ماذا تريد اليابان من أولمبياد طوكيو؟
بسام خالد الطيّارة
إن فلسفة الألعاب الأولمبية تدور حول فكرة لم شمل الأمم والشعوب وأن الرياضة لديها القدرة على تغيير العالم والطباع وردات الفعل بين الدول، وبالتالي تغير المستقبل عبر الأمل. كل هذا صحيح. ويصح بقدر كاف بالنسبة لأولمبياد طوكيو في اليابان. يعتبر البعض أن الألعاب الأولمبية التي أقيمت في طوكيو عام ١٩٦٤ غيّرت معالم اليابان بالكامل بعد الحرب العالمية الثانية، أكان عبر إعادة إعمار وتنظيم المدن أم من خلال دمجها في «العالم الحديث». ولكن يغيب عن بال البعض أن اختيار دولة للألعاب الأولمبية يتم على أساس اقتصادي أولا ً وأخيراً، لضرورات التنظيم من بناء ملاعب إلى دعم وسائل التواصل والمواصلات والفنادق مروراً باستقبال رياضيين وتأمين مترجمين وفرق مرافقة إلخ.. كوريا الجنوبية نظمت ألعاب سيول عام ١٩٨٨ بعد أن شهدت نهضة اقتصادية استثنائية وبعد أن خرجت من تحت عباءة دكتاتورية الجنرالات الذين فرضوا تطوراً صناعياً واستطاعت أن ترفع نموها إلى ١٢٪ وانفتح مجتمعها على العالم وباتت في المرتبة السابعة كقوة اقتصادية. بدورها، انتظرت الصين حتى عام ٢٠٠٨ لتستقبل الألعاب الأولمبية الصيفية. بعد أزمة ٢٠٠٨ الاقتصادية، بات اقتصاد الصين في المرتبة الثالثة خلف الولايات المتحدة واليابان مع مؤشر نمو يتجاوز الـ ٧٪. في اليابان على الزائر الذي يريد أن يرى اليابان الحقيقية أن يمتثل لقواعد العيش اليابانية. عندها، يستسيغ الحياة في الأرخبيل إذاً لا يتم تسليم شعلة تنظيم الألعاب الأولمبية إلا للدول «الناجحة اقتصادياً والقادرة على تحمل مصاريف التنظيم»، وفي عودة تاريخية إلى ألعاب ١٩٦٤ وجب التذكير بما يلي: خرجت دولة اليابان مدمرة إثر حرب طويلة (١٩٣٢-١٩٤٥) بدأت على الأرض الصينية وانتهت بعد قصفها بقنبلتين نوويتين دمرتا مدينتين بالكامل (هيروشيما ونكازاكي)، ووقعت تحت احتلال الحلفاء وخصوصاً الجيش الأميركي الذي فرض عليها دستوراً جديداً واحتلالاً قاسياً وتغير نظامها السياسي. وبرغم ذلك استطاعت اليابان «التخلص من الاحتلال» في عام ١٩٥٢ أي بعد سبع سنوات فقط (للتذكير فإن ألمانيا لم تخرج رسميا من وضعية الاحتلال إلا عام ١٩٨٩ مع انهيار جدار برلين ودول أخرى ما زالت تأن تحت نير الاحتلال الأميركي منذ عقدين وأكثر). عام ١٩٦٤ كانت الصناعات اليابانية قد غزت العالم (راديو ترانزيستور وأقمشة وبرادات ومكيفات وساعات وآلات تصوير إلخ…) ما رفع الأرخبيل الياباني إلى مرتبة قوة اقتصادية يحسب لها حساب. ماذا تريد اليابان من ألعاب «Tokyo 2020» (الاسم الرسمي للألعاب بعد أن تم تأجيلها بسبب كورونا فايروس) وماذا يمكن أن تشكل كإضافة إلى ما بات معروفاً عن اليابان؟ مجتمع «ما بعد بعد الحداثة» (post-post modern) هو مجتمع متقدم تقنياً بشكل كبير. اقتصاده وإن تراجع إلى المرتبة الثالثة بعد أن احتلت الصين المرتبة الثانية، إلا أنه اقتصاد وإن كان يطفو على فقاعة ديون إلا أنها ديون داخلية بنسبة ٩٧٪، بعكس دول أخرى يُمسك بديونها لاعبون ماليون خارجيون. ما يقال عن الشعب الياباني أنه لا يحب الغرباء هو قول خاطئ: اليابانيون لا يحبون الزائرين الذين لا ينتظمون حسب القواعد الاجتماعية السائدة في اليابان (عدم رمي القاذورات على الأرصفة؛ عدم الصراخ في الطريق؛ الانتظام في طوابير المحلات ودور السينما والملاعب). في اليابان على الزائر الذي يريد أن يرى اليابان الحقيقية أن يمتثل لقواعد العيش اليابانية. عندها، يستسيغ الحياة في الأرخبيل. من يعرف قيمة شعب اليابان وعراقته وقدراته لن يشكل للحظة واحدة بأنه مع جمهور أم من دون جمهور، فإن الألعاب الأولمبية ستتم مشاهدتها في العالم عبر تقنيات يابانية رقمية مميزة وعالية ستوضع لأول مرة في خدمة الرياضة حول العالم تشكل السياحة أحد أهم أركان الاقتصاد الياباني. ٣٢ مليون زائر عام ٢٠١٩ (ورقم أعمال ٤٢ مليار دولار). كانت المؤسسات السياحية تنتظر ما يزيد عن ٤٠ مليون زائر سنة ٢٠٢٠ مع الأولمبياد قبل أن تقضي جائحة كورونا على هذه الآمال والأرقام الموعودة. كان اليابانيون ينتظرون الألعاب الأولمبية لاستقبال الزوار المتابعين: ٦٠٠ ألف بطاقة تم بيعها قبل سنتين، ويشكل إعادة أثمانها إحدى كبرى العقبات التي ستواجهها اللجنة الأولمبية اليابانية. ولكن برغم هذا سيتم تنظيم مباراة من دون مشاهدين وحتى الآن لا قرار في ما يتعلق بالمتابعين اليابانيين ما إذا كان سيسمح لهم بالدخول إلى الملاعب. برغم هذا اعتمدت اللجنة الأولمبية اليابانية على ثلاثة مفاهيم رئيسية كشعار لهذه الدورة: ١) بذل الجهد لأقصى الدرجات، أي العمل الدؤوب. ٢) تقبل البعض للبعض الآخر، أي متحدون في التنوع. ٣) نقل صورة إيجابية للأجيال القادمة، أي الأمل. من الناحية التقنية، قررت اللجنة الأولمبية إدراج ألعاب رياضية جديدة. على سبيل المثال، تمت إعادة لعبة البيسبول بعد تنحيتها جانباً منذ أولمبياد 2008 في الصين. وقد تم تقديم رياضات الكاراتيه والتسلق والتزلج وركوب الأمواج كأحداث أولمبية بارزة وكألعاب تحظى بشعبية كبيرة في الأرخبيل وكان من المفروض إشراك المزيد من الجماهير اليابانية في متابعتها حيث ستقام الفعاليات في وسط العاصمة (١٢ مليون نسمة) وحول خليج طوكيو. أرادت اليابان أن تكون ألعاب هذه السنة عنوان انطلاقة جديدة لليابان في القرن ٢١ إلا أن جائحة كوفيد ١٩ عرقلت طموحها، ولكن من يعرف قيمة شعب اليابان وعراقته وقدراته لن يشك للحظة واحدة بأنه مع جمهور أم من دون جمهور، فإن الألعاب الأولمبية ستتم مشاهدتها في العالم عبر تقنيات يابانية رقمية مميزة وعالية ستوضع لأول مرة في خدمة الرياضة حول العالم.