قمامة الفساد داخل نفايات السياسة
فاطمة شكر
على عكس كل بلدان العالم ، في لبنان يتغير كل شيء ، فبدل أن يكون القانون سلاحاً يواجه الفساد ، صار في مواجهة محاربي الفساد . لا شيء يوحي بأن المحاسبة التي يطالب بها الجميع ستطبق ، لأن القاعدة في لبنان تختلف وهي شاذة عن الواقع .
معظم من في السلطة من سياسيين و أمنيين وأحزاب وقضاة ، بالإضافة الى رجال المال والمصارف والأعمال ، بدءوا الهجوم على من يتلفظ بكلمة المحاسبة التي بدت بالنسبة لهم ((غولاً )) سيبتلعهم الواحد تلو الآخر .
المفارقة أن القاضية غادة عون أكملت تحركها ، بكل صلابة وقوة ، ومن دون أن تلتفت الى الوراء والى القرار الأخير الذي قضى بإحالتها الى هيئة التفتيش القضائي ، ودعوة مجلس القضاء الأعلى للإستماع إليها. كل هذا لم يحل دون قرارها بإستكمال تقدمها في ملف سحب الأموال من السوق الى الخارج ، أموال الناس التي كانت جنى أعمارهم هُربت الى الخارج ، علماً أن أغلب المصارف التي هُربت الى الخارج هي أموال السياسيين وأعضاء مجلس إدارة لتلك المصارف ، ناهيك عن أن الأموال هذه هُربت لصالح خمسة مصارف لبنانية محلية ، وأن 9 مليارات دولار طارت دون أن يتحرك أحد ، لا بل تستمر المصارف بالتواطؤ مع الصرافين وجمع الدولار من السوق ، إضافة الى استمرارها في التهريب للأموال .
القاضية عون التي تعرضت للكثير من الهجوم ووصلت الى حد التنمر من قبل بعض السياسيين ، تحدت قرار مجلس القضاء الأعلى وخالفت القواعد ، هي التي انتظرت أمام بوابة شركة مكتف لشحن الدولار ومُنعت من دخول مكاتبها لتحصل على الملفات المالية للشركة ، ختمها مناصروها بخلع البوابة المؤدية الى الباحة الخارجية .
خُلعت البوابة الرئيسية للمكاتب وتم كسرها ، إضافة الى المكتب الذي يحتوي على الملفات السرية بطلب من عون التي دخلت الى المكتب وحمل مرافقيها الشخصيين كل الحواسيب والمستندات ووضعت كلها في صندوق سيارة القاضية الشخصية .
“الريسة ” عون غيّرن الأمس كل قواعد اللعبة . يبدو أنها ستخوضُ حرباً قاسية في مواجهة الفاسدين الذين (ابتلعوا) أموال الناس ، قررت عون أن تدافع عن (حقوق الناس ) المنسية والتي لا أهمية لها بالنسبة لهذه الطبقة السياسية الحاكمة .
شركة مكتف التي (أكلت ) و (بخرت) أموال الناس دون أن يرف لها جفن، هددت بطريقة غير مباشرة القاضية عون عبر الهاتف ، وقام أصحابها بإفتعال المشاكل ، ثم إتصل القاضي غسان عويدات بعون مطالباً إياها بتسليم الملف الى المحامي العام الإستئنافي في جبل لبنان القاضي سامر ليشع لترد عون عليه : (خليه يحكيني ) .
وبعد أكثر من 4 ساعات من البحث عن المستندات التي تدين شركة مكتف التي (نهبت) أموال الناس ، قامت القاضية غادة عون بمساعدة 4 خبراء كانوا برفقتها ، بفك الحواسيب ووضعها داخل سيارتها الشخصية وغادرت المكان . المشهد الجريء هذا لم ينتهِ بعد ، إصرار القاضية عون على دخول شركة مكتف جاء عقب التحقيقات التي أجرتها مع شركة سكاب المتخصصة بنقل الأموال في الداخل ، و التي أظهرت كل التعاون مع عون ، لا بل وقامت بتسليمها مستندات تؤكد أن الشركة نقلت الى شركة مكتف أكثر من 9 مليارات دولار بين العامين 2019 و 2021.
وتفيد المعلومات بأن الوثائق التي حصلت عليها القاضية عون تؤكد أن الأموال التي هربت الى الخارج كانت قد هربت بغالبيتها إلى مصارف سويسرا ، و البعض منها الى مصارف قبرص .
وقاحة شركة مكتف لم تتوقف هنا ، إذ تشير المستندات التي استحوذت عليها غادة عون الى أن الشركة المذكورة أعلاه قامت في الأسابيع القليلة الماضية بتحويل بضعة ملايين الدولارات الى الخارج رغم ما يشهده لبنان من إنهيارٍ إقتصادي .
وبذلك تكون القاضية عون التي تهجّم عليها معظم من في السلطة الحاكمة ، والذين يطالبون بالمحاسبة ، قد ضربت جزءاً لا يستهان به من مهربي أموال الشعب ، وهي بكل تأكيد تحمل في سلتها المزيد من المعلومات التي ستدين مسؤولين ساهموا في إنهيار الليرة أمام الدولار وجعلها أوراقاً لا جدوى منها .
قد يراهن البعض على أن إرسال الأموال الى الخارج ليس جرمًا يحاسب عليه القانون لكن عون بإمكانها أن تدعي على المصارف وشركات نقل الأموال بجرم تحقيق أرباح غير مشروعة ، و إنهيار الليرة أمام الدولار .
كل هذا لم يثنِ عون عن عملها و محاربتها للفساد . السيدة التي لم تخف أحدًا أسقطت بالأمس هيكلًا من هياكل الفساد ، فهل ستكر السبحة ؟
أم سيكون ملف المحاسبة في تهريب الأموال كباقي الملفات السابقة التي ذهبت مع الريح ؟