تحقيقات - ملفات

سلامة يضغط على الحكومة: وقف الدعم نهائياً

يريد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقف دعم الاستيراد نهائياً. وهو في آخر تهديداته للحكومة أعطى «فترة سماح» أخيرة تنتهي في أيار. انطلاقاً من هنا، عرض على الحكومة أن توزّع بطاقات تمويلية بالدولار، تُريحه من «همّ» الاستيراد، وتُموَّل من أموال القروض والهبات الدولية… التي لا يملكها بعد. طروحات مصرف لبنان، ومقاربة الحكومة، تدلّ على عشوائية قاتلة في التعامل مع موضوع حسّاس، سيدفع الغالبية العظمى من السكان إلى ما دون خط الفقر

 

وعد رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسّان دياب، أن لا يُرفع الدعم عن استيراد السلع الرئيسية قبل إصدار بطاقة تمويلية. ثمّ أعلن أنّ البطاقات ستُمكّن كل أسرة مؤلفة من 4 أفراد من الحصول على 137 دولاراً أميركياً / شهرياً. يُحاول دياب – ولو مُتأخراً – إيجاد مخرجٍ للأزمة، بنيّة تأمين نوعٍ من الحماية للسكّان. إلا أنّه لم يتنبّه إلى «ثغرة» رئيسية، وهي أنّه باع جِلد الدبّ قبل صيده. مصرف لبنان هو الجهة التي ستؤمّن ضخّ الدولارات في البطاقات التمويلية، بصفته مصدر تمويل الدولة الوحيد بالدولار الأميركي، ولكنّ الحكومة قرّرت الانتقال من دفع المساعدات بالليرة إلى الدولار، قبل ضمان التزام الحاكم رياض سلامة بقرارها. ربّما اطمأن دياب إلى الغطاء السياسي الذي نالته البطاقة من رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ودعم فريق رئاسة الجمهورية لها، حتّى يعتبر أنّ درب إقرارها وتمويلها سالكة، مُتناسياً أنّه يتعامل مع موظّف حكومي – حاكم البنك المركزي – مُتمرّد على كلّ القوانين والقرارات، يُسيطر على «مفتاح الخَزنة»، فيستغلّه للتسلّط على حياة السكّان، وابتزاز القوى السياسية.

لا قيمة لدى المُشتبه به باختلاس وتبييض أموال لكلّ اجتماعات وخطط الحكومة، طالما أنّ التوجّه لديه محسوم «بالتوقّف نهائياً عن دعم الاستيراد، حتى لتأمين حاجات كهرباء لبنان التشغيلية»، تقول مصادر المجلس المركزي لمصرف لبنان. وتُضيف بأنّ حساب الاحتياطي بالعملات الأجنبية في «المركزي» (أي دولارات المودعين التي أودعتها المصارف لديه لقاء فائدة سنوية) تدنّى إلى «قرابة الـ15.8 مليار دولار، بالتالي لم يعد بإمكانه التصرّف بأكثر من 800 مليون دولار قبل أن يمسّ بالاحتياطي الإلزامي المُحدّد حالياً بـ15 مليار دولار (بعد أن انخفضت الودائع بالدولار إلى ما يُقارب الـ100 مليار دولار)، لذلك هدّد سلامة بالتوقّف عن الدعم في آخر أيار كحدّ أقصى». وقد دعّم الحاكم موقفه بـ«نصيحة» وصلته أنّه كما اتّخذ بنفسه قرار دعم الاستيراد في أيلول 2019، وقرارات تحديد أسعار صرف مُتعدّدة، يستطيع بحُكم موقعه وصلاحياته نَقض قراره السابق من دون «تفويض حكومي». إلا أنّ مصادر المجلس المركزي تقول إنّ «تشدّد» سلامة ليس حُكماً مُبرماً بعد تركه هامشاً للتفاوض مع الحكومة، «وهو البحث في استمرار دعم القمح وأنواع أدوية مُعيّنة، لا سيّما لمرضى السرطان». في هذا الإطار، تُفيد معلومات «الأخبار» أنّ سلامة طلب «غطاءً قانونياً يُجيز له الاستمرار في استخدام أموال الاحتياطي الإلزامي، حتّى لا يُتّهم بتبديده ما تبقى من دولارات المودعين». بعد أن بدّد نحو 70 مليار دولار من أموال المودعين بطريقة مشبوهة، أدّت إلى تمويل «العربدات المالية» ومراكمة أرباح مالكي المصارف وكبار المودعين، قرر سلامة التعفف عن «الاستهتار» بمال الناس. ويُعدّ مُستغرباً أن يطلب تشريع «بدعةٍ» اخترعها بنفسه ولا ينصّ عليها قانون النقد والتسليف، وهي إجبار المصارف على إيداع 15% من قيمة الودائع بالدولار لديه.

طرح سلامة تمويل البطاقات التمويلية بالدولار، لتنال كلّ عائلة ما بين 200 و225 دولاراً

محاولات سلامة انتزاع موافقة السلطة السياسية على وقف الدعم بدأت قبل أسابيع، حين طرح «تمويل البطاقات التمويلية بالدولار، فتنال كلّ عائلة مبلغاً يتراوح ما بين 200 و225 دولاراً شهرياً، شرط أن توافق الحكومة على إلغاء الدعم نهائياً». وتُضيف مصادر وزارية أنّ سلامة اقترح تمويل البطاقة التمويلية من قرض البنك الدولي وأموال الجمعيات الدولية وقروض المشاريع الاستثمارية والمبالغ التي تصل لصالح وزارة الخارجية والمغتربين. كما تحدّث الحاكم «عن سحب 350 مليون دولار من أصل 900 مليون دولار كمساهمات متراكمة للبنان لدى صندوق النقد الدولي». تقديرات سلامة تُشير إلى أنّ هذه المصادر قادرة على تأمين ما يُعادل المليار و200 ألف دولار سنوياً. وينقل الوزراء عن الجهات الدولية «المانحة» انتقادها لهذا الاقتراح، «لأنّه عملياً دعوة لانفلات الشارع وتأجيج الاعتراض الشعبي. رفع الدعم من دون إقرار استراتيجية حماية اجتماعية، مع السماح بتوسيع سطوة السوق وتحكّم التجار بالأسعار، يُعدّ انتحاراً حتى لدى المنظمات الرأسمالية المتوحشة». فتُذكّر المصادر الوزارية بتلاعب التجّار والمستوردين بأسعار السلع خلال الأشهر الماضية، «في عزّ دعم مصرف لبنان الاستيراد بما بين 85% و90%. زادوا الأسعار على المُستهلكين كما لو أنّ كلّ استيرادهم يتمّ على أساس سعر الصرف غير الرسمي، فكم ستبلغ كلفة السلع حين يتوقف مصرف لبنان كلّياً عن الدعم وبغياب الرقابة؟». ولكن ألا يُفترض بمنصّة الصرافة التي اتُّفق قبل أكثر من شهر على إطلاقها، لتبيع الدولار للمستوردين عبر المصارف التجارية وفق سعر صرف 10 آلاف ليرة للدولار، أن تحلّ هذه المعضلة؟ تردّ المصادر الوزارية بأنّ «المصارف الكُبرى ما زالت رافضةً ضخّ الدولارات، والبنك المركزي قال إنّه قادر على المساهمة بقرابة المليار ونصف مليار دولار أميركي في المنصة ليضبط السوق، على أن يختار هو التوقيت المُناسب لتدخلّه، فمن أين سيُؤتى بالعملة الأجنبية لبيعها للتجّار؟ الدولار المعروض على المنصة لن يكفي كلّ الطلب، فيضطر التجّار للجوء مرّة جديدة إلى الصرّافين، ما سيؤدّي إلى المزيد من الانهيار في سعر صرف الليرة، وغلاء الأسعار».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى