قد يصعب هضم شكاوى شركات الأدوية بشأن التنازل عن براءات اختراع لقاح كورونا حماية الابتكار هدف أساسي لكنه استعمل بشكل سيئ في مناسبات متكررة. وإذا أدى رفع الملكية الفكرية عن التطعيمات إلى وصولها لمن يحتاجها، فسيتوجب على الرافضين الالتحاق ببايدن، بما في ذلك المملكة المتحدة
شكَّل الرفض ردّة الفعل لدى قطاع المستحضرات الصيدلانية إزاء التحرك الأميركي الذي يحتمل أن يغير قواعد اللعبة، والهادف إلى دعم التنازل عن براءات الاختراعات الخاصة باللقاحات في محاولة لتحسين إمداداتها عالمياً. والحجة التي تسوقها شركات العقاقير تتمثل في أنه [التنازل] سيخنق الابتكار، بما يهدد تطوير العلاجات في المستقبل، ما من شأنه أن يؤدي إلى كارثة بالنسبة إلى المرضى.
هل هي محقة [في ذلك]؟
إن العلاجات من أي نوع مكلفة على صعيد البحث والتطوير وإجراء التجارب الصارمة بالضرورة التي تتطلبها الهيئات التنظيمية في غالبية البلدان قبل أن يصبح من الممكن تسويق هذه العلاجات. وتقل العلاجات الناجحة كثيراً عن الفاشلة التي يتوجب تسديد ثمنها أيضاً.
وتضمن براءات الاختراع عبر التفرد الذي تمنحه في مكافأة الشركات التي تنتج علاجات جديدة، حصول استثماراتها على عائد عادل في مقابل المخاطر التي تخوضها وتأمين التمويل اللازم لإنتاج أدوية جديدة.
وحتى إذا بدا واضحاً أن التنازل المقترح عن اللقاحات مؤقت ومصمم كي يستخدم مرة وحيدة بهدف إلحاق الهزيمة بجائحة قاتلة، فما الذي قد يمنع تكرار تنازل كهذا؟ ما الذي سيمنع الناشطين عن المطالبة بسحب العقار الخارق المقبل الذي يقتل الخلايا السرطانية من براءات الاختراع، كي يغدو ممكناً إنقاذ مزيد من الأرواح؟ ووفق هذا المنطق، إذا حدث هذا في كل مرة نطلق فيها منتجاً جديداً، ستتجه الموارد صوب نشاطات أخرى يمكن فيها تحقيق الأرباح، ولن تتوفر علاجات جديدة للسرطان من أي نوع. هل يمثل ذلك ما تريدونه حقاً؟
عندما يطرح الأمر كذلك، يبدو مقنعاً. في المقابل، سيكون من الأسهل على شركات الأدوية تقديم حجتها، لو أن بعضاً منها لم يضح بكل وازع أخلاقي من خلال الانخراط المرير بعمق في استغلال نظام براءات الاختراع بهدف رفع الأسعار.
ومن بين الأمثلة الأكثر وضوحاً عن هذا الوضع حالة الإنسولين. عندما توصل فريدريك بانتينغ وزملاؤه للحصول عليه [من غدة البنكرياس في الحيوانات] للمرة الأولى كعلاج لمرض السكري، باعوا براءة الاختراع إلى جامعة تورنتو في مقابل مجرد دولار واحد، على أمل أن يتمكن كل من يحتاج إليه من تحمل ثمنه. وحاضراً، يموت الناس بسبب افتقارهم إليه في الولايات المتحدة. وباستمرار، تستبدل تراكيب الإنسولين بمنتجات أحدث ومحسنة في شكل متزايد، لكنها أيضاً تكون أكثر تكلفة ومغطاة ببراءات اختراع إضافية، تحافظ على قوة التسعير التي يتمتع بها مصنعو هذه المنتجات، في نظام تتبنى فيه الحكومات نهج عدم التدخل.
وفي بريطانيا لا يحدث هذا، لأن الحكومة تشتري [الإنسولين] بالجملة لمصلحتنا، وبالتالي يكون لديها مزيد من السلطة على السعر الذي ندفعه جماعياً.
وعلى الرغم من ذلك، رفعت “هيئة المنافسة والأسواق” سلسلة من القضايا ضد شركات المنتجات الصيدلانية وفرضت غرامات ثقيلة عليها، بعد ما وجدت مجموعة واسعة من الممارسات [تقدم عليها الشركات] التي تهدف إلى منع المنافسة.
وتوضيحاً، تشمل تلك الممارسات اتفاقات خاصة بالدفع في مقابل التأخير، بمعنى أن يبرم حاملو براءات الاختراع اتفاقات مع شركات الأدوية بهدف إبقاء أدوية [التي تحميها تلك البراءات] خارج السوق. وكذلك تبين أنهم سحبوا علاجات موجودة بهدف إرغام المرضى على الحصول على علاجات أكثر تكلفة.
إن هذين هما مجرد مثلين [عن إساءة استخدام نظام براءات الاختراع]. وهناك مزيد من الأمثلة.
وكلما نظرتم في الأمر عن كثب، وجدتم أن نظام براءات الاختراع يجري التلاعب به وإساءة استخدامه خدمة لأغراض التربح. ومن بين العوامل الأخرى [التي تساند تعليق براءات الاختراع] في بعض اللقاحات المضادة لكوفيد، يبرز الدور الذي أدته الأموال العامة في تطويرها. ومن الواضح أن تلك هي الحالة مع الشراكة بين شركة “أسترازينيكا” و”جامعة أكسفورد” [التي ابتكر علماؤها ذلك اللقاح]، وكذلك أدت الأموال العامة دوراً في المراحل المبكرة من علاج “فايزر” أيضاً.
واستطراداً، يعني ذلك أن هذه القصة لا تقتصر على أن رأس المال الخاص هب للإنقاذ ويحتاج إلى مكافأة عن خوض المجازفة لمصلحة البشرية. لقد ساعد دافعو الضرائب في عدد من البلدان في تحمل التكاليف، أفلا ينبغي لهم أيضاً أن يحصلوا على مكافأة؟
في المقابل، يكون القطاع على أرض أكثر صلابة حين ينتقد الممارسات السيئة من جانب الحكومات، كتكديس الإمدادات والتدخل في الصادرات. إذ تكون البلدان الكبرى مذنبة في بعض الأحيان، بالتصرف على نحو سيئ على غرار شركات المستحضرات الصيدلانية الكبرى. ولا تشكل القومية على صعيد اللقاحات، أكثر من لعنة لا تحابي أحداً في نهاية المطاف.
وعلى الرغم من هذا، تظهر بوضوح المشاهد من النقاط الساخنة للجائحة حول العالم، مدى الحاجة إلى إيصال اللقاحات للأماكن التي يكون المعروض منها قليل، وإذا ساعد التنازل [عن براءات الاختراع] في ذلك الأمر، فليكن.
وتقول جماعات الضغط التي تعمل لمصلحة شركات الأدوية، إن ذلك قد لا يحصل. وتالياً، يتوجب طرح فكرة أفضل. ربما تضمنت تلك الفكرة إعطاء ترخيص [بصنع اللقاح]، وربما لا. في المقابل، يتوجب إدراك أن خطط الخدمة الذاتية التي تهدف إلى حماية الأرباح، ستسقط تماماً مع استمرار الجهود الرامية إلى حمل الرافضين كالاتحاد الأوروبي وكندا والمملكة المتحدة، على الانضمام إلى الحملة الداعية إلى التنازل عن براءات الاختراع. وحري بهم أن ينضموا إليها.
© The Independent