الواقع السوري بين الإحباط والتحدي سوريا تنزف دماً يومياً وتتناسل مأساتها وتشعر بثقل الغياب العربي
الحرب السورية خلفت دمارا هائلا، بعدما اختار النظام المواجهة العسكرية لصد الاحتجاجات المطالبة برحيل الأسد ( أ ف ب)
يحار الناظر إلى وضعنا كعرب، بين الحال الهزلية للانتخابات الصورية التي يتحضر لها نظام الأسد، ومشهد المصالحة الخليجية، وجاءت في واحدة من أدق وأصعب لحظات التحدي الإقليمية والدولية.
ونحن في سوريا التي تنزف دماً يومياً وتتناسل مأساتها، كما لم يسبق لدولة وشعب، لم نشعر يوماً بثقل الغياب العربي، كما شعرنا به خلال السنوات الأخيرة من عمر النكبة التي حلّت بنا، فالغياب العربي كان وما زال من الأسباب التي مكنت الدول الإقليمية والقوى الدولية من ملء الفراغ سواء بالشعارات الفارغة، أو بالوجود العسكري والأمني الذي صادر مساحات السياسة، وقسّم سوريا بين احتلالات متجاورة ومتزامنة، كما لم يسبق لدولة في تاريخ المعمورة، وأزعم أن كثيراً من الاحتلالات التي غطت الجغرافيا الطبيعية والسياسية لسوريا، ما كانت لتبسط سلطانها على أرض سوريا وسمائها لولا مغادرة الأشقاء العرب الفضاء السوري.
من ناحية أخرى، رأينا حراكاً دبلوماسياً عالياً من تركيا باتجاه المملكة العربية السعودية ومصر المحروسة ثم الإمارات، والسياسة الجديدة لتركيا بتصفير مشكلاتها مع المنطقة العربية، والبدء بعلاقات طبيعية متوازنة وقابلة للتطور مع العرب.
وبناء عليه، فإن العام 2021 هو عام خفض التوتر والتصعيد في المنطقة وبناء تفاهمات بين دول الإقليم، ونحن نعتقد أنها فرصة لتحريك الملف السوري بمبادرة عربية تقودها السعودية ومصر وقطر لما لها من تأثير في الملف السوري في داخل سوريا وفي الخارج، وبهذا فإن العالم العربي يستطيع استعادة دوره الطبيعي والإيجابي في سوريا.
والواقع أن الذي صنع من الركود حراكاً استثنائياً، ومن الاشتباك الخليجي الذي امتد لعقود، مصالحة تاريخية، قادر بلا شك على نسج طرح خليجي يشكل نواة لمبادرة عربية تلاقي بعض الجهود الدولية الراغبة، فعلاً لا زعماً، في إخراج سوريا من حمام دم، فحال السوريين اليوم كأنها تقول للعرب كما قال الشاعر العربي القديم:
“أضاعوني وأي فتى أضاعوا * ليوم كريهة وسداد ثغرِ”.
علماً أن المقتلة السورية أسهمت في تمزيق العالم العربي وتقويض كثير من فرص النهوض بمشروع يغادر حال انعدام الوزن التي تلازمنا، وعندما اختصر هنري كيسنجر معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي، أوجزها بمقولة “لا حرب بلا مصر، ولا سلام من دون سوريا”، فسوريا التي تعتبر باب السلام بين العرب وإسرائيل، هي أوسع بوابة لسلام العرب أنفسهم وسلمهم، وانطلاقاً من ذلك وبعيداً من كل أشكال المحاباة والمجاملة، نتوجه إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، آملين منه وقفة تاريخية قد يكون الوحيد القادر على هندستها وتنفيذها، لأن الذي ألهم الشباب وهندس نهضة السعودية الحديثة، ثم كان عراب المصالحة الخليجية وصانع المبادرات القياسية، لن يعدم وسيلة لإطلاق مبادرة تفتح ثغرة في جدار اليأس الذي دهم سوريا، بعدما توزع جزء كبير من بنيها بين باطن الأرض وأقطارها، ومن بقي من رجالها يواجه الموت مع كل نفس.
أنا على ثقة أن المملكة العربية السعودية وملكها سلمان بن عبدالعزيز والأمير محمد بن سلمان وأشقاءهم حكام مصر والخليج لن يتغيبوا عن دورهم ومسؤوليتهم، وهذا بمثابة نداء قد يغير مجرى الأحداث في حال استجاب له الأشقاء.