الوزير الفرنسي بالتزام جميع من حضروا طاولة حوار قصر الصنوبر بوجوب تأليف حكومة أخصائيين خلال اسبوعين على الأكثر. وذكّرهم ان توقف المبادرة الفرنسية لا يؤذي مصالح فرنسا بقدر ما يتسبب بالضرر للشعب اللبناني الذي تحمل الكثير ولا زال بسبب عدم اهتمام الطبقة السياسية بمواطنيها وتقديمها مصلحتها الشخصية وتصفية الحسابات الصغيرة فوق مصلحة الشعب اللبناني. كما اكد لهم ان التزام فرنسا مع الشعب اللبناني لن يتوقف. ومن نافل القول ان اتصالات ولقاءات سبقت وواكبت زيارة لو دريان إلى بيروت، اولها كان لقاء المبعوث الرئاسي الروسي ميخائيل بوغدانوف – باتريك دوريل في باريس وثانيها لقاء الدول السبع -G7 في لندن والذي تم على هامشه عقد إجتماع ثلاثي أميركي ـ بريطاني ـ فرنسي، شارك فيه مديرو الشرق الأوسط في وزارة الخارجية، وإطلعوا خلاله من أحد مساعدي لودريان على مضمون زيارة الوزير الفرنسي إلى بيروت بوصفها زيارة “الرسالة الأخيرة” قبل أن تبدأ فرنسا بترجمة ضغطها من خلال سلسلة من “القرارات الوطنية” (الفرنسية وليس الأوروبية). وطلب الفرنسيون من الأميركيين والبريطانيين ممارسة الضغط بالتوازي، فأبلغهم ممثل وزارة الخارجية البريطانية أن مجلس العموم البريطاني أقر مطلع السنة الحالية قانون مكافحة الفساد (Global anti corruption) وسيكون مفيدًا إستخدامه ضد شخصيات لبنانية بالتنسيق مع الفرنسيين، واللافت للإنتباه أن الأميركيين ذكّروا الفرنسيين بأنهم جمدوا عقوباتهم على شخصيات ومؤسسات لبنانية في ضوء الإتصال الأول الذي جرى بين جو بايدن وماكرون في الرابع والعشرين من كانون الثاني/ يناير الماضي، تسهيلًا للمبادرة الفرنسية، وبالتالي، سيصار إلى إستئناف مسار العقوبات بدءًا من الأسبوع المقبل (وهذا ما حصل بالأمس الإثنين). وفي إنتظار إجتماع ثلاثي جديد، أبلغ الفرنسيون العاصمتين الأميركية والبريطانية غداة إنتهاء زيارة لودريان، أن لا اسماء فرنسية جاهزة حتى الآن، وأنه من المفيد إنتظار نتائج زيارة ماكرون إلى الخليج، حيث سيحظى الشق اللبناني بحيز أساسي في العديد من العواصم الخليجية ولا سيما السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى