الحدث

هل نريد انتخابات بلا مضمون وطني؟

باسم برهوم

الغريب بالأمر، والذي قد يثير التساؤلات أن دولًا إقليمية ودولية تظهر حماسها لإجراء الانتخابات الفلسطينية، ولكن عندما يطلب منها التدخل والضغط على اسرائيل، لإجراء الانتخابات في القدس باعتبارها أرضًا فلسطينية محتلة، نراها تلوذ بالصمت، أو تتحدث بخجل عن الموضوع. ومن دون شك أن الانتخابات هي مصلحة وطنية فلسطينية، وهي ضرورة في هذه المرحلة، ولكن لا يمكن تفريغ الانتخابات من بعدها الوطني، وحصرها في الشأن الداخلي والقضايا المعيشية، وهو ما يحاول بعض هذه الدول المتحمسة دفعنا نحوه، الأمر الذي بالفعل يطرح التساؤلات.
بالتأكيد أن عددًا لا بأس به من الدول تتصرف بحسن نية، وبالفعل تريد أن تساعد الشعب الفلسطيني في ترتيب أوضاعه الداخلية وأن ينهي الانقسام، وهذا بالفعل ما نهدف إليه. بالنسبة لنا الانتخابات هي حلقة من حلقات النضال الوطني. وهي فعل كفاحي وأن أي فعل فلسطيني بالضرورة أن يكون مرتبطًا بالقضية الفلسطينية، وأن يكون هدفه تقريبنا أكثر من إنجاز الاستقلال الوطني، لذلك من المستحيل القبول بإجراء الانتخابات من دون أن تكون القدس في صلبها. أن محاولة بعض الدول تجاهل هذا الربط الموضوعي بين ما هو وطني متعلق بقضيتنا الوطنية والقضايا المعيشية هو ما يثير مخاوفنا. ونشتم منه أن صفقة القرن لا تزال تعشعش في عقل بعض هذه الدول.
الأمر الآخر والذي يتطلب الحذر الشديد، هو أن لا تكون الانتخابات مدخلًا لهؤلاء، المشكوك في حماسهم، للسيطرة على القرار المتعلق بالقضية الفلسطينية، المتعلق بمصير الشعب الفلسطيني، ومدخلًا للمزيد من التدخلات الخارجية واستباحة الشأن الداخلي الفلسطيني.
أن مخاوفنا لها ما يبررها، خصوصًا عندما رأينا دولًا عربية شقيقة من حولنا قد جرى تدميرها من كثرة التدخلات في شؤونها عربًا وأجانب. أن محاولة تفريغ الانتخابات من مضمونها الوطني، هي وصفة خطيرة تأخذنا الى دائرة مفرغة لا تقودنا إلى أي شيء، أنها وصفة خبيثة هدفها اشغالنا عن الفعل النضالي الحقيقي عن أهدافنا الوطنية، وعن جوهر الصراع، وعناصره الرئيسية ومن أهمها القدس. أن المتحمس لمساعدتنا لإجراء الانتخابات عليه أن يفعل كل شيء لتكون انتخابات حقيقية وجدية تشمل كافة المناطق وكل الشعب، وأن تكون بالفعل مقدمة للاستقلال ونيل الحرية.
نحن لسنا سويسرا أو السويد، الواقع يقول أننا دولة تحت الاحتلال، ومن هنا مكمن الربط بين ما هو وطني وما هو معيشي أو شأن داخلي، الانتخابات لن تكون مدخلًا لتمرير صفقة القرن التي وقفنا في وجهها بصلابة، لن نسمح أن ندخلها من شباك الانتخابات بعد أن أخرجناها من باب الصمود. لذلك القدس أولًا.
ولكي نفهم بعضنا جيدًا، هذه ليست دعوه لتأجيل الانتخابات إطلاقًا، علينا أن نصر على إجرائها في موعدها، فهي مهمة لنا إذا أعادت بناء نظامنا السياسي واعطته شرعية اضافية، وهي مهمة إذا استطعنا أن ننهي الانقسام من خلالها، واستعادة قطاع غزة وتوحيد الوطن، ولكن الهدف من وراء كل ذلك يجب أن يكون دحر الاحتلال وانجاز الاستقلال الوطني. نحن نريد انتخابات بمضمون وطني كامل وليس انتخابات لخطف القضية الفلسطينية وتصفيتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى