بطاقة الفقراء تبحث عن ممول وسيناريو رفع الدعم يلهب الأسعار: هل يتجاوز البنزين الـ 100 ألف؟
نوال الأشقر -لبنان24
في البداية كان مطلب ترشيد الدعم بهدف ضمان استمراريته لأطول فترة ممكنة، لكنّ الحكومة تجاهلته هربًا من اتخاذ قرار غير شعبوي، وفضلت تركه هديّة للحكومة المقبلة، ومضت بسياسة دعم ثلاثية السلع الحيوية، المحروقات والقمح والدواء، وأضافت إليها سلّة غذائية موسّعة شملت الكاجو وأخواته من أصناف لا تمت للضروريات بصلة.
سلّة وزير الإقتصاد هذه لم يصل منها إلى المواطن سوى قلّة قليلة، وغالباً ما تمّ إعادة تصدير المواد المدعومة أو تهريبها إلى بلدان أخرى. وكرم الحكومة لم يكن من خزينتها الفارغة، بل من احتياطي مصرف لبنان بالعملات الصعبة، أي من أموال المودعين، فهدرت مليارات الدولارات على سياسة دعم فاشلة لصالح التهريب والإحتكار. علمًا أنّ مصرف لبنان كان قد وجّه أكثر من كتاب إلى الحكومة، أبلغها عدم قدرته على الاستمرار بتأمين الدعم نتيجة نفاد الإحتياطي، ونظراً لعدم جدوى الدعم بسبب الهدر الكبير الناتج عن عدم إمكانية ملاحقة المتلاعبين والمهرّبين للمواد المدعومة.
الحكومة الموعودة لم تبصر النور ولا بوادر توحي بقرب تأليفها، بالمقابل مصرف لبنان استنزف احتياطه، ولم يعد قادرًا على تمويل أيّ دعم أو ترشيده حتّى، من دون المس بأموال الإحتياطي الإلزامي. أمام هذا الواقع وجدت الحكومة نفسها ملزمة باتخاذ قرار حاسم، فأعدت مشروع البطاقة التمويلية. لكن قرارها المتأخر كبّد مصرف لبنان 5 مليار دولار سنويًا، هُدرت من أموال المودعين، في وقت كان بالإمكان تحقيق وفر كبير، لو تمّ ترشيد الدعم وحصره بفئة الفقراء دون سواهم.
مشروع الحكومة لم يصل بعد إلى مجلس النواب بحسب ما أكّد رئيس لجنة الإقتصاد النيابية النائب فريد البستاني في اتصال مع “لبنان 24” قائلًا “نحن بانتظار جواب الحكومة، بحيث ستقدّم مشروع رفع الدعم بالتوزاي مع البطاقة التمويلية، ومجلس النواب سيدرس المشروع فور وروده من الحكومة، ويقرّه خلال فترة قصيرة”. هذا الخيار ،برأي البستاني، كان يجب أن يتّخذ في شباط الماضي وليس اليوم “فالدعم بالطريقة التي اعتمد بها كان قرارًا خاطئًا كونه لم يصل إلى المحتاجين”.
عدم وجود داتا موحّدة للأسر الفقيرة ليست الإشكالية الوحيدة التي تواجه الحكومة، فهناك المعظلة الكبرى في كيفية تمويل البطاقة. في السياق يلفت البستاني إلى أنّ التمويل المتوفر حاليًا هو قرض البنك الدولي بقيمة 264 مليون دولار، ولا يكفي لأكثر من 200 ألف عائلة بحّده الأقصى “لذلك نعمل على سيناريوهات عدة للتمويل، بطبيعة الحال سنحتاج إلى مصادر أخرى، ولكن لا قرار بعد بهذا الموضوع، بانتظار أن يُرسل المشروع إلى المجلس النيابي ونناقشه”.
بدوره لفت الباحث الإقتصادي المهندس ادمون شماس في حديث لـ “لبنان 24” إلى حاجة البطاقة لمصادر تمويل خارجية، مشككًا بإمكان توفيرها في الوقت الراهن “كما لا يمكن تمويلها من خلال طبع المزيد من العملة الوطنية، لأنّ ذلك سيؤدي إلى تضخّم مفرط، وسيقفز سعر الصرف إلى أرقام جنونيّة. في الوقت نفسه لا مصادر تمويل خارجية، وتمويلها من قبل مصرف لبنان يعني مدّ اليد إلى الإحتياطي الإلزامي”.
انطلاقًا من هنا، اعتبر شماس أنّ قرار رفع الدعم أتى متأخرًا جدًا “حاكم مصرف لبنان لم يتخذ قرار وقف هدر المزيد من أموال المودعين، وكذلك الحكومة، وكأنّ هناك عملًا ممنهجًا ليصل البلد إلى مرحلة الخراب، بحيث كلّفت سياسة الدعم 6 مليار دولار سنويًا، استفاد منها التجار الكبار على حساب أموال المودعين، ولو استبدلت في حينه بمبلغ نقدي بقيمة 1.2 مليون ليرة إلى 500 عائلة، لبلغت الكلفة السنويّة 850 مليون دولار، وكنّا قد حقّقنا وفرًا بأكثر من 5 مليار دولار سنويًا”.
سيناريو رفع الدعم بشكل كلّي أو جزئي سيقابله ارتفاع جنوني في الأسعار، تصبح معه البطاقة التمويلية بلا جدوى. على سبيل المثال لا الحصر رفع الدعم كليًّا عن البنزين سيجعل الصفيحة خاضعة لتسعير السوق الموازية، بحيث سيتجاوز سعرها عتبة الـ 130 ألف ليرة، ونظرًا لارتباط البنزين بالكثير من السلع الأخرى، وغياب سياسة ضبط الأسعار، ستقفز أسعار مجمل السلع الأخرى إلى حدود خيالية، فهل نحن عشية انفجار اجتماعي كبير؟ وهل يستقيم تشدّق البعض بمعزوفة “حقوق المسيحيين” والتلطي خلفها لتحقيق مآرب شخصية في زمن الجوع والعوز ؟ إلا تستدعي حقوق اللبنانيين التخلي عن الأنانيات والطموحات الشخصية والذهاب فورا لتأليف حكومة تنقذ اللبنانيين من الجحيم القادم؟