إقراره “مظلّطاً” يعرّي الإقتصاد من الدولار الحقيقي ويشرّع الإستنسابية وعدم المساواة بين المودعين “طبخة” الكابيتال كونترول ينقصها “ملح” خطة الإنقاذ
خالد أبو شقرا-نداء الوطن
في الشكل تسجل ملاحظتان: الأولى، أن القانون قُدّم كاقتراح معجل مكرر، ولم يرفع كتقرير درسته لجنة المال ووضعت ملاحظاتها عليه. الثانية، وصف جمعية المصارف ما قُدم على أنه مشروع قانون وليس اقتراح قانون. وهنا الفرق كبير فمشروع القانون يصدر عن مجلس الوزراء الذي يرسله الى مجلس النواب للتصويت عليه واقراره، في حين أن اقتراح القانون يصدر عن النواب. وبغض النظر عن هاتين الملاحظتين الشكليتين، فان الكوارث في مضمون اقتراح القانون وردّ جمعية المصارف عليه، الذي يحمل اعترافاً ضمنياً بتوقفها عن الدفع، لا تعد ولا تحصى، رغم اقتضاب ما كتب.
يشرّع السرقة
في المضمون ينقسم مقترح القانون إلى شقين عام وتقني. في الشق العام يرى رئيس مجلس إدارة FFA PRIVATE BANK جان رياشي أنه في الوضع الحالي، وما لم يُصر إلى إعداد خطة واضحة المعالم لتوزيع الخسائر مترافقة مع Bail in وHaircut واضحين، فليس هناك من قيمة لأي قانون “كابيتال كونترول”. بل على العكس، فان إقراره يشرّع السرقة وعدم المساوة بين المودعين. أهمية “الكابيتال كونترول” برأي رياشي، تكمن في قدرته على إعادة الإعتبار للدولار الحقيقي. وطالما المسؤولون مستمرين بخطة لولرة الودائع بالدولار من غير الملائم إجراء “كابيتال كونترول”، لان دولار المصارف لديه قيمة سوقية يحددها السوق، وعندها من الافضل عدم تقييد الرساميل والإبقاء على حريتها لتحريك عجلة الإقتصاد. مثل هكذا قانون يصبح مفيداً، من وجهة نظر رياشي، “إذا ترافق مع خطة متكاملة واعادة هيكلة للمصارف، لانه يعطي فترة زمنية تسمح للاقتصاد بالتقاط أنفاسه. أما إقراره منفرداً فيعتبر مضراً وليس مفيداً إطلاقاً”.
نوعان جديدان من “اللولار”
في الشق التقني، لا يختلف الاقتراح كثيراً عما طرح سابقاً. فهو يمنع تحويل الأموال إلى الخارج، ويحصر السحوبات الداخلية من حسابات العملات الأجنبية بالليرة اللبنانية بمبلغ لا يتجاوز 20 مليون ليرة شهرياً، ويسمح باستثناءات على تحويل الأموال إلى الخارج لاغراض التعليم والاستشفاء وتسديد المتوجبات بسقف حده الأقصى 50 ألف دولار سنوياً. ويحدد من الناحية التنظيمية الأطر التنفيذية لهذا القانون وعلاقة المودعين مع المصارف، وعلاقة الإثنين مع “الوحدة” التي ستنشأ في مصرف لبنان، لمتابعة تنفيذ تطبيق القانون. إلا أنه وككل القوانين ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام التأويل في النقاط التالية:
– لم يحدد سقف السحوبات بشطور، بل عامل من يملك 10 آلاف دولار كمن يملك مليوناً.
– حدد سقف السحوبات الاقصى شهرياً بـ20 مليون ليرة (1600 دولار على سعر المنصة المعتمد حالياً اي 3900 ليرة) مع علم النواب المسبق، بان هذا الرقم قد يتآكل بعد أسابيع قليلة من رفع الدعم ويتحول إلى 500 دولار أو حتى أقل.
“وفي الوقت الذي يمنع فيه اقتراح القانون استفادة من اشترى دولارات بليراته بعد العام 2016 من سحب نسبة من الدولار النقدي توازي 50 في المئة من المبلغ المسموح سحبه بالليرة، يسمح بهذا الأمر لمن اشترى دولاراته قبل العام 2016″، بحسب المحامي المتخصص في الشأن المصرفي عماد الخازن، “الأمر الذي سيخلق إشكالية لا لزوم لها، وسيتحول إلى محط نقاش وخلاف في حال أقر الاقتراح ليصبح قانوناً. فهل هناك إمكانية لتتبع اللولارات لمعرفة تاريخ شرائها؟ وما هو مصير من حصل على أتعابه او قبض ثمن منتج بشيك بالدولار وأودعه في حسابه؟ ونفس الأمر ينطبق على التاجر الذي لا يزال يقبل الدفع بواسطة البطاقات المصرفية، هل يتوجب عليه طلب شهادة منشأ للدولارات التي سيتقاضاها لمعرفة تاريخ شرائها؟؟ وبهذا يخلق المشرع بحسب الخازن نوعين من اللولار: لولار نوع “باب أول” نتج عن تحويل المبالغ من الليرة إلى الدولار قبل العام 2016، ولولار “باب ثانٍ” ناتج عن تحويل الليرة إلى دولار بعد العام 2016.
سعر الصرف غير محدد
الإشكالية الثانية التي لا تقل أهمية هي عدم تحديد المشرع سعر الصرف المعتمد في السحوبات بالليرة وبالدولار. فهل تسحب الـ20 مليون ليرة على أساس 1500 أو 3900 أو السعر الجديد للمنصة؟ فالمقترح ذكر أن السحب سيكون بحسب سعر المنصة وتبعاً للسقوف التي يحددها مصرف لبنان، يعني جرى “تمييعها”، بحسب الخازن. و”ترك مرة جديد لكل مصرف تحديد السقوف التي تناسبه. حتى السحوبات المسموحة بالدولار النقدي، والتي تبلغ بحسب اقتراح القانون 50 في المئة من قيمة السحوبات بالليرة اللبنانية المشار اليها في الفقرة 2 لم تحدد قيمتها الفعلية”.
لم يرضِ المصارف
هذا القانون غير العادل والسابق للإصلاحات يقفل “فم” المودعين، و”يجرّدهم من أبسط حقوقهم للمطالبة بأموالهم، سواء كانت المطالبة أمام القضاء أو في التحركات والاعتصامات الشعبية، ويمنعهم من إمكانية المفاوضة مع المصرف لسحب نسبة من الودائع”، يقول نائب سابق. و”مع هذا، لا يعجب المصارف على الرغم من انه يحميها. لان المصارف ببساطة، مفلسة. وما ملاحظاتها على اقتراح القانون سوى دليل على ذلك”.
بكل صراحة أعلنت جمعية المصارف في ردها على المقترح أن التزاماتها الخارجية أكبر من موجوداتها الخارجية، والعجز يقدربـ 1.7 مليار دولار. ففي حال كانت عيون المشرعين مسلطة على إعادة تكوين الودائع في المصارف المراسلة لتغطية السحوبات بالدولار، فان الجمعية تعتبر أن “نسبة 3 في المئة التي “تسعى لتكوينها”، محكومة بموجب الحفاظ عليها لإعادتها عند استحقاقها، وبالتالي لا تستطيع استخدامها. واذا كان لا بد من تسهيل السحوبات فيجب “التضييق بالاستثناءات” بحسب ملاحظات الجمعية، و”تقليل المبلغ من 50 ألف دولار إلى 20 ألفاً، مع تعهد طالب التحويل انه ليس لديه إيرادات كافية في الخارج لتغطية إلتزاماته. أما عن التمويل فيجب أن يكون برأي الجمعية من ودائع المصارف الحرة بالعملات الأجنبية لدى المركزي والمقدرة بـ 1.8 مليار دولار، الناتجة عن انخفاض الودائع بنسبة 12.5 مليار دولار منذ تشرين الأول نهاية العام 2019 ولغاية شباط 2021.
“المصارف التي تنام على حرير تسديد الودائع بالليرة على سعر أقل بـ70 في المئة من قيمتها الحقيقية ستكون الخاسرة الأكبر في حال إقرار أي كابيتال كونترول”، بحسب المستشار المالي د. غسّان شماس. ومن مصلحتها عدم إقراره في أي شكل من الأشكال لسببين رئيسيين:
الأول، لكي تضمن استمرار استنزاف المودعين لأرصدتهم على سعر صرف مجحف حتى تصفير هذه الحسابات، لدرجة تنتفي معها وضعية المصارف المأزومة حين تنتهي كميات اللولار الموجودة في الحسابات.
الثاني، من شأن “الكابيتال كونترول” الحد من قدرة المصارف على تلبية سحوبات بعض المتمولين كميات كبيرة من الأموال بالليرة التي تضارب على الدولار وترفع سعر الصرف. وبالتالي تخفيض مطلوبات المصارف بنسبة أكبر.
وبحسب شماس فان “المصارف مستفيدة من عدم وجود قانون لـ”الكابيتال كونترول” ليس لانها تفتقد إلى السيولة بالعملة الأجنبية فحسب، بل لعدم اضطرارها لاستخدام اموالها في الخارج وممتلكاتها وأصولها وأموال أصحابها واعضاء مجلس إداراتها. من هنا كلما “دق كوز” مطالبة المودعين بـ”جرة” أموالهم المحتجزة، تتمترس المصارف وراء “دشمة” لوم المركزي، مطالبة إياه بارجاع ودائعها وفرق الاحتياطي الالزامي. مع العلم ان تخفيض الودائع تم تسديده من خلال الدفع بالليرة اللبنانية والمساعدة على رسملة المصرف بالليرة على 3900″. وحسب رأيه “فإن كان هناك من شك، فلتفتح المصارف دفاترها وتظهر جردة ميزانياتها بشكل مفصل ودقيق، وعندها لكل حادث حديث”.
“الكابيتال كونترول” لكي يكون مجدياً للمودعين والإقتصاد يجب أن يقر، بحسب الخبراء، على ضوء معادلة وطنية مربوطة بثلاثة عناصر: توزيع الخسائر، احتساب الحاجات للسيولة للفترة القادمة، وخطة وطنية لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح.