“راعي الكلّ” يملأ الفراغ… ويبادر لإيجاد حلّ مع السعودية
خرقت زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى قصر بعبدا ولقاؤه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الجمود الحاصل في الملف الحكومي، والبرودة التي سادت العلاقات بين بكركي وبعبدا في الفترة الأخيرة.
“بكركي لا تُهاجم أحداً بلّ همّ يُهاجموننا”، بهذه العبارة ختم الراعي كلامه بعد لقائه عون أمس، في إشارة إلى أنّ الهجوم العوني على البطريركية في الفترة الأخيرة لن يدفع البطريرك إلى قطع تواصله مع أبنائه، حتّى “الضالين منهم”، ومع جميع المكونات اللبنانية، ويبقى شعار “أبواب بكركي مفتوحة أمام الجميع” هو الأساس الذي تعمل به البطريركية المارونية.
وإذا كانت ملفات الحكومة والتجاوزات القضائية والمشكلات الإجتماعية والأمنية والسياسية هي الطاغية على لقاء الراعي برئيس الجمهورية، إلا أن الزيارة أتت في الإطار العملي أكثر من السياسي، وكان التركيز في الجزء الأكبر من اللقاء على موضوع التهريب بكل جوانبه وآخره المخدرات إلى المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج.
يحاول البطريرك الراعي سدّ عجز الدولة والسياسيين وتصحيح أخطائهم، وإذا كان “التيار الوطني الحرّ” أخذ قسماً من المسيحيين إلى حضن “حزب الله” ومحور الممانعة وغطّى تجاوزات “الحزب” ومحاولته السيطرة على الدولة، مما زاد من منسوب الغضب السعودي والخليجي على اللبنانيين جميعاً، فإن البطريرك الراعي يحاول وصْل ما انقطع من علاقات لبنانية – خليجية، وهو بادر فور تبلّغه خبر منع البضائع الزراعية اللبنانية من دخول الأراضي السعودية، إلى الإتصال بالسفير السعودي لدى لبنان وليد بخاري مستنكراً كل التجاوزات التي تحصل وعمليات التهريب التي تضرب سمعة لبنان وتضرّ باقتصاده.
واختار الراعي التوقيت المناسب لزيارته بعبدا، فقد استبق الإجتماع الذي كان مقرّراً في القصر بدعوة من عون من أجل بحث موضوع التهريب إلى الخليج، وذلك من أجل الضغط على رئيس الجمهورية للتصرّف من أجل سمعة البلد والمُزارع وإعادة وصْل ما انقطع من العلاقات بين لبنان والسعودية.
وإذا كان الراعي نفى قيامه بأي وساطة في الملف الحكومي، إلاّ أنه بادر إلى الإتصال ببخاري واجتمع بالرئيس عون من أجل اتخاذ تدابير فعلية تُعيد فتح أبواب الخليج أمام المنتجات الزراعية اللبنانية.
ويأتي تحرّك البطريرك الراعي الأخير بعد اطّلاعه من المزارعين، الذين زار وفد يمثلهم الصرح البطريركي، على ملف التهريب باتجاه السعودية والخليج، وعلى حجم الضرر الذي سيُلحقه بهم وبلبنان القرار السعودي والخليجي بمنع تصدير المزروعات من لبنان، وبالتالي فإن لبنان مقبل على نكبة كبرى في القطاع الزراعي، ومعه يُستكمل مسلسل ضرب كل القطاعات الإنتاجية.
ما يقوم به البطريرك الماروني كان يجب أن يقوم به وزير الزراعة أولاً ووزير الخارجية ثانياً والحكومة ورئيس الجمهورية ثالثاً، خصوصاً أنه يقع على عاتق الأجهزة الأمنية ضبط المعابر الشرعية ووقف التهريب عبر المطار والمرفأ، لكن بما أن السلطة وكبار المسؤولين في الدولة في غيبوبة، فإن الراعي الذي بات يحظى بمكانة كبيرة لدى السعودية، رأى من الواجب التحرّك لإنقاذ المُزارع من الكارثة المقبلة ولصون سمعة لبنان، كلّ لبنان، ومن أجل عدم توتير العلاقات اللبنانية – الخليجية أكثر، لذلك فإن البطريرك سيستمرّ بالتواصل مع السعوديين من أجل حلّ هذه المشكلة.
تحتاج هذه القضية إلى معالجات جذرية من الدولة اللبنانية ولا تكفي البيانات والإستنكارات إلا إذا كان هناك تواطؤ بين بعض العناصر من أجهزة الدولة و”الدويلة” أو الدويلات، التي تنفّذ مثل هكذا عمليات تهريب تارة إلى سوريا لإنقاذ النظام السوري وطوراً إلى الخليج لأهداف باتت معروفة.