مَن المَخلوع، القضاء أم قِفل باب شركة؟
“ليبانون ديبايت” ـ روني ألفا
رسالةُ القضاء في لبنان ورقة ممزقة. لا يقرأها أحد. بالكاد بعض أهل الروب من الدقّة القديمة يتلُون فصولَها يتامى. مِحلٌ في النّزاهَة وتصحُّرٌ في شجاعة الأخلاق. راتبُ القاضي بالكاد يساوي ثمن إطارات سيارته. نحن في مرحلة نزاع. يموت القضاء في لبنان بقصف السياسة.
في الماضي كان يمرُّ القاضي أمام جَمعٍ من الناس فيقفُ أغلبُ الناس إجلالاً كأنهم يؤدون التحية إلى ملك مُتوَّج. باتَ العَديدُ من القضاةِ اليوم ينتعلُونَ سيجاراً كوبياً ويتباهون في المقاهي بمغامرة نسائية أو يجتمعون بوكيل لتطويعِ حكمٍ باسم الشعب يأتي على قياس حصتهم من الدعوى. أتفَه نائب سابق يَمونُ على بعضِ القضاة في لبنان أقوى من القضاء برمّتِه.
ثورةٌ يائسةٌ مطلوبةٌ من أهل الروب. ثورة على تاريخنا الذي بِتنا نخجلُ منه. انتفاضتُه الأخيرة حدثت مع منيف حمدان ورفاقه في بداية التسعينات. بإمكان القاضي العودة الى المحاماة وقبر الفقر لا بأس لكن من العار أن تبقى قاضياً وتثرى من دولار المطرقة!
القضاء قوة مضادة. لا يطيعُ القضاءُ أحداً إلا الضّمير. حتى السلطة التي تعيّنه لا يجوز أن تتجرّأ على المَونَة عليه ولو بِعودِ ثقاب. هو الملاذ الأخير والقيم عندما تنحلُّ القيم. غادة عون أو غيرها ضحايا نظام حوَّل القضاة الى موظفين ومأمورين عند زعماء القبائل. هي تعمل ربما بهديِ ضَميرِها. لا تصدّق في قرارة نفسها أنها أداة لكنها للأسف كذلك.
القضاء قوة تُطاع لا قوة تُطيع. مخجلٌ منظر الأحزاب التي تواكب القضاة في عملهم وتهتفُ لهم او ضدهم في الشارع. مشهد يجب ان يستحي به القاضي قبل ان يستحي منه مناصرو الأحزاب.
العنوان اليوم هو شركة مكتَّف. غداً أي شركة أو مؤسسة. القاضي وسيلة من وسائل السلم الأهلي لا معبر لحرب أهلية. القضاء اليوم يتحوَّل إلى ممشط كلاشنيكوف في ايدي أهل السلطة. قمة إفيرست العيب الأخلاقي.
الأحزاب تُخضعُ السلك القضائي برمته. تُعين اعضاءه. تقرِّبهم وتبعدُهم عن ولائم المكاسب على وقع طاعتهم لها او تمرُّدِهِم عليها. يعمل الكثير منهم بكلفة حفلة شواء ويبيعون ضمائرهم بواحِد من الفضّة. صارت ادارة ثرواتهم وعقاراتهم قبل عدالتهم.
قاضيَة يتم كفّ يدِها بقضاءٍ مسيَّس أصلاً فتكسرُ وتخلَعُ إقفالاً بكلتَي يَدَيها. هذا ليس إدانة لغادة عون. إنها إدانة لدولة القانون. عندما تنحلّ دولة القانون نكون أمام رفع دُشَم الحرب.
المؤسسات الأمنية أسوأ. انقسَمَت هي أيضاً. أمن الدولة يواكب غادة عون والمعلومات تواكب غسان عويدات. العمل جارٍ على تطييف الجيش لولا مناقبية قيادة الجيش. القوى الأمنية ” تتمليش “. تكاد تصير مثلها مثل أي ميليشيا تصحّ المطالبة بنزع سلاحها غير الشرعي. سلاح داخل الدولة وضد الدولة. لم يحدث في تاريخ لبنان أن تحوّلت القوى الشرعية المناط بها تطبيق القانون إلى قوى أمر واقع تطيع زعماء القَطيع.
قرار مجلس القضاء الأعلى تسوية مهينة. بدل أن يتمرّد على السياسة تمرّد على ذاته. نحن في الواقع في دولة تمّ فيها تعليق الدستور وأُعلِنَت فيها الأحكام العرفيّة. من الآن وصاعداً ستتفشّى ظاهرة إستيفاء الحق باليَد. بالإمكان نظريّاً اليوم قتل أي خصم في أي دعوى لأنه لم يعد هناك أي ثقة تربط المتداعين بمرجعية القضاء الصالح.
آخِر أونصَة قَضاء تمّ بيعها في سوق نخاسة السياسة في باب الحديد على مدخل شركة مكتّف للصيرفة. يخسر لبنان في هذه الآونة بعد مصرفه ومرفأه ومستشفاه وجامعته قضاءَه المستقلّ. أسألُ فوق هذا الركام ماذا بقي من لبنان سوى أغاني فيروز وبعض أعمدة في بعلبك مدينة الشّمس. قريباً بعد سرقة الريغارات ونحاس الأسلاك الكهربائية سيتمّ سرقة الأعمدة في مدينة الشمس ربما بمؤازرة من المؤسسات الأمنية وتبريكات من القضاء المختصّ. لبنان يحتضر ومسؤولوه في لالا لاند. مبروك لكم هذه الدولة. تابعوا التهامها علّكم تشبَعون!