حصار لبنان… السعودية تلاحق بيئة “حزب الله “
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
لم ولن يُسفر إجتماع بعبدا عن شيء ما دام القرار المُتّخذ لدى المملكة العربية السعودية هو “معاقبة لبنان”. السعودية تعلم، كذلك يعلم اللبنانيون، أن خطوتها “العقابية الزراعية” لا تأتي سوى من خلفية كيد سياسي موجّه ضد طرف لبناني بحدّ ذاته، ولو أنه غير ذلك، أو يأتي في سبيل حماية المملكة وحدودها، لكانت أقصر الطرق الفعّالة تكمن في زيادة مستوى التنسيق الأمني ورفعه، لا ممارسة القطيعة وفرضها بقوة الحضور على بيروت!
أسلوب نمّو الإتهام من وراء “شحنة الرمّان”، يُفصح عن هوية الجهة التي تتقصّد السعودية الهجوم عليها أو توريطها بالقضية. طوال مدة اكتشاف “الشحنة” ما هدأت وسائل إعلام السعودية، وتلك الدائرة بفلكها، ونزولاً إلى الجيوش والذباب الإلكتروني، من قذف الإتهام تجاه “حزب الله”، بوصفه صاحب مصلحة في بعث “إرساليات” الفواكه المضروبة بالكبتاغون إلو المملكة. وسريعاً بدأ يتم تسويق الربط بين “التهريب الشرعي”، الذي يُراد أن يكون سلاحاً بديلاً للردّ على خطوات الحصار والتجويع المتبعة، وبين إرسال شحنات المخدرات، بوصفها نوع من أنواع المقاومة!
وقد اتّضحَ، أن ثمة آلة أو ماكينة تعمل بنشاط، وقد نبشت كل التفاصيل التي تُستخدم ويمكن أن تُستخدم في سياق محاولة تشويه صورة الحزب، من سيطرته المزعومة على الساحة الداخلية بقوة السلاح وتظهيرها على أنها مطلقة التصرّف إلى الحدود ومفاتيح التهريب والمعابر المفتوحة، وقد زُجّت على نحوٍ واضح في المعركة ،على أمل أن تكون مواد إثبات لضلوع الحزب في “إرسالية الرمّان”.
وقد لوحظَ على مدار الأيام التي تلت “الإكتشاف” العظيم، أن تعمّد الإعلام الخليجي والسعودي تحديداً، التركيز على مسألة قدرات “حزب الله “وحضوره الداخلي، يُراد منه ممارسة التجييش الدولي ضده، على اعتبار أن الحزب بات يتخّذ من لبنان منطلقاً لعمليات مزعومة تتصل بالمخدرات، التي يُتّهم “إعلامياً” بالإتجار بها لتأمين سيولة نقدية بالدولار الطازج، مما يشكّل تهديداً لدول الجوار، تريد السعودية الإيحاء من وراء ذلك أن الحزب، بات يلجأ لممارسة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، والتي تحتاج في سبيل إنهائها إلى تدخّل ما، وهو نوع مستجدّ من سياسة التحريض والحرتقة المُمارسة من قبلها، والإنتقال إلى موجة ثانية من أسلوب الحصار على لبنان، والحرب على المقاومة.
ومحاولات التجييش ضد “حزب الله” ما هدأت أصلاً. بدأت القضية ضمن أطر سياسية وعسكرية سابقاً، وتطوّرت لاحقاً، حين كانت الرياض تتعمّد إقحام الحزب في مسألة النزاع مع الحوثيين في اليمن بوصفه صاحب شور عليهم، وتعمل على تصريف غايات وأهداف لها في لبنان لكي تستفيد من اليمن. وبالتوازي مع ذلك، كانت تمارس سياسة الضغط الأقصى على لبنان، لسبب واحد، أن الحزب وحلفاءه، يحوزون الأغلبية البرلمانية والسياسية، ولذلك، لا محال أن تسمح السعودية بإتاحة الفرصة للبنان كي ينهض بوصف من يحكمه عدواً، لذا عليها معاقبة من انتخبهم وجعلهم أغلبية سياسية، وهذا بالطبع ينسحب على الشعب المعاقب بدوره، بفعل انعكاس كل تلك السياسات عليه مباشرة. والآن تصبّ الرياض جام غضبها على الحزب الذي أفقدها التوازن على صعيد المنطقة، باستغلال “الملف الزراعي”، وهنا، لا يمكن فصل قرارها العقابي عن واقع علمها أن بيئة “حزب الله” أو المقاومة ككل، يشكّلون قوة التأثير في المسار الزراعي المحلي، وأن بيئة الحزب الأوسع هي في الأساس بيئة زراعية.
وإذا اخترنا الغوص أكثر في المسائل، لأمكننا العثور على رواسب نزاعات مستقبلية، تُحضّر السعودية نفسها لها جيداً. فهي تعلم، أن بيئة الحزب ومؤيديه يمثّلون الشريحة الزراعية اللبنانية الأوسع، لذا لا مانع من معاقبتهم وزيادة الحصار عليهم، بخلاف الحجة! ثم أنها تُدرك، أنه وبالنظر إلى تعقيد المشهد الإقتصادي وكلفة الإنهيار، انبرى الحزب وبيئته إلى إعداد الخطط لإنشاء “اقتصاد بديل” قائم على الزراعة ليساهم لاحقاً في رفد تلك البيئة ببدائل مالية متوفرة، وإذا ما قدّر وحصل ذلك، بطبيعة الحال ستأتي السعودية على رأس لائحة المستهلكين لكونها مصدر استيراد أساسي للمنتجات اللبنانية، فهل أنها تخطّط منذ الآن لتقويض حضور هذه الخطط أو فرض شروط عليها بهدف تأمين باب للمقايضة لاحقاً؟
عملياً، سياق الإستثمار السعودي في أي ملف على صلة بالحزب ومحاولات الإستفادة منه لأغراض سعودية، مسألة ليس من مجال لإنكارها. قبل مدّة قصيرة حاولت الرياض مقايضة ملف الحكومة اللبنانية العالق بقضية معركة مأرب في اليمن، إنطلاقاً من اعتقاد سعودي يفيد أن “حزب الله” يمكنه الفرض على الحوثيين أو التأثير على مسارهم عبر الضغط عليهم او دفعهم نحو التراجع. سقطت الفكرة نتيجة عدم ترابط المسارات، إلى جانب عدم اعتماد الحزب لهذه الوسيلة في العلاقة مع حلفائه، والآن يعتقد البعض أن منطق المقايضة السعودية حيال ملف مأرب، ربما يكون قد عاد من بوابة الملف الزراعي وقرار منع دخول المنتجات الزراعية اللبنانية إلى أراضيها، فهل أن السعودية تؤسّس إلى محاولة مقايضة جديدة في سرّها؟
ويغذّي هذه الفكرة، ما صرّح به رئيس تجمّع المزارعين والفلّاحين في البقاع إبراهيم الترشيشي غداة “أزمة الرمّان”، إذ قال أن “السعودية تستورد وحدها ما يزيد على 50 ألف طن سنوياً من الإنتاجات اللبنانية الزراعية”، وقد قدّرها بمئات ملايين الدولارات يجنيها لبنان من هذه التجارة سنوياً من السعودية، والتي تعود بالإفادة على بيئة تعتبرها الرياض معادية، وهو ما يوصل إلى فكرة واحدة لا غبار عليها، وهي أن خلفية القرار السعودي نابعة من ممارسة ضغط اقتصادي ذات ميول سياسية، يأتي من زاوية شحّ الأموال وحاجة لبنان إلى الأموال الطازجة، وهو ما يجدّد التأكيد أن الرياض لها أهداف أوسع وأبعد من مسألة التفتيش عمّن أدخل شحنة مخدرات إلى المملكة!