أوساط ديبلوماسية: الموقف اللبناني مُنقسم الى تيّارين.. فيما العدو الإسرائيلي مُستعجل لاستئناف المفاوضات!!
دوللي بشعلاني-الديار
المجموعات المدنية دعت الى لقاء بعد ظهر السبت في ساحة الشهداء للمطالبة بالإسراع في تعديل المرسوم 6433
يُحاول العدو الإسرائيلي عبر الوسيط الأميركي إعادة تحريك ملف ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، وقد نقل مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل رغبته هذه باستئناف المفاوضات غير المباشرة الى المسؤولين اللبنانيين خلال زيارته الأخيرة الى لبنان. كما تبلّغ منهم جهوزية لبنان للعودة الى طاولة المفاوضات من دون أي شروط، مطالباً بالإستعانة بخبراء دوليين أي من دول الخارج لترسيم الخط. هذه المفاوضات التي توقّفت أو عُلّقت منذ نحو خمسة أشهر ونصف لأسباب مختلفة شرحها كلّ جانب الى الوسيط الأميركي.
وإذ نقلت إحدى وسائل الإعلام المحلية امس أنّ الولايات المتحدة الأميركية التي تلعب دور الوسيط فيها قد أبلغت عبر سفيرتها الأميركية في لبنان دوروثي شيا قيادة الجيش بأنّ العدو الإسرائيلي يُوافق على العودة الى طاولة المفاوضات التي واجهت صعوبات خلال الجولات الأربع التي عُقدت في مقرّ قوّات «اليونيفيل» في الناقورة بين 14 تشرين الأول و11 تشرين الثاني الماضيين، رفضت أوساط ديبلوماسية مطّلعة نفي أو تأكيد صحّة هذا الخبر. واكتفت بالقول إنّه عندما يكون هناك أي شيء رسمي يتعلّق بالعودة الى طاولة المفاوضات، فإنّ الخبر سيصدر حتماً في بيان عن مكتب الإعلام في قصر بعبدا كون موضوع التفاوض غير المباشر مع العدو الإسرائيلي محصور بيد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يُعطي ملاحظاته لقائد الجيش العماد جوزف عون، والوفد اللبناني المفاوِض.
ويقول أحد العارفين بأنّ العماد جوزاف عون لم يلتقِ السفيرة الأميركية في اليرزة إلاّ منذ نحو أسبوعين عندما كانت تُرافق هيل خلال استقباله له في 14 نيسان الجاري. وقبل ذلك بنحو شهر لدى استقباله قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال كينيث ماكنزي الذي قام بزيارة الى لبنان في 15 آذار الماضي. وكانت قيادة الجيش قد أوضحت أخيراً أنّ كلّ لقاءات قائد الجيش يتمّ الإعلان عنها ببيانات رسمية تصدر يوميّاً عن موقع الجيش الرسمي، وذلك ردّاً عن ورود خبر في إحدى الصحف المحلية منذ يومين عن لقاء عُقد بعيداً عن الإعلام بين العماد عون والسفير السعودي وليد البخاري.
وبطبيعة الحال، تقول الأوساط أكان تبلّغ لبنان الدعوة الى استئناف المفاوضات غير المباشرة أم لا، أو جرى عرض أميركي عليه أن يكون موعد الجولة الخامسة منها يوم الإثنين المقبل في 3 أيّار، فإنّه على لبنان بلورة موقف موحّد من مسألة تعديل المرسوم 6433 لكي لا يبقى هناك أي نقطة ضعف في الموقف اللبناني. فمفاوضة لبنان على الخط 29، خلافاً لما ينصّ عليه المرسوم المذكور أي الخط 23، يجعل العدو الإسرائيلي يستفيد من هذه الثغرة لصالحه.
أمّا لماذا لم يتمّ تعديل المرسوم 6433 حتى الآن من قبل الحكومة المستقيلة، علماً بأنّ من شأنه حفظ حقّ لبنان في ثروته النفطية في مساحة النزاع الجديدة التي تبلغ 2290 كلم2، فلأنّ الداخل اللبناني، على ما تُجيب منقسم الى تيّارين:
– الأول: فريق الرئيس عون والوفد العسكري والتقني اللبناني المفاوِض، الى جانب بعض الخبراء والقانونيين والاستراتيجيين. ويُصرّ على التفاوض مع العدو على أساس الخط 29، كونه الخط الصحيح والسليم تقنياً وقانونياً والذي يُدافع عن حقوق لبنان النفطية بشكل منطقي وقانوني، فيما الخطوط الأخرى تشوبها العيوب ومن بينها الخط 23، فيما الخط 310 وهمي ولا أساس لوجوده.
– الثاني: يتمسّك بالتفاوض على أساس ما يُسمّى «منطقة النزاع القديمة» اي على مساحة الـ 860 كلم2، ويرفض تعديل المرسوم على اعتبار أنّ هذا الأمر قد ينسف المفاوضات غير المباشرة برمّتها.
وعن السبب الذي يمنع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب من الدعوة الى عقد جلسة إستثنائية لمجلس الوزراء على جدول أعمالها بند وحيد هو تعديل المرسوم 6433، على ما اقترحت هيئة التشريع والإستشارات وبعض كبار المحامين في البلد على الرئيس دياب، كونه الخيار القانوني والصحيح ويهدف الى رفع الضرر الذي قد يلحق بالمصلحة العامّة في حال عدم التعديل، يقول مصدر وزاري في الحكومة بأنّ رفض توقيع الحكومة المستقيلة على تعديل المرسوم يعود الى أنّه في حال عدم حصول لبنان على حقوقه في ثروته النفطية خلال المفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي، فإنّه سيكون باستطاعة أي سياسي أو شخص معترض على الأمر، رفع دعوى ضدّ الوزراء الذين وقّعوا على تعديل المرسوم. ويتمّ عندها إحالتهم الى التفتيش ويُحاكمون على أساس «الخيانة»، في حين أنّ الملف هو اليوم بيد الرئيس عون، ولهذا يرون أنّ عليه أن يتحمّل نتائج القرارات التي سيتخذها في هذا الملف بمفرده، وليس تحميل حكومة تصريف الأعمال مجتمعة تبعات قرار كهذا.
ويوضح المصدر نفسه بأنّ العقبة الثانية تتعلّق بقانونية عقد جلسة لمجلس الوزراء أو عدم قانونيتها، ما دامت صلاحيات حكومة تصريف الأعمال المنصوص عنها في الدستور أو في «اتفاق الطائف»، تحتاج الى توضيح لا لبس فيه، ما دام كلّ فريق يُفسّرها بحسب مصلحته السياسية. ولهذا يرى بأنّه من الأفضل أن يُحال المرسوم الى مجلس النوّاب ليصدر على شكل قانون عندها تتحمّل كلّ الكتل النيابية ما قد ينتج عن هذا التعديل خلال مفاوضات الترسيم.
في المقابل، أكّدت الأوساط ذاتها أنّ الجميع يعلم بأنّ العدو مستعجل للعودة الى طاولة المفاوضات. فالباخرة اليونانية «إنرجين» تتحضّر للمجيء من سنغافورة في حزيران المقبل لشفط الغاز من حقل «كاريش»، ولا بدّ له من تأمين الأوضاع السياسية والأمنية المناسبة لها. فقد تبدّل هذه الشركة رأيها في موعد مجيئها، على غرار ما فعلت شركة «توتال» الفرنسية التي كان يجب أن تبدأ أعمال الحفر والإستكشاف في البلوك 9 في كانون الأول المنصرم، غير أنّها استفادت من قانون تعليق المهل القانونية والقضائية والعقدية رقم 160 الصادر عن مجلس النوّاب بتاريخ 8/5/2020 ما جعلها تؤخّر مسألة البدء بأعمالها أشهر عدّة. ويُحاول «الإسرائيلي» تشجيع لبنان على الموافقة على العودة الى الطاولة من خلال القول بأنّ الجمود في المفاوضات سيؤخّر بدء التنقيب عن الغاز في البلوك 9 والبلوكات اللبنانية الأخرى، وسيعيق بالتالي حصوله على المكاسب المالية المحتملة والتي يحتاجها البلد بشدّة لتحسين وضعه الإقتصادي الذي هو اليوم في أسوأ حالاته. علماً بأنّ لبنان لا يُمكنه الإستفادة مالياً من عمليات التنقيب عن النفط والإنتاج والإستخراج والبيع إلاّ بعد نحو خمس سنوات من الآن. لكنّ هذا الأمر لا يجب أن يُثنيه بالطبع عن استكمال المفاوضات ما دام يملك ملفاً قانونياً وتقنياً قويّاً، بل على العكس على القيام بما يلزم لعدم تفويت فرصة استفادته من ثروته النفطية في أسرع وقت ممكن.
وبرأي الاوساط، إنّ استئناف المفاوضات التي يريدها «الإسرائيلي» أن تُستكمل سريعاً ووفقاً لما يدّعي بأنّها منطقة نزاع، أي وفق مساحة الـ 860 كلم2 وليس الخط 29 الجديد، لكي تتمكّن شركة «إنرجين» من شفط الغاز من حقل «كاريش» الذي يدخل نصفه في منطقة النزاع الجديدة، يهمّ لبنان أن يعود إليها من حيث توقّفت أي على أساس النقاش في الخط 29. وقد كان رئيس الوفد العميد الركن الطيّار بسّام ياسين قد أعلن في وقت سابق أنّنا «نفاوض ولا نُساوم»، ما يعني أنّ لبنان يتمسّك بحقوقه ويرفض الدخول في تسوية على تقاسم ثروته البحرية.
وتساءلت الأوساط إذا ما كانت الإقتراحات الأخيرة التي قدّمها رئيس «التيّار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل عن إمكانية توسيع الوفد اللبناني المفاوِض ليشمل خبراء وديبلوماسيين وسياسيين، والإستعانة بخبراء أميركيين للترسيم، وإمكانية عقد تسوية مع العدو الإسرائيلي لتعليق التنقيب والإنتاج في الحقول المشتركة، واقتراح اقتسام الإنتاج عن طريق شركة خاصّة تتولّى التنقيب والتوزيع المشترك، والإستثمار في حقول الغاز والنفط، والحديث عن السلام وأهميته الخ… ستؤخذ بالإعتبار لدى العودة الى الطاولة مجدّداً، ما قد يجعل المفاوضات تنطلق على أسس جديدة أم لا كونها لم تلقَ ردود فعل إيجابية في الداخل؟! وهل سيقوم لبنان بالإستفادة من الوقت الضائع قبل استئناف المفاوضات لتعديل المرسوم 6433 المتعلّق بتعيين حدود المنطقة الإقتصادية الخالصة لما فيه من مصلحة وطنية وبُعد استراتيجي يُعيد الحقوق ويضع في يدّ لبنان والوفد المفاوِض «ورقة رابحة» للتوصّل الى حلّ عادل، على ما سيُطالب الحَراك والمجموعات المدنية خلال اللقاء الذي سيُقام في ساحة الشهداء الثالثة والنصف من بعد ظهر يوم السبت في 1 أيّار المقبل للمطالبة بتعديل المرسوم 6433؟!