الحدث

«من سيحكم لبنان مستقبلاً»؟!

دوللي بشعلاني-الديار

يعلق الملف الحكومي في لبنان مع عناد الطرفين المتنازعين والمعنيين بتشكيل الحكومة أي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، عند عنوان عريض هو: «من يُدير البلد في المرحلة المقبلة»؟! فهذا الهدف هو الذي يقف حائلاً دون تنازل أي من الطرفين لمصلحة الطرف الآخر. فيما المشكلة في مكان آخر، على ما أكّدت أوساط ديبلوماسية مطلعة، وتتمحور حول «أي دولة ستحكم لبنان مستقبلاً، أو بالأحرى ستكون وصيّة عليه؟! ولهذا ربما يصعب تشكيل الحكومة في الوقت الراهن، وإن جرى تقديم التنازلات أو اجتراح الحلول، ما يجعل التأليف مؤجّلاً حتى إشعار آخر.

وتقول الاوساط انه في الوقت الذي تتهم فيه فرنسا المسؤولين اللبنانيين بمسؤوليتهم عن فشل المبادرة الفرنسية التي تنصّ على تشكيل الحكومة وتحقيق الإصلاحات المطلوبة وتضع خارطة طريق لبرنامجها الإنقاذي، وتُهدّد بعقوبات فرنسية، وربما أوروبية لاحقاً، تمنع شخصيات عديدة من دخول أراضيها، وقد تصل في حال تشديدها الى تجميد أرصدتهم المالية في مصارفها، يبدو واضحاً أنّ القرار ليس بيد فرنسا. صحيح أنّ المبادرة الفرنسية عندما طُرحت قد حظيت بدعم من بعض دول الخارج، غير أنّ حقيقة الأمر أنّ الولايات المتحدة الأميركية قد أطلقت يدّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في لبنان لإضاعة المزيد من الوقت، وليس بهدف التوصّل الى حلّ نهائي للأزمة وتشكيل الحكومة الجديدة.

وأكّدت الاوساط أنّ فشل المبادرة الفرنسية هو قرار اتخذته واشنطن، وإن كان ما يُحكى منذ تسلّم الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن مقاليد السلطة بأنّ لبنان لا يدخل ضمن أولويات إدارته. فهذا الكلام صحيح، على ما عقّبت الاوساط، كونه يُعتبر جزءاً من التسوية التي تُقبل على حبك خيوطها. فالتسوية الأميركية – الإيرانية ومن ضمنها السورية والروسية، والتي تنعكس على العلاقات السعودية – الإيرانية، كما على العلاقات السعودية – التركية والمصرية، يدخل من ضمنها لبنان. والسؤال المطروح هنا: لأي دولة سوف «يُعطى» لبنان في المرحلة المقبلة؟!

وترى الأوساط نفسها أنّه من غير المنطقي أنّ جميع دول الخارج تودّ المحافظة على لبنان والإستقرار فيه، وتسعى لمنعه من الإنهيار الشامل، ولا تستطيع أن تضغط على المسؤولين فيه لتشكيل الحكومة، أو تُساعده للتخفيف من الأعباء الإقتصادية المتفاقمة بفعل استضافته لنحو مليون ونصف مليون نازح سوري ولنصف مليون لاجىء فلسطيني على أراضيه… من هنا، يُمكن التأكيد أنّ ثمّة قرارا أميركيا بإفشال المبادرة الفرنسية إذ بإمكانها أن تؤدّي في حال نُفّذت الى تحقيق الإصلاحات وإعادة وضع لبنان على سكّة التعافي الإقتصادي والمالي. وهذا الأمر لا يصبّ في مصلحة واشنطن التي تسعى حاليّاً من خلال إجتماعات فيينا للعودة الى الإتفاق النووي الإيراني مع مجموعة الأربع (كانت مجموعة الخمس معها) زائدا واحدا، وإجراء تسوية تشمل دول منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنها لبنان وسوريا والعراق واليمن. ولعلّ أكثر ما يهمّها أيضاً هو الاستثمار في الثروة النفطية والغازية الموجودة في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لكلّ من لبنان وسوريا وقبرص والعدو الإسرائيلي.

وبرأي الاوساط، إنّ الولايات المتحدة تسعى بالدرجة الأولى الى تأمين مصالحها مع إيران وروسيا وسواهما، والحفاظ على أمن «إسرائيل» أولاً في المنطقة، ولهذا تؤجّل البتّ في موضوع تشكيل الحكومة اللبنانية الى حين معرفة الى أين تتجه التقسيمات الجديدة لدول المنطقة. وبطبيعة الحال، فإنّ التقرير الذي نشره معهد كارينغي أخيراً، على ما أشارت الأوساط نفسها، عمّا يجري في الكواليس من اتصالات عربية وإقليمية ودولية تتقاطع جميعها مع إحياء الدور السوري في لبنان، على الأقلّ حتى استقراره السياسي وتشكيل حكومة تُدير الإنتخابات النيابية والرئاسية في العام 2022، ليس بعيداً عن الواقع. ومن يدري إذا ما توافقت الدول الكبرى والإقليمية على هذا الأمر، فإنّ هذا الدور قد لا ينتهي بعد إجراء هذه الإنتخابات بل قد يطول أكثر ليشمل المناصب السياسية ومكاسب أخرى تحت ذرائع عديدة منها عدم تمكّن اللبنانيين من إدارة بلادهم بأنفسهم، وعدم قدرتهم على التوافق فيما بينهم على إجراء الإستحقاقات الدستورية في موعدها وما الى ذلك…

ولهذا ربما تدفع الدول الكبرى في اتجاه المزيد من انهيار الوضع الإقتصادي والمالي وانخفاض قيمة الليرة اللبنانية مقابل الارتفاع الجنوني بسعر الدولار الأميركي والعملات الأجنبية، الى جانب عدم توافق المسؤولين فيه على تشكيل حكومة إنقاذيّة، بهدف إظهار لبنان دولة عاجزة كليّاً، على حدّ قول المصادر، علماً بأنّه لا يُمكن اعتبار لبنان بلداً فاقداً للسيادة في ظلّ وجود رئيس للجمهورية ومجلس نيابي تمثّل فيه الكتل النيابية شرائح الشعب اللبناني. ولهذا حاولت استخدام «ثورة 17 تشرين» في وقت من الأوقات لإسقاط رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، كما حاولت حلّ مجلس النوّاب عن طريق استقالة عدد من نوّابه وصل الى 8 نوّاب فقط لم يؤثّروا في استكماله لعمله التشريعي، فضلاً عن المطالبة بإجراء انتخابات نيابية مُبكرة لم تستطع تمريرها أيضاً.

فالولايات المتحدة وعدد من دول الخارج، على ما عقّبت الأوساط ذاتها، لا تقف اليوم مكتوفة الأيدي تتفرّج على ما يحصل في لبنان، بل على العكس هي تتدخّل من خلال تحريك الشارع عندما تريد، وليس عندما يصل الغلاء الى حدّ فاحش ومبالغ فيه قد يؤدّي في وقت زمني قصير مع استمراره الى تجويع أكثر من نصف الشعب اللبناني.

أمّا عن طلبات الهجرة الى بعض دول الخارج من قبل اللبنانيين، لا سيما المسيحيين منهم، فحدّث ولا حرج، على ما ذكرت الاوساط، إذ وصل عدد هؤلاء الى نحو 380 ألف طلب حتى الآن، وهو مرجّح للارتفاع مع فقدان المزيد من المواطنين اللبنانيين أعمالهم وارتفاع نسبة البطالة والفقر والجوع في صفوفهم، في ظلّ وجود اليد العاملة الأجنبية المنافسة لهم. فالأجرة اليومية لكلّ عامل أو مياوم باتت تُحتسب على الدولار الأميركي بحسب سعر السوق السوداء. فالذي كان يقبض 10 دولار يومياً، على سبيل المثال، يحصل اليوم على 120 ألف ليرة لبنانية، في حين أنّ راتب الموظّف اللبناني الذي كان ألف دولار لا يزال يُحتسب بحسب السعر الرسمي للدولار وهو 1500 ل. ل. وهذا ما يجعل العمّال الأجانب يبقون في لبنان رغم كلّ أزماته، في الوقت الذي يبحث فيه أبناؤه عن لقمة العيش في دول الخارج. فهل يفرغ لبنان من مواطنيه قبل حصول التسوية الدولية والإقليمية، وقبل اتخاذ القرار الخارجي بتشكيل الحكومة وتحقيق الإصلاحات ووضع النهوض الإقتصادي على السكّة الصحيحة؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى