هذا ما سيَحصَل بعد فشل المُبادرة الفرنسيّة…
ناجي س. البستاني
على طريقة الأستاذ غير العادل الذي يفشل في إكتشاف المُشاغبين في صفّه، فيقوم بمُعاقبة كلّ التلاميذ من دون أيّ إستثناء، تتجه باريس في ضوء إنتهاء زيارة المُوفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان من دون تحقيق أيّ تقدّم إيجابي يُذكر، إلى إعتماد الأسلوب الظالم نفسه على شخصيّات وقوى لبنانيّة عدّة، علمًا أنّ العُقوبات المُرتقبة ستكون تدريجيّة وتصاعديّة. ووسط هذه الأجواء، وفي خضمّ ما يحصل من تغييرات كُبرى على المُستوى الإقليمي، ماذا سيحصل لبنانيًا في ضوء ما يُمكن إعتباره فشل المُبادرة الفرنسيّة؟.
بداية، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ لبنان مَتروك لمصيره على المُستوى الدولي، حيث أنّ أولويّات كل دول العالم، أكانت عربية أو إقليميّة، وكذلك دوليّة، لا تتضمّن الملفّ اللبناني، بل تشمل ملفّات أخرى من أفغانستان إلى اليمن مرورًا بالعراق، وملفّات صراعات نُفوذ مع روسيا في آسيا، وملفّات حروب إقتصاديّة مع الصين، إلخ. وحتى ما يُحكى عن تأثير مُرتقب للإتصالات السُعوديّة-الإيرانيّة المُستجدّة، على الساحة اللبنانيّة غير دقيق، لأنّ هذه الإتصالات تتناول بالدرجة الأولى ملفّ حرب اليمن، وكذلك مسألة التطبيع العربي مع إسرائيل، وسُبل تبريد المُواجهة غير المُباشرة بين طهران والرياض. وليس صحيحًا أنّ هناك إتجاهًا لعودة ما كان يُعرف بإسم “السين-السين”، نتيجة عودة الإتصالات السُعوديّة-السُوريّة، حيث أنّ هذه الإتصالات تدخل في سياق تبريد التوتّرات الإقليميّة والعربيّة، والعمل على وقف أيّ حروب غير مُباشرة مُتبادلة، تمهيدًا لإعادة ترتيب الوضع السياسي العربي الداخلي. ويُمكن القول إنّ البند اللبناني الوحيد الذي يُمكن أن يحظى بمتابعة وبإهتمام دَوليّين من كامل الملفّ اللبناني، يتمثّل في موعد إجراء الإنتخابات النيابيّة بعد نحو عام من اليوم، حيث يُتوقّع أن يكون هذا الإستحقاق بالتحديد تحت مظلّة دَوليّة.
وفي الإنتظار، إنّ الوضع الداخلي غير مُطمئن، حيث يتحرّك لبنان كسفينة تمكّنت منها العاصفة الهوجاء، وهي تتخبّط يمينًا ويسارًا من دون أي قُدرة على توجيهها. ولا تبدو في الأفق أيّ بوادر يُمكن أن تدفع نحو تشكيل حُكومة قريبًا، على الرغم مِمّا يُحكى عن مُحاولة جديدة لتحقيق هذا الهدف ستتمّ قريبًا، وتحديدًا بعد إنقضاء عيد الفطر. حتى أنّ التسويق الإعلامي لإحتمال تنحّي رئيس “تيّار المُستقبل” عن مهمّة التشكيل، والذي إستغلّ من قبل أكثر من طرف في إطار عمليّات شدّ الحبال المُتبادلة، لا يبدو أنّه يُمثّل حلاً-حتى في حال حُصوله، وذلك بسبب غياب الإجماع على شخصيّة بديلة. وإذا كان صحيحًا أنّ أسماء عدّة مَطروحة في الإعلام، لتشكيل الحُكومة في حال تنحّي الحريري، فإنّ الأصحّ أنّ كل إسم من هذه الأسماء يحظى بقوى تدعمه، لكنّه يُواجه في الوقت عينه العديد من القوى الجاهزة لمُحاربته. وبالتالي، من الصعب جدًا تأمين أغلبيّة نيابيّة كافية لمنح أيّ حُكومة جديدة الثقة في مجلس النوّاب، حتى لو جرى تجاوز مَحطّة التكليف! ومن الضروري الإشارة إلى أنّ حجم الإنقسام الداخلي بات كبيرًا، حتى ضُمن ما كان يُصنّف في السابق فريقًا واحدًا، لدرجة أنّه لم يعد أيّ طرف يتمتّع بالقُدرة على فرض مشيئته على الآخرين. وبالتالي ما لم يحصل توافق سياسي بالحدّ الأدنى، من الصعب أن نشهد أيّ خرق على مُستوى تأمين أغلبيّة نيابيّة لمنح الثقة لأيّ حُكومة، هذا إذا سلّمنا جدًلا أنّ الأمور قد إتجهت نحو التأليف.
وإنطلاقًا ممّا سبق، على الأرجح أنّ فترة المُراوحة ستطول أكثر، ومرحلة السُقوط الحُرّ التي يعيشها الوضع الإقتصادي في لبنان ستشتدّ في الأيّام المُقبلة، وما يُحكى عن رفع الدعم هو حقيقة حاصلة ومَلموسة. فأسعار العديد من السلع على رفوف المَتاجر الصُغرى والكبرى بلغت مُستويات عالية جدًا، والإرتفاع مُستمرّ من دون أيّ مبرّر مُقارنة بسعر صرف الدولار. والأزمة تشتدّ على مُستوى مَخزون الأدوية الذي يتناقص تدريجًا، حيث من غير المُنتظر أن تعود هذه الأدوية لتتوفّر في المُستقبل، إلا بأسعار جديدة ومُرتفعة. وأزمة المَحروقات ليست أفضل حالاً، مع الشحّ الكبير في توفّر البنزين في المحطّات، والمُرتقب أن يزداد في حال عدم البدء بتحرير السعر تدريجًا. وما ينطبق على أزمة البنزين، يشمل باقي المُشتقّات النفطيّة، ومسألة التغذية بالتيّار الكهربائي التي تراجعت بشكل كبير، والخشية من تدهور الأمور أكثر في ظلّ الخلافات على مصادر تمويل شراء “الفيول”، إلخ.
في الخلاصة، إنّ سياسة التأجيل وكسب الوقت المُطبّقة من قبل السُلطة في لبنان، والتي كانت في الماضي عبارة عن هروب إلى الأمام من سنة إلى سنة، ثم تراجعت مع الوقت إلى من شهر إلى شهر، باتت أخيرًا تتمّ من أسبوع إلى أسبوع، من دون وجود أيّ خطة إقتصاديّة-إنقاذيّة، الأمر الذي يُنذر بأخطر العَواقب في المُستقبل القريب…