لودريان لبعض معاونيه: “القوّات” كانت على حق
“ليبانون ديبايت” – بولس عيسى
كشفت أوساط مطلّعة واكبت زيارة وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان إلى لبنان، أنه عبّر في محطاته السياسية عن ثلاثة استياءات:
ـ الأول من الأكثرية الحاكمة التي لا ولم تتجاوب مع المبادرة الفرنسية وعطّلتها منذ اللحظة الأولى لنطلاقتها مع تكليف الدكتور مصطفى أديب فأجهضته باشتراطها بأن تكون حقيبة المال من حصّة “الثنائي الشيعي”، بالإضافة إلى شروط سياسية أخرى في رسالة من هذه الأكثرية، تفيد بأن هذه المبادرة لا يمكنها أن تمرّ في لبنان من دون موافقة “الثنائي الشيعي” ومباركة العهد، وبالتالي، هذا ما ولّد استياءً كبيراً من هذا الفريق على أدائه وإصراره على ألا تبصر أي حكومة النور إن لم تكن تعكس هيمنة قوى الأمر الواقع على الداخل اللبناني، بعيداً عن تحقيق أي من الإصلاحات المطلوبة من الحكومة العتيدة بغية استعادة ثقة المجتمعين الدولي والعربي لكي تكون قادرة على إخراج لبنان من أزمته.
ولفتت الأوساط، إلى أن هذا الإستياء الفرنسي من هذه الأكثرية يأتي فقط نتيجة سلوكها وطريقة تعاملها مع الواقع السياسي في لبنان وكأن البلاد بألف خير، من دون أن تأخذ بعين الإعتبار الوقائع والمستجدات التي تفيد بشكل واضح وصريح بأن حكومة اللون الواحد المموّهة التي ألّفتها لم تتمكّن من أن تعبر الحدود اللبنانية لاستجلاب المساعدات الخارجية، وبالتالي يحمّل الجانب الفرنسي فريق الأكثريّة الحاكمة مسؤولية إجهاض مبادرته.
ـ الإستياء الثاني الذي عبّر عنه لودريان، هو من الرئيس المكلّف سعد الحريري، الذي يعتبر أنه يرفض التقارب مع العهد، ويصرّ على مواقف سياسية تصعيدية في هذا الإطار لاعتبارين: الأول شعبوي سنيّ، علماً أنه بنظر الجانب الفرنسي لو أبدى الحريري بعضاً من المرونة، لكان هناك إمكانية لتأليف الحكومة، أما الإعتبار الثاني، فمرتبط بتقاطعه مع “الثنائي الشيعي”، وتحديداً الرئيس نبيه بري، الذي لا يريد أن يعقد تسوية مع العهد بشروط الأخير، حيث اعتقد الحريري أنه يستطيع الإستقواء على العهد تحت وطأة الأزمة الإقتصاديّة، لذا واصل في رفع سقف شروطه السياسية، متكئاً على “الثنائي الشيعي” الأمر الذي ساهم بشكل كبير في عدم تأليف الحكومة.
وأوضحت الأوساط، أن الإستياء الفرنسي من الحريري لم يقف عند هذا الحد، وإنما هو مرتبط في إعطاء الرئيس المكلّف موسكو دوراً في لبنان موازياً للحجم الذي كان أعطاها لباريس، من دون أن تكون هناك ضرورة لذلك، وكأنه يقول لباريس بأن لديه بديلاً عنها في الساحة اللبنانية، الأمر الذي زاد من منسوب الإستياء الفرنسي منه.
ـ الإستياء الثالث الفرنسي، بحسب الأوساط، هو من المجتمع المدني الذي راهن عليه الرئيس إيمانويل ماكرون في خلال زيارته إلى لبنان بعد ،انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي حيث أصرّ على الإلتقاء بالمواطنين في شوارع بيروت، وبالمجتمع المدني في قصر الصنوبر، وقال يومها: إن أي مساعدات ستأتي إلى لبنان من خلال جمعيات، وليس عبر الجهات الرسمية لغياب الثقة بالمسؤولين اللبنانيين. وقد عبّر الموفد الفرنسي عن خيبة أمل باريس من المجتمع المدني الذي لم يتمكن من أن يأتلف وأن يوحّد صفوفه، وأن يتّحد تحت عنوان سياسي واحد، ولم يتمكن من أن يبدّل في المعادلة على أرض الواقع، فالتظاهرات توقّفت ولم تُستأنف حتى على أثر الزلزال السياسي الذي أحدثه انفجار 4 آب، واستمر غياب الحركة في الشارع وتأثير هذا المجتمع المدني الشعبي وهو مستمر من خلال بعض البيانات السياسية.
ورأت الأوساط، أن الإستياء الفرنسي من المجتمع المدني مردّه لفشل رهانها على هذا المجتمع، بحيث وجدت أنه غير قادر على تحمّل المسؤوليّة ومواجهة المنظومة الحاكمة، الأمر الذي أوصل باريس إلى خلاصة في أن التغيير في لبنان عن طريق هذا المجتمع المدني أمر مستحيل في ظل غياب القوّة الوازنة القادرة على تشكيل رافعة شعبية لأي حراك تغييري.
على خط آخر، أكّدت الأوساط، أن سبب حصر الموفد الفرنسي لقاءاته بالمسؤولين المعنيين بتشكيل الحكومة، هو من أجل إيصال رسالة الإستياء الفرنسي لهم، أما لقاءه مع بعض القوى من المجتمع المدني فمردّه لمحاولة حثّ هؤلاء للمرّة الأخيرة، وإعطائهم فرصة أخيرة بعد خيبة الأمل الكبيرة من أدائهم.
أما بالنسبة لعدم لقاء الموفد الفرنسي مع مسؤولين من حزب “القوّات اللبنانية” فمردّ هذا الأمر هو أن “القوّات” واضحة منذ اللحظة الأولى، بأنها ضد أي حكومة في ظل استمرار وجود الأكثرية الحاكمة، وهي كانت قد أبلغت هذا الأمر مسبقاً للرئيس الفرنسي نفسه، الذي كان قد تمنى عليها بأن تكلّف الدكتور مصطفى أديب ورفضت هذا الأمر، في حين أن “حزب الله” نفسه تماشى مع هذا الطلب وكلّف أديب، إلا أن “القوّات” بقيت على موقفها الواضح ورفضت هذا الأمر.
وقد أثبتت وجهة نظر “القوّات”، بحسب الأوساط، أنها كانت على صواب بأن ما من خيار عملي متاح في سبيل التغيير ومحاولة إنقاذ البلاد إلا عبر تغيير الأكثرية الحاكمة، الأمر الذي لا يمكن القيام به سوى عبر الإنتخابات النيابية المبكرة، لذا عدم لقاء الموفد الفرنسي مع “القوّات” مردّه أنها خارج كل هذا النقاش وكل هذا الصراع وموقفها واضح في أن الأولويّة يجب أن تكون للتغيير من أجل الخروج من حال الإنسداد الذي يسرّع الإنهيار.
وختمت الأوساط، معتبرةً أن الخطأ الكبير الذي ارتكب هو بأنه لم تعتمد وجهة نظر “القوّات” من هذه المسألة، وما دعت إليه مراراً وتكراراً، حيث تثبت الظروف يوماً بعد يوم للجميع في الداخل والخارج أنها منذ البداية كانت على حق، وقد بدأت اليوم عواصم القرار تعترف بذلك، وحتى وزير خارجية فرنسا نفسه أردف إلى بعض معاونين أن “القوّات” كانت على حق.