شهد الأسبوع الحالي لهفة تركية استثنائية في شكلها وفحواها لمغازلة السعودية ومحاولة إعادة المياه لمجاريها، بعد أعوام من التباعد والتصادم السياسي والقضائي والاقتصادي بين الجانبين.
الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، اتصل بالملك سلمان بن عبد العزيز، في وقت يستعد وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، للسفر إلى الرياض الأسبوع المقبل.
اللهفة التركية حتى الآن تبدو من طرف واحد، على الأقل في دفع هذه المصالحة. فالسعودية قررت هذا الأسبوع إغلاق 8 مدارس تركية في المملكة مع نهاية العام الدراسي الجاري 2020-2021 طبقا لوكالة أنباء الأناضول، والتبادل التجاري بين السعودية وتركيا هو في أدنى مستوياته منذ أعوام.
حجم الصادرات التركية إلى السعودية، بحسب تجمع التجار الأتراك انخفض بنسبة 94.4 بالمئة هذا العام، ووصل إلى 11.25 مليون، بعدما كان 201 مليون العام الفائت. فحملة “مقاطعة البضائع التركية”، وإن لم تكن موجهة من الحكومة السعودية، فهي تضم شركات وهيئات تجارية هامة في المملكة، وجدت بدائل للسوق التركي مع تردي العلاقات خصوصا بعد قضية الكاتب جمال خاشقجي.
السعودية أيضا عدلت في سياستها الخارجية وتحالفاتها ودقت أبواب خصوم تركيا، وهم كثر في المنطقة وخارجها. في المتوسط، هناك علاقة دافئة اليوم بين السعودية واليونان تطال الجانب الاقتصادي كما العسكري، وتؤرق إردوغان. هناك تحسن في العلاقة مع قبرص أيضا، وتمسك بالتحالفات التقليدية مع مصر والإمارات العربية المتحدة.
الحاجة التركية إلى مصالحة إقليمية مع كل من مصر والإمارات والسعودية هي أكبر من حاجة هؤلاء لذلك بسبب عزلة إردوغان إقليميا ودوليا. فحروب المرتزقة من الشمال السوري إلى كاراباخ إلى طرابلس قد تكون نجحت في تقوية نفوذ تركيا العسكري، إنما كان لها رد فعل شبه كارثي على الاقتصاد التركي المتهاوي اليوم، وعلى جمع خصوم تركيا من إسرائيل إلى اليونان في قارب واحد.
من هنا يحاول إردوغان جاهدا الانعطاف بسياسته وإرساء مصالحات تكتيكية لكسر التحالفات الجديدة بين دول عربية مع إسرائيل ومع اليونان بغرض حماية مصالحه النفطية في شرق المتوسط، وتخفيض أعبائه الاقتصادية.
أميركا لم تعد تنظر لتركيا كحليف أساسي بل هي شريك ضروري، والدليل على ذلك كان انتظار جوزيف بايدن 92 يوما قبل الاتصال بإردوغان، وبعدها إصدار بيان مقتضب من أربع سطور حول المكالمة.
أما الاتحاد الأوروبي وحلف الشمال الأطلسي فقد فقدوا ثقتهم بإردوغان منذ وقت طويل، ولكن يدركون أهمية اللاعب التركي للخروج من أفغانستان ولتفادي أزمات في ملفات اللاجئين وشرق المتوسط.
الحوار التركي-السعودي والتركي-المصري هو حوار مصالح وليس حوار ثقة. فمصر تريد تسلم قيادات الإخوان بعد الهروب الآلاف من المنظمة إلى تركيا في 2013، والسعودية تراقب، ولكنها هي غير مستعجلة لهكذا مصالحة.
إردوغان أهدر سياسة “الصفر مشاكل” منذ عقدين وهو يحاول إعادة احيائها اليوم بعد “غرق البصرة”. أي مصالحة ناجحة ستتطلب تفاهمات اقتصادية وإعلامية وعسكرية واضحة حول الوجود التركي في دول عربية، وحول تحريض أنقرة بشكل مباشر وعبر حركات إسلامية ضد هذه الأنظمة.
الكرة هي في ملعب تركيا، إذ أن دول الخليج ومصر لديهم تحالفات جديدة وبدائل عن أنقرة، وإعادة بناء الثقة بإردوغان ستتطلب أكثر من بيانات المجاملات وعلب الحلقوم التركية.
المصدر: الحرّة